Jump to content
Sign in to follow this  
الزعيم

تقلص مكيف هواء الأرض

Recommended Posts

قامت السيدة راغدة حداد رئيسة التحرير التنفيذية لمجلة '' البيئة والتنمية '' ، مع 14 صحافيًا من أنحاء العالم دعاهم الاتحاد العالمي للصحافيين العلميين (WFSJ) للانضمام إلى بعثة علمية دولية على متن كاسحة الجليد الكندية ''أموندسن'' المخصصة للأبحاث .

فأبحرت لمدة أسبوعين في منطقة القطب الشمالي (The Arctic) لتشهد على نتائج الاحتباس العالمي حيثما تبدو للعيان بأسرع تجلياتها ، وتنقل مشاهداتها إلى القراء في العالم العربي .

 

راغدة حداد ( منطقة القطب الشمالي ) :

 

الليلة الماضية نمت في أرجوحة .

هذا ما شعرت به على متن كاسحة الجليد الكندية '' أموندسن '' وهي تمخر عباب المحيط القطبي الشمالي الهائج .

ولكن لا جليد لكي تكسحه بل مياه زرقاء مكشوفة .

كانت السفينة ترتجّ من وقت الى آخر وهي تطأ كتلاً جليدية معلقة تحت الماء ، ولكن لا جليد على السطح .

فمعظم الجليد البحري ذاب في هذا المحيط ، باستثناء الكتلة القطبية الكبرى التي تتقلص سنويًا بسرعة غير مسبوقة ، والأكداس الجليدية الملاصقة لجزيرة غرينلاند وألاسكا والأراضي الشمالية ، وهذه أيضًا في حال ذوبان سريع .

 

وصلتُ إلى جزيرة بانكس ، شمال غرب كندا ، في 23 تموز (يوليو) بعد سفرة طويلة من لبنان تخللتها 8 رحلات جوية , وعلى تلك الجزيرة الباردة القاحلة تصورت كيف يمكن أن تكون الحياة على سطح القمر .

ومع ذلك فالجزيرة مأهولة ، فيها قرية لشعب الإنويت (المعروف بالإسكيمو) يعيش فيها 120 شخصًا جاء شاب من القرية إلى مهبط الطائرات حيث كنا ننتظر الهليكوبتر لتقلّنا إلى كاسحة الجليد .

فسألته عن طبيعة الحياة على الجزيرة أخبرني أن قومه يعيشون على صيد الأسماك والفقم وأيائل الرنة وثيران المسك وإوز الثلج الذي يحطّ بمئات الألوف .

الصيف قصير جدًا لا يتعدى الشهرين ، لذلك لا يستطيع الإنويت زراعة الخضار والفواكه .

ويسمح لأهل القرية بصيد 28 دبًا قطبيًا كحصة سنوية ، وهم يأكلون لحمها ويبيعون جلودها : '' لكننا لم نفِ بحصتنا في السنوات الماضية ، فقد قلّ عدد الدببة " .

الحياة تغيرت على الإنويت الذين عاشوا في هذه الأصقاع منذ آلاف السنين فهم يعوِّلون على تجمد مياه المضائق للتنقل والعبور إلى جزر أخرى من أجل صيد الأيائل .

ولكن مع ارتفاع لا سابق له في درجة الحرارة ، أصبح الجليد يذوب ربيعًا في وقت أبكر ، وتبدأ مياه المحيط بالتجلد خريفًا في وقت متأخر .

وبات الإنويت يجدون الجليد المترقق وتغير أنماط الحياة الفطرية غير مواتيين لمعيشتهم .

وهذا أيضًا ما يقلق جمهور العلماء الآتين من أنحاء العالم ، الذين احتلوا سفينة خفر السواحل الكندية '' أموندسن '' ، ليدرسوا تغير المناخ حيث تتبدّى تأثيراته أولاً في منطقة القطب الشمالي .

 

قاهرة الجليد

 

قلّما رحمت كتلة الجليد القطبي الدخلاء فقد تكسرت عليها السفن الخشبية للمستكشفين الأوائل ، وعلقت في براثنها السفن الفولاذية التي تلتها وتحطمت أحلام كثيرين بعبور متاهة المضائق والقنوات المحروسة بالجليد في الممر الأسطوري الذي يخترق أميركا الشمالية من الغرب إلى الشرق .

