Jump to content

Recommended Posts

قضية الفلك ونشأة الكون قضية جد شائكة ، نظرا لكونها تقع في المنطقة الفاصلة بين العلم ‏والثقافة " بشقيها الديني واليومي " ، فهي من جهة كما نعلم حاضرة بقوة في الكثير من العبادات ‏بخاصة الخلاف الذي يتكرر كل عام ، مع حلول شهر رمضان ، كما أنها من جهة أخرى لا ‏غنى عنها في تحديد زمان ومكان الكشوف والخسوف قبل وقوعه بمدة طويلة، فضلا عن ‏حماية البيئة والتوقعات عبر الأرصاد الجوية.

 

الأمر الذي اختلط معه الحابل والنابل عندما لا ‏يفرق الناس بين ما هو في تعداد التنجيم والرؤية , فالأول دجل وشعوذة يقوم على استغباء ‏العقول والسيطرة على الجيوب بإيهام الناس قراءة مستقبلهم ودرء سوء الطالع عنهم، بينما إن ‏اعتماد الحساب الفلكي العلمي الدقيق، سننهي معه التكهنات والاختلافات في حلول الأشهر ‏الهجرية، بحيث تتحول السنة الهجرية إلى سنة دقيقة منضبطة مثل السنة الميلادية.

ناهيك أنه ‏سنحسم جدلا لم ينتهي إلى الآن والخاص بمسألة الرؤية، حتى يتمكن الجميع من وأد ودفن ‏إشكالاً فرَّق الأمة الإسلامية في يوم صيامها ويوم عيدها. ناهيك أن غياب ثقافة الفلك عربياً ‏واقع مأساوي بحق، فمن المعروف أن الثقافة السائدة عربياً تُعاني نقصاً فاضحاً في مجال ‏العلوم، بخاصة منها علم الفلك على الرغم من بعض الجهود المتميزة شكلا ومضمونا.

وعسى ‏أن يكون تعلم فيزياء الفلك وعلومه وقوانينه ومفرداته بديلاً معرفياً يسحب من أذهان الناس ‏صورة التنجيم والشعوذة والخرافة ويقطع الطريق أمام المنجمين الذين تطلق عليهم خطأ تسمية ‏‏"علماء الفلك" بينما تعتمد توقعاتهم على مجموعة من الأوهام والتنبؤات التي لا تقرّها قوانين ‏علم فيزياء الفلك واستنتاجاته مطلقا.‏

‎ومن ثم ما هو السبيل لفهم دقيق وعلمي لكيفية انبثاق الكون من العدم وظهور الحياة على ‏أديمه شريطة أن تكون الرؤية علمية وخالية من الخيال الجامح والتهويمات السحرية ‏والشعوذة؟

سؤال يجر معه‎ ‎‏ بالضرورة فحص تاريخ علم الفلك والفيزياء المعاصرة، بحيث ‏تبدو معه حلقة التأسيس صعبة جدا، بعد أن اتضح أن عمر الكون بالقياس إلى إشعاع حفريات ‏‏<< الانفجار العظيم>> أو ما يسمى ببقايا الإشعاع الكوني، يرجع إلى 14 مليار سنة إلى ‏الوراء، ما زالت نظريات الفيزياء المعاصرة تتضارب حولها ولم تستطع فك غُلالة أسرارها ‏كليا. ‏

غير أن الصعوبة لا تكمن هنا فحسب، بل إن الكلام عن نشأة الكون يفرض أيضا الحديث عن ‏حجمه ومنتهاه، بحيث إذا شئنا تقريبه من الفهم الإنساني العادي، علينا أن ندرك بأن أحدث ‏الطائرات الحربية المطاردة تطير بسرعة قصوى تصل إلى ماخ 3، ما يعني أنها قادرة على ‏الطيران بسرعة تفوق الكيلومتر في الثانية.

غير أنه بهذه السرعة النفّاثة والكبيرة جدا، ما ‏زالت تحتاج إلى أكثر من مليون سنة كي تصل إلى أقرب نجم بجوار الأرض. لذا ما يزال ‏الذهول والحيرة يطالان علماء الفلك في ملكوت الله الواسع، على الرغم من الفتوحات العلمية ‏والتقنية الجبارة التي تم تحقيقها في القرن الماضي. ‏

هذا في الوقت الذي ما زالت فيه تتكرر كثير من الأسئلة الحادة التي علكتها الألسن منذ القدم: ‏من أين أتى الكون وكيف نشأ؟ وإلى أين يتجه؟ وبالتالي من أين أتى الإنسان وإلى أين نذهب؟ ‏هل حياة الإنسان والكون مرتبطان بعضهما ببعض؟

وهل يساعدنا معرفة نظريات تفسير نشأة ‏الكون، الإجابة عن سؤال كيف سينتهي؟ علاوة على هذا كله، ثمة أسئلة أخرى، منها كم هو ‏عمر الكون؟ ومَن الأسبق الدجاجة أم البيضة في إشكالية نشأة الكون؟ فكل ما رجعنا إلى ‏نقطة زمنية وجدنا نقطة أقدم منها، وهكذا دواليك، بحيث يشبه الأمر دوران القط حول نفسه ‏ليلحق بذيله، غير أنه في هذا المسعى المستحيل‏‎ ‎يدور ويظل يدور دائما. ‏

