Jump to content
Sign in to follow this  
belfakih

قصة استهلال واقعية

Recommended Posts

 

قصة استهلال واقعية

في زمن غابر احتشد الناس خارج مدينتهم يتراءون الهلال ، يتوسط جمعهم قاضيهم المشهور بذكائه و وقاره ، استلت الشمس بسلاسة خلف الأفق الغربي و أخذ الظلام في افتراش الأفق ، بدأ الجمع في بحث جاد عن الهلال ، فمن هو سعيد الحظ الذي سيعثر عليه بين خربشات الأفق الأحمر ؟ الحماس يأخذ بأفئدة الراصدين ، و من خلفهم الآلاف الذين ينتظرون خبر الهلال ، و من يراه سيقدم خدمة لهؤلاء جميعاً ، و سيمنح شهادة غير رسمية في حدة النظر و خبرة الترائي . مر وقت طول دون ما نبس ببنت شفة غير ما تمتمات متلكلكة . و فجأة يخترق الصمت صوت متحشرج واثق : لقد رأت الهلال ... أيها القاضي ! . مصدر الصوت شيخ عجوز كان يجلس بالقرب من القاضي ، لقد كان شيخاً غاية في الفضل و الورع ،

التفت القاضي إليه قائلا له : و ما الذي رأيت يا شيخ ؟

الشيخ : رأيت الهلال .

القاضي : أين ؟

الشيخ : هناك . ( و أشار إلى موضع في السماء ) .

أرسل الجميع إليه أبصارهم حتى فترت ، و لم يتبين لها شيء ! .

أخذت الدهشة و الهول يلف جمع المترائين ، و التفوا حول القاضي الذي كان يدور في خلده الحوار الآتي :

• هل انقضى وقت الرؤية الحقيقية ... و بدأ تسرب الأوهام و الكذب ، و هذا بالطبع قد يحدث حين يشرف وقت المراقبة على الأفول ، و يدب شعور بالفشل و الإحباط و الخوف من العودة الخائبة ( بخف حنبن ) .

• لكن هذا الشيخ الفاضل ثقة ، و أبعد ما يكون عن تهمة الكذب و التزوير .

• إذن كيف رأى ما لم يره هذا الجمع من الشباب حديدي البصر ؟

... و هكذا رأى القاضي نفسه أمام قضية ، لو أعمل فيها علمه فحسب لحكم بثبوت الهلال ، فالشاهد يشهد إلا إله إلا الله و أن محمد رسول الله ، و هو قمة في العدالــة و التـــقوى لا يملك الجميع إلا تصديقه ، لكن هذا النوع من القضايا يحتاج إلى ذكاء القاضي أكثر من علمه ، أخذ القاضي يتأمل وجه الشيخ الوقور الصادق ، فإذا هو بشعرة بيضاء طويلة تدلت من حاجبه العلوي محاكية قوس الهلال أمام عينه ضعيفة النظر ، ابتسم القاضي بأدب في وجـه الشيخ ، ثم استأذنه في مسح عينه ، فمسحها برفق و أزال الشعرة المشاغبة من أمامها ،

ثم قال له : هل لا زلت تر الهلال . قال الشيخ : لا ! ، لا أدري أين ذهب .

فأجاب القاضي : لقد كانت- أيها الشيخ - شعرة من شعراتك ؟

تنفس الجميع الصعداء ، و عادت إلى الكل ثقتهم بخبرتهم و علمهم و صدقهم و عدالتهم و سلامة أبصارهم .

لقد أنها القاضي الحكم بذكائه هذا المشهد المربك لدعوى غير حقيقية برؤية الهلال ،

و اقتنع الآحاد بأن لا هلال في السماء ، و أن ما رأوه ، و هم يقع فيه البشر ؟

و عادوا واثقون بحكم قاضيهم و صدق شيخهم و صحة علمهم و خبرتهم و شهرهم و عبادتهم و نسكهم ... و سلامة أبصارهم .

و هكذا أصدر القاضي بياناً مبكراً مستقلا واضحاً لا ارتياب عليه ، يوافق الشرع و العلم و الخبرة و يوحد الأمة .

حقاً لقد كان هؤلاء القوم محظوظين ، حين كان لهم قاضياً يخرج معهم للترائي ، و يصحب معه الشيوخ و أقوياء البصر ، و يستقبل شهادة الثقاة بتمحيص و ينظر فيها بتأني و يستجوب المدعي و يبين موطن الخلل في دعواه . حتى لا يصوموا و يفطروا و يحجوا على أوهام الشهود التي كثيراً ما أوقعتنا في الخطأ والخلاف و عكرت صفو أعيادنا بالشكوك و البلبلة . القاضي هو إياس بن معاوية المزني ... و الشيخ هو الصحابي الجليل أنس بن مالك ... و الزمن عصر من عصور العزة يقام فيه الشرع و يحترم العلم العقل ... .

 

كتبها : صالح عبد اللاه بلفقيه _ اليمن – حضرموت

sabelfakih@hotmi.com

23/رمضان 1427هـ

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×