Jump to content
Sign in to follow this  
الزعيم

البيئة في القرآن الكريم

Recommended Posts

مشكلة البيئة من أهم القضايا التي يواجهها الإنسان في العصر الحديث، فهذه المشكلة لا تهدد الإنسان فحسب، بل تهدد حق الأجيال القادمة في عيشهم ضمن مناخ صحّي. وبصفتها تلك تظهر أمامنا كقضية عالمية. والإنسان المعاصر الذي شهد اكتشافات مذهلة في مجال العلم والتكنولوجيا لم يستطع التعامل مع الطبيعة بشكل متوازن.

ونعني بـ"البيئة" كل الظروف الطبيعية التي نعيش فيها مع الكائنات الأخرى. فكما أن منـزل الإنسان وحديقته والهواء الذي يستنشقه والماء الذي يشربه والمدينة التي يعيش فيها والناس الذين يعيش معهم تشكل جزء من بيئته؛ فإن الغابات والجبال والأنهار والبحار التي يشترك فيها الناسُ هي الأخرى جزء من بيئته. ونعني بقضايا البيئة فساد المناخ في عالم الطبيعة الذي يحيط بنا، وانقراض أنواع الحيوانات، والاستهلاك الزائد، وتلوث الطبيعة، علاوة على التلوث الاجتماعي في البيئة كالفقر والجوع والهجرة والقهر والقمع والأطفال المشردين في الشوارع وإدمان المخدرات وغيرها من القضايا. وعندما يُنظر إلى أساس تلك المشاكل، يظهر أن غالبيتها العظمى ذات مصدر إنساني. ولهذا يربط كثير من المسلمين قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(الروم:41) بقضايا البيئة، إذ من المعلوم أن أكثر ما يفسد التوازن في الطبيعة هو الاستهلاك الزائد والإسراف وهدر المصادر الطبيعية بشكل مفزع.

 

النظرة القرآنية نحو البيئة

لقد غيـّر القرآن على مدى ثلاثة وعشرين عامًا -وهي الفترة التي تنـزل فيها- نظرةَ مخاطبيه نحو العالم، وشكـّل فكرًا كونيًّا جديدًا أساسه التوحيد. فالطبيعة التي كانت بالنسبة للناس، تبدو كشيء مهمل بلا فائدة، قد عرّفها القرآن من جديد بأنها آية من آيات الله، وبالتالي فإن أحد الشروط الواجبة للوصول إلى الإيمان الحقيقي هو التأمل والتفكر في الطبيعة كشاهد لنعمة الله على الإنسان.

إن أول أمر في القرآن هو "اقرأ". وليس المقصود من هذا الأمر قراءة نص مكتوب أو شيء محفوظ فحسب، بل هي قراءة من شتّى النواحي؛ فالعالم الذى كان -حسب التصور الجاهلي- بلا روح ومعنى، اكتسب بهذه القراءة مفهومًا جديدًا، وهو أنه يذكر الله ويسبحه. فكل الذرات التي في هذا الكون الفسيح تتوجه إلى الله بمشاعر العبودية وتنـزهه عن كل نقص كأنها قلب واحد مرصود لذكر الله. فالله تعالى يعرفنا بنفسه، ويجعلنا نشعر بوجوده مع كل شيء في هذا العالم، وكل ما في الوجود هو انعكاس لقدرته وعلمه وجلاله وجماله.

 

عناصر البيئة فى القرآن

أ - خلق الكون

أول برهان يربط القرآنَ بالكون هو حقيقة أنه خلق من عدم: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(الأنعام:101)، إلا أن هذا الخلق لم يكن بالصدفة، بل بعلم الخالق وقدرته وإرادته. ومفهوم الخلق هو أحد المفاهيم الأساسية في التصور الإسلامي.

وقوله تعالى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾(الرحمن:5-8) يشد الانتباه إلى التوازن الموجود في الطبيعة، ويعلن أن الحفاظ على التوازن من القواعد الكونية التي يجب علينا مراعاتها.

وعندما يتحدث القرآن عن الكون يعلن أنه مسلم ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾(آل عمران:83). بمعنى أن كل الوجود أسلم لإرادة الله بشكل مطلق. فكل الوجود الذي نسميه الطبيعة، كأنه جنود تسمع وتطيع، وتنفذ واجباتها الفطرية؛ أما المتوقع من المسلم، فهو التسليم بإرادته الحرة للإرادة الألهية في جو من التوافق والتناغم مع الكون.

بـ- الماء كمصدر للحياة

يؤكد القرآن على أن الماء مصدر الحياة ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾(الأنبياء:30). والمطر ينـزل من السماء بقياس وقدر معلوم، يقول تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾(المؤمنون:18)، والماء الذى هو أهم ضرورات الإنسان الحياتية منذ أن كان طينًا، نعمة في حد ذاته، كما أنه سبب ظهور كثير من النعم.

جـ- البحار والمحيطات

إن الله تعالى يقول: ﴿هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(النحل:14). وينبهنا الله إلى الفائدة التي تحققها البحار للإنسان: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(الإسراء:66).