والواقع أن تاريخ علم الكون بدأ بإجبار العلماء وتحذيرهم من مغبة الغرور وادعاء تقديم ‏وصف شامل وكامل للكون برمته، بل كان عليهم الاهتمام أولا بالعالم القريب " ما هو موجود ‏على سطح الأرض والكواكب القريبة من نظامنا الشمسي"، خوفا من مغبّة السقوط في أوهام ‏التنبؤات وفرضيات أو اختلاق رؤى أسطورية لا تغني ولا تسمن من جوع، خلافا لما ينبغي ‏أن تكون عليه كل رؤية علمية دقيقة. ‏

والواقع أن معرفة الكون لم يكن أمرا بالسهل مناله، ما دامت العديد من السمات الأساسية ‏للمادة ما زالت غير معروفة على وجه كامل، بالرغم من الفتوحات الجبارة في مجال النظرية ‏النسبية العامة التي تهتم بفهم العالم في أبعاده الكبرى: النجوم والمجرات وتجمعات أو حشود ‏المجرات، فيما انبرت الفيزياء الكمية إلى محاولة فهم العالم في ثناياه الصغيرة والدقيقة، ‏بخاصة في مجال الجزيئات والجسيمات والذرات والإلكترونات والكواركات...

لكن من ‏المعروف أيضا بأن كلا النظريتان متعارضتان، فصحة افتراضات الواحدة منها تلغي الأخرى، ‏ما يجعل إحداها على صواب والأخرى على خطأ. لذلك يحاول العلماء فك هذا التناقض عبر ‏محاولة إيجاد جسر رابط سواء عبر ما سمي بنظرية الأوتار الفائقة، آخر ما تفتقت عنه ‏عبقرية العلماء في تذليل العقبات بين النظريتين، بخاصة أنها تحاول أن تجد نظرية موحدة في ‏الفيزياء تستطيع أن تجمع كل قوى الطبيعة الجبارة مع أدق المكونات المادية الصغيرة في ‏نسيج نظري واحد.‏

غير أن المهم يبقى معرفة الكون في أكبر أبعاده وفي أصغر أبعاده على حد سواء، فإذا الكون ‏مكون من نجوم ومجرات ومجرات فائقة، فهو مكون في تقاسيمه الصغرى من ذرات ‏وإلكترونات ونيوترونات...

إذ لا يخفى بأن اللغات تكونها جمل... والجمل تكونها حروف... ‏وبالتالي إن البحث في اللغة لا يمكن الاستغناء فيه عن الجمل والحروف معا، وهو ما يمكن ‏على غراره تطبيقه أيضا في الكون عبر الانطلاق من النجوم والمجرات الكبرى، بالإضافة ‏إلى البحث في الجسيمات والذرات والإلكترونات والنيوترونات...‏

 

معادلات الفيزياء الحديثة : ظهور النسبانية وسقوط الحتمانية

 

تعد نظرية ميكانيكا الكم أهم نظرية ظهرت في بدايات الألفية الثانية، تفسر الطبيعة الثنائية، ‏الموجية والجسيمية للمادة، بالإضافة إلى خاصيتها الاحتمالية على الصعيد ما تحت أو دون ‏الذري، وهي نظرية تبتعد كثيرا عن نظرية القانون الواحد في تفسير كل الظواهر الطبيعية ‏التي يمكن اشتقاق كل قوانين الفيزياء بواسطتها رياضيا، أو على الأصح إن كل قوى الأربعة ‏الأساسية في الكون " القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة " التفاعل الأساسي الذي ‏يسبب النشاط الإشعاعي"، والقوة النووية الشديدة " التفاعل الأساسي الذي يربط الكواركات ـ ‏مكونات المادة على المستوى ما تحت الذري ـ سوية في نواة الذرة"، والجاذبية يمكن أن ‏تجمع في قانون واحد.

هذا مع العلم بأن هذا القانون لم يتم التوصل إليه، وربما لن يتم التوصل ‏إليه في الأمد القريب والمتوسط. ومن ثم لاحظنا بأنه إذا كانت السببية معطى أساسي في ‏الفيزياء الميكانيكية هدفها المساهمة في استنتاج شيئ ملاحظ من شيئ غير ملاحظ، فلقد لحقها ‏في الفيزياء الكمية تغيير كبير، بحيث تحول عنها الفيزيائيون إلى تبني الاحتمالية.

 

فبعد ما كان ‏‏<< لكل شيئ سبب>> صرنا أمام << كل شيئ محتمل>>‏

 

ولا ريب بأن العلم ظل أمدا طويلا محصورا في البحث عن الأسباب، هذا قبل أن يقترح العالم ‏الألماني ماخ التخلي عن مفهوم السبب والنتيجة لأن ذلك قد يؤدي اعتبار كل منهما حدثين ‏مفردين ومتمايزين، بينما هما في الواقع ليسا إلا جزئين من نفس الظاهرة.

