سلمان رمضان 0 Report post Posted December 20, 2007 حمزة قبلان المزيني "فاسألوا أهل الذِّكر" كان المتوقع أن يؤدي تكرار الخطأ ـ سنويا ـ في إثبات أوائل الأشهر القمرية، خاصة أشهر العبادات الموسمية كشهري رمضان وذي الحجة، إلى أن يراجع مجلس القضاء الأعلى الموقر الطريقة التي يتبعها في هذا الشأن. وقد كتبتُ إلى الآن ثلاثين مقالا عن هذه المشكلة، وكتب غيري من المتخصصين والعلماء والمهتمين أكثر من ذلك. وأوردتْ هذه الإسهامات كلُّها ما لا مزيد عليه من الأدلة المقنعة على أن الطريقة المتبعة في إثبات أوائل الأشهر الهجرية لا تؤدي إلا إلى الخطأ في إدخال الأشهر قبل دخولها الصحيح. وأشارت كذلك إلى أن من الأولى استعمال الوسائل العلمية الدقيقة التي تضمن لمجلس القضاء الأعلى الموقر إثبات الأهلة بطريقة أكثر دقة، خاصة أنها ليس فيها أية مخالفة للسنة النبوية المطهرة. لقد ابتلينا في السنوات الماضية، في المملكة خاصة، بنفر اتخذوا "رؤية الأهلة" هواية. ويبدو أن استغراقهم في هذه الهواية صار ينسيهم أنهم إنما يتصدون لأمانة عظيمة يتوقف على شهادتهم فيها صوم مئات الملايين من المسلمين وإفطارهم وحجهم. فيبادر هؤلاء دائما إلى "ادعاء" رؤية الهلال في وقت تؤكد الأدلة العلمية كلها عدم وجوده فوق الأفق بعد غروب الشمس أو لا يمكن رؤيته بالعين المجردة ولا بالمناظير المقربة لقصر الفارق الزمني بين غروب الشمس قبله وغروبه أو للعوارض الجوية. ولا شك أن مجلس القضاء الأعلى يسهم في استمراء هؤلاء المبادرةَ إلى الشهادة التي تخالف الواقع بسبب البيان الذي يصدره دائما طلبا لتحري الهلال في ليلة، أو ليال، يؤكد المتخصصون في الفلك أنها ليست "مظنة" للرؤية. ويحدث هذا على الرغم من قرار مجلس الوزراء الصادر قبل عشر سنوات بتكليف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بمسألة تتبع الأهلة وإصدار تقويم أم القرى الذي تعتمده الدولة تقويما رسميا لها، وتحديد بدايات الأشهر القمرية ومواعيد الصلاة اليومية. أما الأسباب الحقيقية التي تدفع مجلس القضاء الأعلى إلى قبول شهادة هؤلاء الهواة أو بعض الواهمين فيبينها الخطاب الذي يصدر عن بعض علمائنا الكبار ضد الاستئناس بالوسائل الحديثة. ويمكن أن يمثله بتعقيب فضيلة الشيخ صالح الفوزان ـ عضو هيئة كبار العلماء ـ الذي نشرته "الوطن" في 15/10/1428. يبدأ الشيخ الفاضل تعقيبه بقوله: "في كل سنة يحصل عند دخول شهر رمضان وخروجه لغط من بعض الكتاب في الصحف حول دخول الشهر وخروجه ويقدمون هذا اللغط قبل دخول الشهر أو خروجه بأن الهلال يرى أو لا يرى اعتمادا على اختلاف أهل الحساب لأن الحساب عمل بشري يخطئ ويصيب ولا يمكن أن يتفق الحاسبون فيما بينهم ولو اتفقوا فعملهم عمل بشري يخطئ ويصيب ويدخله الجهل. وقد لا يوجد حاسبون في بعض الأوقات أو بعض الجهات، فلذلك لم يكلنا الله إلى أنفسنا، بل ربط الحكم بعلامة ظاهرة يراها العالم والجاهل والحاسب وغيره وهي في كل وقت وفي كل زمان وهي رؤية الهلال". وأول الملحوظات على