د- السحب والمطر

عندما طلب أهل مكة من الرسول صلى الله عليه وسلم المعجزات نزلت آية ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(البقرة:164). وهذا يعني أن أكبر معجزات الله وأدومها هي العالم الذي حولنا ويحيط بنا، إذ يوجد فيه دلائل لا حصر لها على وجود الله ووحدانيته ومن ضمنها المطر، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(الأعراف:57).

والقرآن عند الحديث عن المطر يوجه النظر إلى الكائنات برؤية كلية ويصور العالم كأنه مَنـزِل: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(البقرة:22). فالأرض التي هي جزء من هذا الكون تم تمهيدها للإنسان وأقيمت وفق نظام معين، وتم تزويد الأرض بالماء لتنمو الكائنات الحية وتعيش.

هـ- الرعد والبرق

الرعد والبرق والصواعق -من منظور قرآني- مخلوقة لله، تذكُره وتسبّحه؛ فالقرآن الكريم قرنها بالملائكة ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾(الرعد:13). فهذا الرعد الذي يكون مع البرق ويُسمع بعده مدويا في الفضاء كأنما ينـزع القلوب من مكانها.. وهذا الانشقاق والصوت الرهيب المتجاوب من أفق إلى أفقٍ آخر يسبح الله ويعظمه معلنا نعمته ورحمته وعظمته وكبرياءه.

و- الجبال

إن الذي خلق الكائنات وخلق السماوات بغير عمد هو الذي خلق الجبال أيضا وأرساها على الأرض لئلا يتضرر الإنسان ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا﴾(الرعد:3). وأيضا فالجبال كانت تسبح الله مع داود عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾(سبأ:10). فكأنه يصل أثناء التسبيح إلى درجة القرب إلى الله والبعد عن نفسه حتى إن كل الحجب التي بينه وبين الكون تزول، وتستكمل خواصه بخصائص الكون وتتحد تسبيحاته بتسبيحاته، ونتيجة هذا تردِّد الطيور والجبال تسابيحه.

ز-الأنعام:

وينبه القرآن الكريم إلى أن الحيوانات هي أجزاء هامة في المنظومة الكونية المتكاملة، وأنها أمم أمثالنا ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾(الأنعام:38). أي إن الحيوانات مثل الإنسان؛ خلقت في بادئ أمرها من تراب، وأخذت مظهر الحياة، وتم تحديد أرزاقها وآجالها، حسب تقدير معين، وهي تعيش مجتمعة مثلكم، وتتقارب أو تتباعد من بعضها البعض وفق قوانين حاكمة ونظم خاصة في دائرة التقدير الإلهي، وهي في خصائصها المرئية والخفية تعد أمما أمثالكم.

والقرآن الكريم يريد من العرب وهم أول المخاطبين أن ينظروا بدقة وتفحص إلى الإبل التي عرفوها جيدا وهي جزء لا ينفصل عن حياتهم اليومية، فيقول: ﴿أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾(الغاشية:18).

والمخاطَبون بالقرآن الكريم كانوا يرون بكل تأكيد إبلَهم، ولكن القرآن الكريم يدعو الإنسان إلى أن ينظر إلى الطبيعة وكل ما تحويه بعين جديدة بإصرار واطراد كإشارات على وجوده سبحانه وتعالى.

وحينما يوبخ الله تعالى الكافرين يقول: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ﴾(يس:71-73).

والواقع أن الشيء الذي يريده المولى تعالى في مقابل إنعامه على الإنسان بتلك الحيوانات ما هو إلا شيء بسيط يستطيع أي إنسان أن يقوم به. وذلك بأن يذكره جل وعلا ويشكره ويقولَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾(الزخرف:12-13). ويلفت القرآن النظر إلى الخيل أيضا فهي مخلوقات أصلية وهامة حيث يقسم بها المولى عز وجل: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾(العاديات:1-5).

وفي سياق قصة سيدنا سليمان يشير إلى وجود تواصل بين النمل والإنسان وبين النمل وبعضه البعض؛ فإنه عليه السلام كان يتقدم بجيشه من الجن والإنس والطير، وكان النملُ يتجه نحو واد به حشد كبير من النمل على رأسه نملة، فقالت بلُغة مقبولة ومتداولة فيما بينها من خلال تواصل وتخابر خاص: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾(النمل:18). ففهِم سيدنا سليمان ما قالته النملة، وتبسّم وشكر ربه على تلك النعمة التي أنعم بها عليه حيث علّمه لغة الحيوانات.

والقرآن الكريم قد ذكر في كثير من الآيات الطيور أيضا؛ إنه يتعجب من أولئك الذين يطلبون من النبي إثبات وجود الله تعالى، فيتساءل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾، ثم يضيف: ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾(الملك:19).

 

المخلوقات أمانة الله لدى الإنسان

فأساس مفهوم الطبيعة الذي بيّنه القرآن، يعتمد على أن جميع الكائنات (الحية وغير الحية) بما فيها الإنسان مخلوقة لله سبحانه؛ فالإنسان والطبيعة بهذا المفهوم ليسا عنصرين منفصلين أو غريبين عن بعضهما البعض، بل هما أمة خلقت من قِبل الخالق نفسه. ويجب على الإنسان أن يتعامل مع الطبيعة والمخلوقات التي فيها بالمسؤولية وعدم الإسراف.