المستكشف البريطاني جون فرانكلين الذي شغل العالم ببحثه المحموم عن ذاك '' الممر الشمالي الغربي '' ، قضى على جزيرة متجلدة عام 1847 ومات آخرون في سعيهم للعثور عليه ، وتروي مذكراتهم التي وجدت قرب جثثهم المتجمدة كيف عانوا بردًا وجوعًا وجنونًا وهم ينتظرون انشطارًا منقذًا في الجليد .

أخيرًا جاء قبطان نروجي حريص رابط الجأش يدعى روالد أموندسن ، أمضى ثلاث سنوات وهو يشق طريقه بحذر بين جزر الجليد حتى عبَر الممر قبل نحو قرن .

وقد بنيت كاسحة الجليد الكندية لتكون بصلابة هذا الرجل الذي تحمل اسمه لكن الجليد المرعب يتهاوى ويذوب بفعل تغير المناخ وبعدما كانت السفن تعبر أجزاء من هذا الممر خلال شهر واحد، في أيلول (سبتمبر) حين يذوب جليد الشتاء الماضي وقبل تكون جليد جديد ، انفتح الممر كليًا للإبحار في صيف 2007 ، وقد عبرته '' أموندسن '' من كيبيك في شرق كندا إلى بحر بوفورت في غربها .

كذلك انفتح شق في الكتلة الجليدية من المنطقة القطبية الروسية الى القطب الشمالي وهذان حدثان لم يتم تسجيلهما من قبل .

هكذا أيقظ الذوبان المتسارع للجليد أحلامًا قديمة بطريق مختصرة تمتد في محاذاة القطب الشمالي وقاعه الواعد بثروات النفط والمعادن .

 

عالم الأعماق في محيط يزداد حموضة

 

هناك دائمًا متّسع من الوقت للعمل في الصيف القطبي ، فاليوم 24 ساعة نهارًا . خرجت مرة في منتصف '' الليل '' إلى مقدّم السفينة ، فرأيت الشمس ساطعة فوق الأفق ترفض المغيب , ورأيت شابين ينزلان أداة أسطوانية إلى الماء ، وشرح لي أحدهما :

''هذا جهاز لالتقاط أغاني الحيتان وغيرها من أصوات الأعماق " , فثمة قطعان من الحيتان تمكث في مياه المحيط المتجمد الشمالي خلال هذا الوقت من السنة .

في تلك الساعة المتقدمة من الليل المضاء ، رافقتني الباحثة الأسبانية كريستينا روميرا في جولة على المختبرات الـ 12 على متن كاسحة الجليد إنها تجمع عينات مائية لمعهد علوم البحار في برشلونة، لدراسة محتوياتها من الكلوروفيل والبكتيريا والفيروسات والكائنات المجهرية القطبية الأخرى من أجل فهم أكبر لدورة الكربون .

وسوف يخزن بعض هذه العينات في ثلاجات ببرودة متدنية تبلغ 80 درجة مئوية تحت الصفر باستعمال النيتروجين السائل .

داخل أحد المختبرات رأيت شابة أمام وعاء يحوي نجوم بحر وأصدافًا وديدانًا هايكه لينك باحثة ألمانية توثّق التنوع الأحيائي في قاع المحيط المتجمد الشمالي والدور الذي يؤديه في النظام الايكولوجي وقد عاينت معها ديدانًا غريبة تعيش داخل أنابيب تبنيها من الإفرازات اللزجة وطين القاع .

الدكتورة هايلي هنغ مهندسة كيميائية في وكالة البيئة الكندية ، تقود دراسة دولية حول انتقال الملوثات جوًّا عبر القارات إلى المنطقة القطبية الشمالية ، والهدف قياس مستويات الملوثات العضوية الدائمة (POPs) والزئبق في الهواء ، ووضع نماذج كومبيوترية لوصف حركتها وتقييم تأثير تغير المناخ على ترسبها في المنطقة القطبية الشمالية .

وقد عُثر على هذه الملوثات السامة بمستويات عالية في بعض الثدييات البحرية التي يستهلكها سكان المناطق الشمالية ، حيث تتراكم وتبقى في الجسم وقتًا طويلاً .

ورأيت سيلفيا غريميز ـ كورديرو من الأرجنتين ، تثبّت فوق حافة السفينة جهاز ليزر لقياس منحنيات الأمواج ، وهذه إحدى الطرق لاحتساب انتقال الغازات بين الهواء والماء وهي تجري أبحاثًا حول التفاعل بين الهواء والمحيط في '' طبقة الحدود '' ضمن أول 10 أمتار من الغلاف الجوي وأول خمسة أمتار من المياه .