ومن ثم ركز هذا ‏العالِم على العلاقة بينهما، لأن إدراك عناصر الطبيعة يتم من خلالها، واقترح <<الدالة>> ‏كمفهوم أنسب لفهم علاقات العناصر في ارتباطها، بحيث إن ارتباط العناصر بواسطة معادلة ‏قابلة للقياس، يمكن من خلاله أن نعتبر كل واحد منها دالة للآخر. ومن ثم يصبح التصور ‏العلمي للطبيعة نسق من العلاقات الدالية.‏

والحال أن ذلك يرجعنا إلى العالم الفرنسي المركيز بيار سيمون دو لابلاس "1749- 1827" ‏الذي اقترح بعد اكتشاف قانون الجاذبية البحث عن مجموعة من القوانين العلمية يمكننا ‏بواسطتها التكهن مطلقا بما سيقع في العالم مستقبلا، لاسيما أنه يكفي أن نعرف مسبقا حالته ‏في ظرف معين، كي نخمن على وجه التحديد المسار الذي سيتجه نحوه في أي لحظة مقبلة. ‏

وبعبارة أخرى أنه عبر أوضاع وسرعة الشمس في ظرف زمن معين، يمكننا مثلا استعمال ‏قوانين نيوتن في حساب وضع النظام الشمسي في أي ظرف زمني آخر، بحيث تبدوا الحتمية ‏في هذه الحالة شبه مؤكدة، غير أن لابلاس لم يتوقف عند حد ذلك، بل أكد وجود قوانين ‏مماثلة تتحكم في باقي الظواهر بما فيها السلوك الإنساني.‏

ولقد ثارت في وجه هذه الرؤية العديد من الاعتراضات والنقد الشديد، أولها دينية لأنها ‏تتعارض مع حرية مشيئة الله في التدخل في الكون، لكنها مع ذلك بقيت كفرضية عامة للعلم ‏إلى غاية بداية القرن العشرين.

ثم سرعان ما تم دحضها تجريبيا، بخاصة عندما يرسل جسد ‏ساخن نفس كمية الطاقة في موجات مترددة ما بين مليار ومليارين في الثانية، بحيث يكون هذا ‏التردد ما بين مليارين وثلاثة مليارات موجة في الثانية. مفاد ذلك أنه إذا كان عدد الموجات ‏في الثانية غير محدود، فهذا يعني بأن الطاقة الإجمالية المرسلة من قبل هذا الجسد الساخن ‏يمكن أن تكون غير منتهية.

ولكي يتم تجنب هذه النتيجة المثيرة للسخرية، اقترح العالم ‏الألماني ماكس بلانك في سنة 1900 بأن الضوء وأشعة << ‏X‏>> والموجات الأخرى لا ‏يمكن أن تُرسل بنسب اعتباطية، بل في شكل حزمات أطلق عليها << كموم " جمع: ‏كم"=‏quanta ‎‏>>. فضلا عن أي كم‎"quantum"‎‏ "وحدة أي كمية فيزيائية، تكون قيمها ‏مضاعفات لهذه الوحدة" له نسبة معينة من الطاقة تزداد بفعل ارتفاع تردد الموجات. كذلك ‏ضمن تواتر عالي القياس، يتطلب إرسال كمّ واحد، طاقة أكثر مما هو موجود ومتوفر.

بحيث ‏ينتهي الإشعاع عالي القياس إلى التقلص، وبالتالي إن النسبة التي فقد بحسبها الجسد طاقته ‏ستكون منتهية. ‏

ومن ثم إن الفرضية الكمِّية تشرح تماما نسبة إشعاعات الأجساد الساخنة المرسلة، لكن ‏تداعياتها على الحتمانية لم تأخذ بعين الاعتبار إلا مع سنة 1924، حيث عمد ويرنر هاينزبرغ ‏إلى صياغة << مبدأ عدم اليقين>> أو الارتياب، بحيث إن قياس سرعة جسيم وحالته ‏المستقبلية، يتطلب منا قياس وضعه الحالي وسرعته على وجه الدقة.

لكن في هذه الحالة ‏بالذات يجب إضاءته، بحيث إن أشعة الضوء الساقطة ستتناثر من قبل نفس الجسيم لتحديد ‏حالته، فيما أنه لن يكون بوسعنا تحديد هذه الحالة والمسافة بين موجات الضوء على وجه ‏الدقة، ما لم نستعمل ضوءا قصير الموجة كي نحصل على قياس أدق.

غير أن بلانك يعتبر ‏بأنه لا يكفي استعمال كمية ضوئية صغيرة، ما يفرض علينا استعمال كم "‏quantum‏" واحد ‏على الأقل، ما سينجم عنه اعتراض الجسيم وتغيير سرعته بشكل غير متوقع. ناهيك أنه كلما ‏أردنا قياس الحالة على وجه الدقة، كلما كان طول موجة الضوء التي نحتاجها قصيرة، تطلبت ‏طاقة الكم أن تكون عالية، مما تتأثر معه سرعة الجسيم بشكل قوي ولا يمكن تفاديه.‏

وبمعنى آخر أنه كلما حاولنا قياس وضع الجُسيم بدقة، كلما نقصت إمكانية حصولنا على ‏سرعته وثباته بنفس القدر. لذك برهن هينزبرغ أن عدم اليقين الذي يحيط بوضع الجسيم ‏مضاعف بعدم التيقن المحيط بشحنة الجسيم، لا يمكن أن يكون أصغر من ثابت بلانك " ثابت ‏كوني يحكم تكْمية النظم الميكروسكوبية". فضلا أن هذا الحد غير خاضع للطريقة التي نحاول ‏بها قياس وضع أو سرعة الجسيم ولا نوعه أيضا، لأن مبدأ عدم التيقن الذي وضعه هايزنبرغ ‏هو خاصية كامنة في العالم.‏

ومن ثم كان لهذا المبدأ نتائج عميقة وخطيرة حول الطريقة التي نتصور بها العالم، بحيث ‏وضع حدا للحلم الذي راود لابلاس وكثير من العلماء في بلورة نظرية علمية تشمل نموذجا ‏محددا وشاملا للكون. إذ كيف يمكن التنبؤ بمسار الأحداث مستقبلا وبيقين كامل في ظل ‏عجزنا عن قياس وضعيته الحالية بدقة.