وقد قام إسماعيل ر. فاروق بتلخيص جميل لمحاور علاقة الإنسان بالطبيعة كالتالي:

• إن الطبيعة ليست ملكا للإنسان، وإنما هي ملك لله تعالى.

• إن الطبيعة مسخَّرة للإنسان ويمكنه أن يتصرف فيها، ولكن من خلال قواعد واضحة.

• لا بد للإنسان أن يتصرف مع الطبيعة بصورة أخلاقية لدى استفادته منها واستخدامه لها.

• على الإنسان أن يبحث في العلوم الطبيعية والنظام العام لها ويحاول فهم القوانين الدقيقة الرائعة المودعة فيها.

والسبب في كل هذا هو أن "الأمانة" (خلافة الله في الأرض) عرضت على السماوات والأرض والجبال ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾(الأحزاب:72). وإفساد التوازن البيئي جريمة تتناقض مع مفهوم خلافةٍ تُفسد وتدمر نظام الطبيعة، لأن الخليفة يعني الوكيل، والوكيل لا يجوز له أن يخون أمانة الموكِّل الذي قام بخلق نظام متكامل لهذا العالم وجعله بمثل هذا التناغم والتناسق. والذي يقوم بتخريب وإفساد هذا النظام والتناغم لا شك أنه وكيل سيء.

فالإنسان له حق الاستفادة من الطبيعة، ولكن لا يعني ذلك استخدامها بصورة غير لائقة. وعليه أن لا ينسى أنه -بمقتضى الأمانة التي يحملها- مسؤول عما يفعله وأنه سيحاسب يوما ما على ما اقترفه تجاه غيره من كل المخلوقات ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾(الزلزلة:7-8). كما أن رسولنا الكريم قد نبّه إلى ذلك بقوله: "لتؤدّنّ الحقوقَ إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجَلْحَاء من الشاة القَرْنَاء."(رواه مسلم).

 

إسراف مصادر الطبيعة إثم

ومن هذه الزاوية فإنه يتضح أن الله تعالى هو الذي قدر النعم كلها وأن الشكر عليها هي مسؤولية أخلاقية. والقرآن الكريم يلوم الذين لا يرون نعم الله كآي من آياته، ولا يتفكرون فيها أو لا يعتبرون بها، وفي النهاية يكفرون بنعم الله بدلا من أن يشكروها.

إن الإسراف ليس مجرد هدر للمصادر فحسب، بل هو في الوقت ذاته عدم احترام للخالق سبحانه والذي هو صاحب كل هذه النعم وخالقها. والإسراف لا يؤثر علينا فحسب، بل على الأجيال القادمة أيضا. وقول الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾(القمر:49) ينبه إلى أن على الإنسان الحفاظ على هذا الـ"قدر" وعدم الإخلال به.

فجميع الكائنات مخلوقة لله تعالى؛ فالله تعالى هو الذي زين السماوات بالشمس والقمر والنجوم، وزين الأرض بمختلف الأزهار والأشجار والحدائق وغيرها، وهو الذي يجري الماء على الأرض ويمسك السماء بغير عمد وينـزل الغيث، وهو الذي أوجد النباتات والحيوانات أزواجًا وحقق لها التكاثر، وفوق كل ذلك هو الذي خلق بني الإنسان.

إن الطبيعة ملك للمولى عز وجل، ونحن أمناء وخلفاء لله على وجه الأرض، ولسنا مالكين لها حتى نتصرف فيها بما نشاء وبدون ضوابط.. وكل شيء فيها هو آية على وجوده تعالى.

وعلى حين ينبهنا القرآن الكريم باستمرار إلى ذاك البعد الربانيّ للطبيعة، فإنه يعود ويؤكد على أن الإنسان الذي هو خليفة ومسؤول عن كل أعماله الحسنة منها والسيئة سوف يحاسب يوم القيامة عن كل تصرفاته حيال هذه الأمانة.

إن يوم الدين لن يكون للحساب على العلاقة بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والمجتمع وحسب؛ بل وعلى العلاقة بين الإنسان والطبيعة أيضا.

وخلاصة القول: إن المسلم الحقيقي يهتم بحماية البيئة وحبها وكلِّ ما بها من أحياء، لأنها ملك الله؛ فهو الذي خلقها وهو الذي ائتمننا عليها. إنه التزام واهتمام أخلاقي أكثر من كونه التزاما قانونيا.

وأما الحيوانات الموجودة في هذا العالم فهي أمم مثلنا. وكل ما في هذا العالم يسبح الله بلسانه الخاص به، ويتحرك نحو تنفيذ أوامر الله تعالى.

وقوانين الطبيعة ما هي إلا تنفيذ لأوامر الله تعالى.

إن الإنسان بصفته خليفة الله له الحق في أن يستفيد من الطبيعة بشرط خضوعه لله تعالى، وطالما خضع لله، خضعت له المخلوقات.

 

مقال للدكتور / إبراهيم أوزدمير

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×