وأوضحت أن هذا مهم في احتساب ما يمتصه المحيط من ثاني أكسيد الكربون الجوي ، وهو غاز الدفيئة الرئيسي المتهم بزيادة الاحترار العالمي .

 

كلما امتص البحر مزيدًا من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي تزداد حموضته .

 

وقد أظهرت دراسة حديثة أن بعض الحيوانات البحرية تتأثر بالمياه الحمضية فقد وضع علماء من السويد وأستراليا قنافذ بحر (توتياء) لتتزاوج في مياه أكثر حموضة بثلاثة أضعاف يتوقعها العلماء للمحيطات في نهاية القرن الحالي وتضع إناث قنافذ البحر بيضها في المياه لتلقحها الحيوانات المنوية التي يطلقها الذكور .

ولكن في هذه المياه الحمضية انخفض معدل تكاثرها بنسبة 25 في المائة ، لأن الحيوانات المنوية باتت تسبح بشكل أبطأ وأقل فعالية ويعمل الباحثون حاليًا لمعرفة ما إذا كانت حيوانات بحرية أخرى تبدي تأثرًا مماثلاً، خصوصًا الأنواع التجارية مثل الكركند والسلاطعين والمحار والأسماك .

 

تقلّص مكيف هواء الأرض

 

خسر القطب الشمالي نحو ثلث جليده منذ بدء القياسات بواسطة الأقمار الاصطناعية قبل 30 عامًا وتتقلّص كتلة الجليد الدائم بمعدل 70 ألف كيلومتر مربع سنويًا وإذا استمر الذوبان بهذا المعدل المتزايد يتوقع العلماء أن يصبح الصيف القطبي خاليًا من الجليد ربما في موعد لا يتجاوز سنة 2013 .

المنطقة القطبية الشمالية التي توصف بأنها '' مكيف هواء الأرض '' ، تساعد في تبريد الكوكب بواسطة جليدها البحري الأبيض العاكس لأشعة الشمس ولها تأثير قوي على الأحوال الجوية ، خصوصًا في النصف الشمالي للكرة الأرضية .

لكن الاحترار في هذه المنطقة بلغ نحو ضعفي الاحترار الذي شهدته بقية الكرة الأرضية في العقود الأخيرة .

والذوبان الكاسح سيؤدي إلى عدم ارتداد أشعة الشمس عن الأرض ، مما يخفض عملية التبريد هذه ويزيد الاحترار ويخل بأنماط الطقس فتزداد العواصف والأعاصير ، كما سيشوّش النظم الايكولوجية البحرية ويدمر الحياة الفطرية ، بما في ذلك الدببة والفقم .

هنا قصة محزنة عن الدببة القطبية فهي تستعمل الأطواف الجليدية كوسيلة انتقال واستراحة لصيد الفقم .

ومع تسارع ذوبان الجليد ، تعلق أحيانًا على طوف جليدي وسط المياه ولا تستطيع القفز إلى طوف آخر لا وجود له في مكان قريب ، فتسبح وتغوص من أجل الصيد وأحيانًا تبعد مسافة كبيرة جدًا ، فتتعب كثيرًا أثناء محاولتها العودة إلى البر أو إلى الحيد الجليدي الذي قد يبعد أكثر من مائتي كيلومتر لذلك فهي تغرق .

 

الحرب الباردة الثانية

 

'' أجل المنطقة القطبية الشمالية تسخن الآن ، لكنها سوف تبرد من جديد في غضون ثلاث سنوات '' ، قال لي أندريه روبشينيا ، وهو عالم محيطات روسي .

وأضاف : '' هناك حقبات من التسخين وحقبات من التبريد الانبعاثات الكربونية عامل طفيف في عملية الاحترار العالمي وما لم يتم تفجير ألف قنبلة نووية ، لا أستطيع أن أتصور أي قوة بشرية قادرة على مواجهة القوى العظمى للطبيعة '' وخلص إلى أن '' تغير المناخ قضية سياسية " .

في آب (أغسطس) 2007 ، قام رجلا قانون روسيان في غواصة صغيرة بغرس علم روسي في قاع القطب الشمالي وكان ذلك إجراء آخر في ادعاء روسيا الحق في ملكية 1,2 مليون كيلومتر مربع ، أي نحو نصف قاع المحيط المتجمد الشمالي .

وردًا على ذلك أعلن رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر خططًا لبناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في الجزء الكندي من المنطقة القطبية الشمالية .