الأمر الذي دفع هايزنبرغ وإروين شرودينجر وبول ‏ديراك في العشرينات إلى إعادة النظر في الميكانيكاالكلاسيكية وتصور الميكانيكا الكمية ‏كبديل، بحيث لم يعد للجسيمات وضع محدد على وجه اليقين ولا تحديد سرعتها عبر ‏الملاحظة، إذ هي في حالة كمية تلف وضعها وسرعتها.

وبالتالي لا تتنبأ الميكانيكا الكمية ‏بحالة وحيدة ومحددة عبر معطيات ملاحظة بعينها، بل تستبدل ذلك بعدد من النتائج الممكنة ‏والمختلفة، كي تقدم وفق هذا المنظار لكل منها احتمال الوجود. ومن ثم دخلت الصدفة في ‏العلم، لكن هذا لا يعني بأن العالم تحكمه الصدفة، فهذا مستحيل في نظر أينشتاين حين قال في ‏كلمته الشهيرة: << إن الله لا يلعب النرد>>.‏

 

عناصـــــر الكــون ونسيج الفضاء‏

 

‏-‏ بداية لم يكن معروفا من هذا الكون الفسيح والمتمدد إلى غاية سنة 1800، غير 6 ‏كواكب قريبة من أصل 9 التي يضمها النظام الشمسي، لكن اليوم "اتسعت الرؤيا ‏وضاقت العبارة" أمام هذا الكون الشاسع والفسيح الذي يضم نوعين من الكواكب، تمثل ‏الصغرى منها الكواكب الأرضية، سواء التي يحيط بها محيط هوائي "جو" أم لا، ‏بحيث تمثل " عطارد، الأرض، المريخ، الزهرة، ، بلوتون..." نجوما صخرية ‏ومعدنية ذوات مساحة صلبة، بينما الكواكب الأخرى مثل "المشتري، زحل، ‏أورانوس، نبتون" بالإضافة إلى جميع الكواكب التي تم اكتشافها بالقرب من النجوم، ‏فهي كواكب عملاقة مكونة من الغازات.

غير أن استعمال مصطلح << غازات>> لا ‏يستقيم ما دام الهيدروجين والهليوم كمواد غازية في الأرض، فهي على العكس من ‏ذلك لزجة في علياء السماء، ما يجعل تلك الكواكب مجرد كرات لزجة عملاقة في ‏وضع دوراني، تحتوي كلها على فضاء يمتزج مع طبقاتها الداخلية ولها نواة صلبة.‏

والحال أنه مهما كانت حدة أعين أكثر الناس بصرا لا يستطيع أن يرى أكثر من ‏‏3000 نجم، فيما استطاعت المراقب الفلكية اليوم أن تكشف لنا اليوم أكثر من 1500 ‏مليون نجم.‏

‏-‏ ثانيا، تشكل النجوم كتلا من الغازات يصل عرضها آلاف أو مئات الآلاف من ‏الكيلومترات، لا تظهر في الغالب إلا كرؤوس إبر مضاءة أو مشتعلة من مختلف ‏الأحجام والألوان، فهي أجسام ملتهبة ومتقدة تشع نورا وحرارة، وقد نجد تركيبة ‏بعضها مزدوجة تدور الواحدة منها في فلك الأخرى.

فضلا عن وجود نجوم حمراء ‏قزمية الشكل، منتشرة بكثرة في المدار الأسفل من النجوم، حيث تصل كُتلتها العامة ‏نصف كتلة الشمس وتبلغ درجة الحرارة على سطحها حوالي 4000 درجة. ثم نجد ‏أيضا نجوما صفراء من نوع شمسي بدرجة أقل، لكن حرارتها مرتفعة قليلا وأكثر ‏كثافة، بينما نجد في مدارها الأعلى نجوما عملاقة زرقاء أكثر إشعاعا وأكثر كثافة من ‏الشمس عشرات المرات، حيث تفوق درجة حرارتها أكثر من 50000 درجة، لكنها ‏نادرة جدا.

علاوة أن هذه النجوم تظل ملتهبة طوال حياتها وبنفس الطريقة، بيد أنها ‏تصبح عرضة لتحولات كبيرة في شيخوختها، الأمر الذي يوحي بأن الشمس بعد أن ‏يحين أجلها سوف تتحول إلى نجم عملاق أحمر أكثر لمعانا وأكبر من أي نجم عادي ‏مئات المرات، ثم لا تلبث أن تنفجر في النهاية مُخلِّفة ركاما من الأجساد المتناثرة ‏أصغر بمئات المرات من النجوم العادية، تعرف بالأقزام البيضاء.‏

‏-‏ ثالثا، يظهر الغبار المجري أو النجوم السديمية كسحب رقيقة من الغاز ورهج الغبار ‏المتناثر هنا وهناك، بحيث تتكون النجوم في سحب من الغاز والغبار، كما تعد خزانا ‏للهيدروجين والهليوم، فضلا عن احتوائها أيضا على بقايا من غازات أخرى وركام ‏من غاز الكاربون يغطي مساحتها الجليد.