هذا الخطاب الضِّيقُ بالرأي الذي لا يتفق مع التوجه الذي يتبناه هؤلاء العلماء الأفاضل. ويشهد بذلك وصف فضيلته ما يكتبه الكتّاب بأنه "لغط" مع أنه لا موجب لاستخدام هذه اللغة الحادة. ونعرف جميعا أن بعض أعضاء هيئة كبار العلماء يتفقون مع "الكتّاب" الذين يشير إليهم فضيلة الشيخ الفوزان؛ ومن أشهر هؤلاء فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع الذي كتب تعقيبا مفصلا على خطأ إدخال شهر شوال هذه السنة. ثم يشير فضيلته إلى "اختلاف أهل الحساب" وأنه "لا يمكن أن يتفقوا". وهذه حجة لا يمل المعارضون للوسائل الحديثة من تكرارها. أما الحقيقة فإنه لا يوجد خلاف بين "الحسّاب" المتخصصين في علم الفلك في هذه القضية. إلا أن هناك بعض المتطفلين على هذا التخصص يجازفون بالإعلان عن حساباتهم الخاطئة التي لا تستند إلى أية أسس علمية. وقد بين المتخصصون في الفلك هذه الشبهة كثيرا لكن يبدو أن لا أحد يرغب في سماع ما يقولونه. والحجة الأخرى قول فضيلته إن"الحساب عمل بشري يخطئ ويصيب ولا يمكن أن يتفق الحاسبون فيما بينهم ولو اتفقوا فعملهم عمل بشري يخطئ ويصيب ويدخله الجهل". أما الواقع فهو أن الحسابات الفلكية أعمال علمية دقيقة يتفق عليها آلاف المتخصصين، مسلمين وغير مسلمين، في مراكز علمية عالمية تحرص على دقة ما يصدر عنها من معلومات. وبالمنطق نفسه فإن "شهادة" الهواة والواهمين "عمل بشري يخطئ ويصيب ويدخله الجهل". وما كنت أود أن يقول الشيخ الجليل إن الحسابات الفلكية يدخلها الجهل. كما أنه حكم لا يصح على الحسابات الفلكية الآن التي لا يتسع المجال هنا للتدليل على أنها أبعد ما تكون عن "الجهل". ومن الحجج التي تورد دائما ويستند إليها موقف مجلس القضاء الأعلى ما عبر عنه الشيخ الفاضل بقوله إن الرسول صلى الله عليه وسلم:"... علق... الصوم والإفطار بعلامتين واضحتين لا ثالثة لهما: الرؤية أو إكمال العدة". ولا يطالب الكتّاب والعلماء الذين ينتقدون الطريقة التي يقبل بها مجلس القضاء الأعلى شهادة الهواة أو الواهمين بأن يكون الحساب بديلا للرؤية. أما ما يقترحونه فهو الاستعانة بالحساب الفلكي الدقيق الذي يعد الآن وسيلة دقيقة ليضمن لنا تحديد الليلة التي نتراءى فيها الهلال ويعيننا على التوثق من شهادة من يتقدم للشهادة. يضاف إلى ذلك أنه لا يمكن أن يكون "إتمام العدة" صحيحا إلا إذا عرفنا بداية الشهر السابق. لهذا فالقول بأن الكتّاب يريدون الاستغناء عن "الرؤية الشرعية" غير صحيح. كما أنهم لا ". . . يريدون أن يحولوا المسلمين عما تركهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصاهم به في أمر الصيام والإفطار إلى العمل بالحساب الفلكي وترك العمل بالرؤية الشرعية" مما يعد إحداثا في دين الله، كما يقول الشيخ الفاضل. ومن الحجج التي ساقها فضيلة الشيخ أنه "... لو فرضنا أنه لو حصل خلاف بالعمل بالحساب أو برؤية الهلال بين العلماء وصدر الأمر من ولي الأمر باعتماد الرؤية وجب العمل بذلك والسمع والطاعة جمعا للكلمة ولأن حكم