مع ذوبان الجليد أسرع من أي وقت مضى ثمة مسألة حيوية الآن هي : من سيملك حق التنقيب عن الرواسب المعدنية الهائلة المحتملة تحت القاع ؟ فبحسب كثير من الجيولوجيين ، قد تحوي المنطقة القطبية الشمالية نحو 25 في المائة من النفط والغاز الطبيعي غير المكتشفين في العالم .

البلدان المطلة على المنطقة والتي تدعي حقوق التنقيب تشمل روسيا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك والنرويج وأيسلندا وثمة مخاوف من أن هذه الفورة المستجدة قد تمهد الطريق لنوع جديد من الحرب الباردة .

اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تحدد حقوق البلدان في محيطات العالم فالدول الساحلية يمكن أن تملك سيادة اقتصادية على نحو 200 ميل بحري (370 كيلومترًا) قبالة شواطئها .

لكن يمكن لدولة ما أن تدعي بحقها في مناطق تتعدى هذا الحد ، إذا كان جرفها القاري يمتد أكثر وقد بدأ '' السباق'' بادعاء روسيا الحق في ملكية سلسلة جبال لومونوسوف الضخمة في قاع القطب الشمالي .

ويحاول الدنماركيون أن يثبتوا أن الجانب التابع لهم من سلسلة الجبال هذه ـ والمنفصل حاليًا عن جرفهم القاري ـ كان في ما مضى جزءًا من جزيرة غرينلاند التي تملكها الدنمارك وفي هذا السباق المحموم، قد تصدّق الولايات المتحدة أخيرًا على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتطالب بحقها في امتلاك الجرف القاري الممتد شمالاً من ألاسكا .

الاتفاقية تحكم أيضًا حقوق الملاحة التي هي مثار اهتمام كبير الآن بعد الانفتاح الكامل لـ ''الممر الشمالي الغربي'' المختنق عادة بالجليد ، للمرة الأولى في صيف 2007 فمع الاحترار العالمي وذوبان الجليد ، قد يصبح هذا الممر قناة ملاحة تجارية تقصِّر إلى حد كبير مسافة الإبحار بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ .

وتطالب كندا بحقوق في هذا الممر ، الذي يتعرج بين جزر أرخبيلها الشمالي وثمة دعوات الآن للتوصل إلى حل ديبلوماسي متعدد الأطراف لكي لا تنزلق منطقة المحيط المتجمد الشمالي إلى نزاع مسلح .

 

أين الجليد؟

 

عام 2007 سجل رقمًا قياسيًا بذوبان أكثر من مليون كيلومتر مربع من الجليد البحري في منطقة القطب الشمالي ، لتصبح مساحة الكتلة الجليدية البحرية 4,2 مليون كيلومتر مربع بالمقارنة مع 7,8 مليون كيلومتر مربع عام 1980 وفيما يحكم الاحترار العالمي قبضته يتوقع علماء أن تكسر السنة الحالية هذا الرقم وتشهد أسوأ انكماش للغطاء الجليدي في التاريخ المسجل لكنهم لن يعرفوا مدى الخسارة إلا حين تبلغ الكتلة الجليدية أدنى مستوياتها في منتصف أيلول (سبتمبر) .

معظم العلماء يؤكدون أن الاحترار العالمي ناجم عن أعمال البشر ، خصوصًا حرق الوقود للصناعة والنقل وإنتاج الطاقة لكن علماء آخرين يصرّون على أن هذه مرحلة في دورة طبيعية ، يسخن فيها جو الأرض ثم يبرد بعد حين بل أن أناسًا كثيرين يؤمنون بأن ما يحصل هو غضب الله على خليقته التي استخلفها على الأرض فعاثت فيها فسادًا .

لقد أبحرتُ في المحيط ''المتجمد'' الشمالي ولم أرَ جليدًا يذكر هذا أمر يكاد لا يصدق وأيًا يكن السبب ، فالإحترار العالمي حقيقة ، وذوبان الجليد عملية حاصلة .

وعلينا جميعًا أفرادًا ومؤسسات وحكومات ومجتمعًا دوليًا أن نفعل شيئًا حيال هذا الأمر ومهما تكن مساهمة البشر في هذا الاحترار كبيرة أم صغيرة ، فإن '' كسر عادة الكربون '' بالتقليل من حرق الوقود واستهلاك الطاقة سينفع في كل حال فإن لم يخفف الاحترار ، فسوف يخفف بالتأكيد فداحة التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية .

 

 

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×