إذ من المعروف عموما أن النجوم تولَد في ‏سحب غاز وغبار عملاقة، بخاصة أن قربها أو بعدها من نجم ما، هو الذي يجعلها ‏مضيئة أو مُعتَّمة. ذلك أن غياب النجوم من جوار الغازات يُسبب العتمة، فيما إن ‏النجوم السديمية الكبرى هي سحب جزيئية من مختلف الأعمار، ترجع إلى مئات من ‏السنين الضوئية وتختزن المواد الأساسية لنشأة ملايين من النجوم.

حيث بينت الفيزياء ‏الفلكية الحديثة أن الأجرام السديمية هي، إما مراكز ولادة نجوم " عبارة عن غيوم ‏غازية ممتدة يضيئها إشعاع نجوم تكونت حديثا ولا تزال مدفونة في هذه السحب ‏والغيوم" أو نجوما نزعت قشرتها السطحية خلال مرورها بطور العملاق الأحمر، ‏وبالتالي يصبح المظهر السديمي في هذه الحالة يرجع إلى هذه المادة المنتشرة في ‏الفضاء، حيث مقاساتها تعد بالسنين الضوئية.‏

‏-‏ رابعا، تتميز المجرات " منطقة في السماء قوامها نجوم كثيرة لا يُميزها البصر فتراها ‏العين بقعة بيضاء" بكبرها الذي يضم الكواكب والنجوم وسحب الغاز والغبار مهدها ‏الأول.

إذ تضم ما بين 100- 1000 بليون نجم، بحيث توجد ثلاثة أنواع منها: منها ‏المجرات الحلزونية تضم قرابة 200 مليونا من النجوم، وهي حلزونية لأنها توزع ‏النجوم وسحب الغاز بشكل حلزوني، تماما مثل حركة اليد المرفوعة دائريا.

لكنها ‏على الرغم من كونها مُسطحة كقرص، فهي تحتوي على بُرعمة "بُصيْلة" مركزية، ‏إذا نظرنا إليها جانبا، نَجدها تُشبه بيْضتين فوق طبق ظهرها مسند إلى ظهر الآخر. ‏كما تعتبر المجرات الكبرى إهليلَجية الشكل " بيْضية الشكل"، هي أكثر كثافة من ‏المجرات الحلزونية وحجمها يفوق مئات آلاف السنين الضوئية، نظرا لكونها تشبه في ‏شكلها العام الكرة المستطيلة.

أما إذا نظرنا إلى الفارق بينها وبين الحلزونية، فهي لا ‏تضم إلا القليل من نجوم سحب الغاز والغبار. ثم تأتي بعد هذه المجرات، المجرات ‏غير المنضبطة في الشكل، كما أن هناك مجرات لولبية وبيضوية ومجرات ممزقة ‏ومجرات مزدوجة ومجرات مزدوجة دوارة ومجرات بيضوية متفجرة ومجرات ‏مزدوجة ملتصقة.‏

‏-‏ خامسا، إن الحشود المجرية تعني بأن الكون متعدد المجرات، فهي مثل تلك النجوم ‏التي تحت ضغط الجاذبية تبقى مجمّعة من أجل تكوين مجرات أخرى، أو مثل ‏المجرات التي تُكون فيما بينها مجموعات واسعة تصبح بعدها كومة وحشود من ‏المجرات.

ويتبين أن الحشود المجرية الكبرى كالعذراء تضم آلافا من المجرات تمتد ‏على 20 مليون سنة ضوئية، بينما الصغرى منها كمجرة أندروميدا لا تضم إلا ثلاثين ‏من المجرات الصغرى لا تفوق 5 مليون سنة ضوئية، حيث إن الحشود الأكثر غنى ‏تُقدم بنية مهيكلة في المركز مع المجرات الأكثر كثافة ـ بصفة عامة المجرات ‏الإهليلجية ـ .

كما يمكن أن تكون هذه الحشود في المناطق المركزية أكثر كثافة، لأن ‏قُطر المجرات لا يبعد فيما بينها إلا قليلا، غير أنها كلما ابتعدنا من المركز تخفت ‏الكثافة وتصبح المجرات صغيرة جدا وغير منتظمة ومتباعدة بينها، بحيث لا تضم إلا ‏بضعة ملايين من النجوم. إجمالا، إن عددا كبيرا من المجرات يظل متقاربا من بعضه ‏على شكل حشد، شكلها بيضوي ومنها ما هو شديد التسطح، لكنها تخلو من النوع ‏اللولبي " الحلزوني".‏

‏-‏ سادسا، تؤكد الحشود العملاقة بأن الحشود المجرية ليست هي الأكثر اتساعا في ‏بنيتها، لأنها هي بدورها تجتمع فيما بينها لكي تُكون حشودا فائقة أو عملاقة، بخاصة ‏إذا فحصنا أرجاء الكون الفسيح سنجده مثل رغوة خيوط يتكون جدار فقاعتها من ‏حشود مجرية وحشود مجرية عملاقة ممتدة تضم مليارات من المجرات, بحيث نجد ‏في هذه الفقاعة من الرغوة مساحات واسعة خالية من أية مادة، قد يصل حجمها 150 ‏إلى 120 مليون سنة ضوئية.