الحاكم يرفع الخلاف كما هي القاعدة عند العلماء، فكيف والأمر مقصور على الرؤية الشرعية دون الحساب". وليس فيما يقوله بعض علمائنا الأفاضل وبعض الكتّاب عن هذا الأمر رغبة في مخالفة ولي الأمر. أما ما يرغبونه فهو أن يكون قرار مجلس القضاء الأعلى الموقر الذي يعتمد عليه أمر ولي الأمر دقيقا وعلميا وبعيدا عن أخطاء الهواة وأوهام الواهمين وادعاءاتهم. ويوصي الشيخ الفاضل "... الإخوة الذين يتحمسون للعمل بالحساب في دخول شهر رمضان وخروجه وفي بداية شهر ذي الحجة أن يتقوا الله ولا يشوشوا على الناس ويسيئوا الظن بالقضاة ويجهلوهم ويسيئوا الظن بالذين رأوا الهلال". لكن هؤلاء "الإخوة" لا يدعون، كما قدمت، للعمل بالحساب، بل يدعون إلى أن تكون "الرؤية" صحيحة استئناسا بالحساب الفلكي العلمي الدقيق وباستخدام المقربات البصرية. ومن الإجحاف اتهام هؤلاء "الإخوة" بالتشويش على الناس مع أن الذي يشوش على الناس حقيقة هو الثقة المفرطة ببعض من جُرِّب عليهم الخطأ مرات عديدة وتزكيتهم وعدّهم "عدولا" مع أن شهاداتهم تأتي في أغلب الأحيان مخالفة للواقع. ولا يقصد هؤلاء إلى"... إساءة الظن بالقضاة" وتجهيلهم، ذلك أن ما يكتبونه أدخل ما يكون في باب "النصيحة" التي أوجب رسول الله صلى عليه وسلم إسداءها لـ"... أئمة المسلمين وعامتهم". ومن الأدلة الأخيرة على الخطأ الذي يوقعنا به الاعتمادُ على شهادة بعض الهواة والواهمين "العدول" إعلان مجلس القضاء الأعلى أن أول أيام ذي الحجة هذه السنة هو يوم الاثنين، مع أن القمر غاب عن أفق مكة المكرمة قبل 22 دقيقة من غروب الشمس مساء الأحد بل إن رؤيته مساء الاثنين صعبة جدا إلا بالمناظير المقربة. ويمكن الإشارة هنا إلى البيان الذي أصدره "المشروع الإسلامي لرصد الأهلة"، وهو من أوثق المراكز العلمية العربية الآن، ووقعه عدد من المتخصصين في الفلك والشريعة ويتضمن تبيانا علميا وافيا لهذا الخطأ. وختاما فقد أوجب الله سبحانه وتعالى سؤال أهل "الذِّكر" على من لا يعلمون. ومن الواضح أن أعضاء مجلس القضاء الأعلى ليسوا متخصصين في علم الفلك ـ وليس هذا عيبا. لكن هذا يوجب عليهم أن يسألوا "أهل الذكر"، وهم المتخصصون في الفلك، عن تقرير دخول الأشهر القمرية والتأكد من صحة الشهادة برؤية الهلال لأنهم أعرف بهذه المسألة التي تتطلب الشهادة فيها ـ إلى جانب "العدالة" ـ "الانفكاك عما يكذبها". * أكاديمي وكاتب سعودي Share this post Link to post Share on other sites
منير سالم 0 Report post Posted December 20, 2007 شكر الله للأستاذ حمزة قبلان المزين هذا المقال المبارك إذا لم يتّخذ أولوا الأمر الموضوع بجديـّة فإن ما يضيفونه من خدمات للمشاعر المقدّسة لن يثمر. أرجو أن يصل صوتي إليهم بضرورة تغيير أعضاء مجلس القضاء الأعلىتغييرا جذريا وإلى نفر آخرين من أهل العلم ينتمون إلى فئة الشباب ومن لهم باع بالعلوم الحديثة مثل الشيخ العودة وأيضاً من المخضرمين مثل الشيخ إبن منـيـع. Share this post Link to post Share on other sites