إذ أن مجموع المادة المرئية يكمن تقريبا في هذه ‏الفقاعات العملاقة والخيوط، ما يجعل هذا الكون الذي يضم مليارات المجرات يظهر ‏ويا للعجب كأنه خال وغير مأهول. ذلك أن المناطق المُعتَّمة تمثل مناطق فسيحة من ‏فضاء يبدو خاليا، بحيث يتم تطور النجوم إلى نجوم عمالقة بعد تحول غاز ‏الهيدروجين بعد تفاعله في جسم النجم إلى غاز الهليوم، والذي نظرا لكثافته الزائدة ‏مقارنة بكثافة الهيدروجين فإنه ينجذب باتجاه النواة القائمة حول مركز النجم.

ومع ‏تزايده تتزايد الكثافة في النواة بدرجة كبيرة، فتؤدي إلى حدوث ضغط كبير فيها وبعث ‏حرارة هائلة منها، ينجم عنها تفاعل نووي ينجم عنه تمدد حجم النجم شيئا فشيئا، ‏يرافقه تبرد في سطح النجم، يتغير معه لون النجم من لون بنفسجي إلى لون أزرق، ثم ‏إلى اللون الأصفر ومن بعده إلى اللون البرتقالي، ثم إلى اللون الأحمر. بحيث يكون ‏النجم قد وصل إلى أقصى حجم له، يبدو معه في الأخير كنجم عملاق.‏

لذلك يبقى إن الكون من هذا المنظور يُبين أنه إذا كان يضم مليارات من المجرات مجتمعة ‏ومرتبطة بينها بخيوط دقيقة على مدار مليارات السنين الضوئية، فإن أجزاء أخرى فسيحة منه ‏غير مأهولة بالمجرات... ذلك أن الكون في اتساعه الذي لا يمكن للعقل البشري تصوره، ‏مُكوَّن من ملايير النجوم ولدت لتحيى ثم تموت، بحيث تتجمع في مجرات تتحد بينها كي ‏تُشكل كومة من المجرات الفائقة.‏

إجمالا وبإيجاز شديد، تكشف الفيزياء الحديثة على الأقل مع نظرية "الانفجار العظيم" بأن ‏الكون بدأ في التشكل كغبار من الهيدروجين والهيليوم. ثم طالته البرودة بسبب تمدد هذا ‏السحاب أو الغبار بسرعة فائقة بعد أن كانت درجة حرارته تفوق حرارة الشمس ملايين ‏المرات.

الأمر الذي دفع بعض الفلكيين إلى الإعلان بأن النجوم والمجرات ظهرت منذ ‏مليارات السنين، بحيث أنه لما شاخت هذه النجوم وانفجرت تناثرت منها في الفضاء العناصر ‏الذرية الأولى التي هي أكثر وزنا من الليتيوم " العنصر الثالث بعد الهيدروجين " يشكل %73 ‏بالمائة من المادة المرئية" والهيليوم "العنصر الثاني الأكثر وجودا في الفضاء" خلال الانفجار ‏العظيم. إذ أنه من خلال هذه العناصر الذرية الثلاثة في تفاعلها تشكلت الكواكب والأحياء.‏

والسؤال الأساسي الذي يعترض سبيلنا في تطبيق فتوحات العلم وعلم الفلك الحديث على نشأة ‏هذا العالم، يبدأ من معضلة القول بأن الكون كان موجودا منذ الأزل، ما يجعل وضع العالم في ‏الوقت الحالي لا يمكن تفسيره بصورة تامة بالركون إلى الحالات الأسبق، لأن كل ما رجعنا ‏إلى سبب امتدت خطوط الرجعة إلى الخلف بدون نهاية وبدون انقطاع في سلسلة السببية، ‏وبالتالي كل ما رجعنا إلى الخلف سنجد نقطة أخرى إلى ما لانهاية. وبالتالي سنظل ندور ‏وندور إلى ما لانهاية...‏

ومن جهة أخرى إذا قلنا بأن الكون ظهر إلى الوجود في لحظة معينة من الماضي، فإن ‏اللحظة الأولى التي ظهر فيها الكون تصبح فريدة من نوعها، لكن هنا كيف نربط بين الوجود ‏والعدم ما دام أن الصانع سبحانه هو وحده القادر على القول: << كن فيكون>>. إذ يبدو أنه ‏مهما بلغت نظريات تفسير الكون من دقة وعلمية، يبقى شيئا هناك ما وراء القوانين العلمية، ‏ينبغى الرجوع إليه عندما كان الزمن يساوي صفرا.

لكن السؤال المحير، هو ما هو هذا ‏الشيء الخارق؟ وهنا بالذات تخرس جميع الألسنة وتقر بعجزها.‏

ثمة تصور ثالث يقول أنه لا هذا ولا ذاك، بمعنى أنه لم يكن هناك كون منذ الأزل، ولا كون ‏ظهر على حين غرة وفجأة. ومن ثم إمكانية وجود طريق ثالث بين الطريقين السالفين الذكر، ‏هو أن الكون لم يوجد دائما، ولم يظهر على نحو مفاجئ في لحظة زمنية خلق فيها، بل ظهر ‏تدريجيا كما يعنيه زمن بلانك " أي 10 -43 من الثانية: يستنبط زمن بلانك من ثابت بلانك ‏وثابت الجاذبية وسرعة الضوء".

وهذه الإمكانية يمكن أن نتبناها على ضوء ميكانيك الكم، ‏حيث مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ، ما يعرف بعامل اللاحتمية في الطبيعة.‏

مفاد هذا الرأي أن الأحداث على المدى المجهري على الأقل، يمكن أن تكون تلقائية، أي أنها ‏تحدث بلا أسباب سابقة تامة التحديد وحتمية على هذا الوجه أو ذاك، ما يترك لهذه اللاحتمية ‏أن توفر للكون فرصة الظهور دون أن يخلق أو << يسبب>> بطريقة فيزيائية خاصة.

الأمر ‏الذي يؤدي إلى القول بأن الظهور التلقائي للكون يتماشى مع قوانين فيزياء الكم " فيزياء ‏الذرة"، بينما في الفيزياء الكلاسيكية يعتبر ذلك معجزة، ولا يمكن تفسيرها علميا.‏

والأهم بأن مبدأ عدم التيقن " اللاحتمية، الارتياب، عدم اليقين" يخبرنا بأنه لا نملك تحديد ‏سرعة واتجاه الجسيمات الأولية في الذرة، ما يعني بأن الكون عبارة عن مكان مضطرب ‏عندما نختبره على وجه التحديد لمعرفة موقع الجسيمات الأولية مثل الإلكترون بدقة، نقوم ‏بتسليط ضوء ساطع ذي تردد متزايد يساعدنا في معرفة حركة هذه الإلكترونات.

لكن ذلك لا ‏يمر مرور الكرام، بحيث إن ملاحظاتنا تصبح مشوشة ومضطربة تمام الاضطراب، لأن طاقة ‏الفوتونات عالية التردد التي من المفترض أن تساعدنا في معرفة حركة الإلكترون بدقة، تتدخل ‏بمجرد تسليط ضوئها في حركة الإلكترونات فتغير من سرعتها بشكل ملحوظ. الأمر الذي ‏يكشف عن تداخل مبدأ عدم التيقن بالاضطراب، بحيث لا نعرف مثلا حركة الإلكترون ‏المحبوس في صندوق على وجه التحديد.

فكل ما نشاهده هو تحركه في جميع الاتجاهات ‏وبسرعة كبيرة، أما إذا سلطنا الضوء عليه، فإن فوتونات هذا الضوء تتدخل هي بدورها في ‏سرعة واتجاه الإلكترون اللذين يتغيران بشدة وبشكل غير متوقع بين لحظة وأخرى.‏

والواقع أن هايزنبرغ كشف سمة أساسية في العالم المجهري تتعلق باضطراب أدق المكونات ‏فيه، بحيث يستحيل أن نحدد على وجه اليقين موقع حركة الإلكترون، فهي تتحرك في كل ‏الاتجاهات.‏

 

الجزء الأول من مقال للباحث الدكتور / حسن المصدق - أستاذ بجامعة السوربون .

Share this post


Link to post
Share on other sites

الإجابة على الأسئلة التي تضمنها المقال السابق يفرض العودة إلى نشأة الفلسفة بعامة وفلسفة ‏العلوم بخاصة، إذ ظهر علم الكونيات آنذاك مرتبطا بالوقوف في وجه التفسيرات الأسطورية ‏والحالمة للكون ..

 

بحيث إن الفلاسفة الأوائل عندما بدأوا يفكرون في الكون كانوا يقصدون ‏بالكون شيئين مرتبطين : العالم والنظام ، فالقول بالكون والتفكير بالنظام ‏متلازمان وكل واحد لا ينفصم عن بعضه البعض .

بالإضافة أن الإغريق اعتبروا انسجام ‏الكون في تناغم عناصره شبيها بقلادة حلي نسائية ، بحيث لا‎ ‎غرابة إذا كانت كلمة ‏كوسموس "Cosmos" والتي تعني الكون‏, ‎‏ قد اشتقت منها لاحقا كلمة‎ ‎‏ ‏‎"Cosmétique" ‎‏ بمعنى التجميلي وفن ‏التجميل "‏cosmétologie‏" من حيث ارتباطهما بالجمال نظرا للانسجام الشامل الموجود في الكون ‏وبوصفه نظاما متناغما ‎.‎

ومن ثم يمكن أن نقدم أول تعريف كلاسيكي للكونيات على أنها البحث في وصف النظام ‏العام للكون ، بحيث نبدأ بالسؤال أولا : هل هناك ثمة نظام عام ؟

وإن كان الجواب ‏بالإيجاب، فما هو ؟

وكيف تنتظم عناصره وتنسجم ؟

لذلك نجد أن أي ثقافة تحاول أن تفسر ‏عالمها المحيط بها تنطلق من تقديم وصف يخص كيفّية انتظام الأشياء داخله و‏لماذا هي في هذه الحالة دون أخرى .

الأمر الذي يجر إلى الحديث عن أصلها ، ‏وبالتالي إن القصص والحكايات حول ذلك لم ينعدما قط في مجمل الثقافات ، إن لم يكن ذلك ‏ضرورة لازمت الإنسان ، بدءا من نسجه الأساطير والخرافات التي حاولت أن تضع تفسيرا ‏لنظام العالم ووضع الإنسان فيه .

بحيث يمكن أن نجزم عدم وجود حضارة بدون أسطورة ‏كونية أو قصة تروى عن نشأة الكون . ‏

لذا إن السؤال اليوم حول دور نظرية الانفجار العظيم "‏Big Bang‏" "الأسطورية" ‏والعلمية جدا في نفس الوقت، له أكثر من مبرر إذا اعتبرناها هي بدورها قادرة كليا من ‏منظورها الخاص، تفسير أصل العالم ونشأته كليا .

لكن علينا أن نضع في حسباننا تحذير ‏أوغست كونت في سنة 1852 من مغبة ادعاء أي نظرية علمية تفسير الكون بطريقة كلانية، ‏لأن العلم لا يخوض في تفسيرات عامة ومطلقة وشمولية، بقدر ما يبحث في ما هو جزئي ‏ومتحول وخاص.‏

هذا هو حال نظريات فيزياء الكون وقدر فرضياتها ومسلماتها على حد‎ ‎سواء منذ فجر ‏التاريخ ، ناهيك على اختلاف الآراء في علم الكونيات وتضاربها تضاربها شديدا. أليس ذلك‎ ‎ما ‏ذهب إليه العالم جيمس بيبلز‎ James Peebles ‎‏ في افتتاحية مجلة <<العلم الأمريكية>>‏‎ ‎‏ التي ‏تضمنت ملفا شهيرا لعلمي الفلك والكونيات : " إن كل الآراء المطروحة قد لا تكون صحيحة،‎ ‎بل أنها ليست متماسكة مع بعضها البعض الآخر".

غير أنها مع ذلك تحتوي على جانب من ‏الحقيقة، وبديهي ذلك في سوق يمور بالأفكار‎ ‎والنظريات والمعادلات المختلفة، لكن دار لقمان ‏عندنا غير ذلك تماما، ما دامت‎ ‎التهويمات السحرية للكون هي الغالبة، بل أن مجرد تقديم ‏تفسير مادي فيزيائي للكون‎ ‎يثير تشنجا يطرح أكثر من سؤال .‏

‏ ناهيك أنه عندما يعمد أهل العلم في الساحة العربية‏‎ ‎لتقديم نظريات علمية في ميدان عصي ‏وصعب المسالك، يجدون أنفسهم في قفار مقفرة. فعدم‎ ‎وجود تراكم معرفي وعلمي في الساحة ‏العربية والنقص الهائل في ميدان الترجمة‎ ‎والتعريب، يجعل من الباحثين الجادين أشباه ‏أسطورة سيزيف‏‎‏‎"Sisyphe" ‎‏ جدد في صعوده إلى‏‎ ‎قمة الجبل ينوءون تحت عبء حمل ثقالة ‏تخلف ما بعدها ثقالة.

فالفقر المدقع الذي تعاني‎ ‎منه لغة الضاد في تعريب المصطلحات العلمية ‏والتضارب الشديد بينها إذا وجدت، يجعلها‎ ‎تضيف إلى الصعوبة غموضا وإلى الغموض ‏تعقيدا. ويزداد هذا التعقيد حول مفهوم الكون‎ ‎لأنه كان دائما محل شد وجذب بين العلماء ‏والفلاسفة ورجال الدين، إذ لم يسلم هذا المفهوم بدوره‎ ‎من مِعول النقد، بحيث كان محط تغيير ‏وتحول مستمر عبر تاريخ الإنسانية.

فهاته الكلمة‎ ‎دون سائر الكلمات الأخرى، كلمة بدائية ‏بامتياز وتختزن فيها رؤية الإنسان للكون منذ‎ ‎أن فتح عيناه ورفع رأسه يتضرع إليها أو رهبة ‏وخوفا منها‎.

ولا بأس أن نذكر في هذا‎ ‎الباب أن نص أفلاطون " طيمواس"‏‎ "Timée" ‎بمثابة أحد النصوص ‏المؤسسة لنظرة الإنسان‎ ‎إلى الكون: كروح ومادة، حيث اعتبر انسجام العالم الكوني بمثابة ‏كائن شبيه بتناغم‎ ‎العالم البشري.

غير أن قصة‎ ‎الكون تقتضي الإبحار من المرور عبر جملة ‏التصورات السحرية والبدائية التي داعبت الخيال الإنساني إلى تفسيرات الانفجار العظيم ‏والتضخم الكوني العلمية القائمة على الفيزياء المعاصرة، مما يجعل قصة الكون شبيهة برحلة ‏سفر في التاريخ، تاريخ علم‎ ‎الفلك كما نشأ وتطور عند مختلف الشعوب والحضارات " ‏الفراعنة، الإغريق، البابليون،‎ ‎الروم، الهنود والصينيون"، دون أن ننسى مساهمات علماء ‏الفلك المسلمين من أمثال‏‎ ‎البيروني، ابن رشد، ابن عربي.

فضلا عن رؤية الديانات التوحيدية ‏للكون ونشأته. ثم‎ ‎كيف وقع التلاقح والتفاعل بين العلماء في عصر النهضة والمعارك التي ‏واجهها العلماء‎ ‎حول القضية التي شغلت الناس‎:‎‏<< هل تدور أم لا تدور>> ليصل الأمر إلى ‏انتصار العلم‎ ‎على التفسيرات السحرية للكون والدوغمائية التي تخلط بين الدين والعلم، وصولا ‏إلى فتوحات علماء عظام‎ ‎من أمثال كوبرنيك، كبلر، غاليليو، ديكارت، نيوتن، لابلاس، ‏أينشتاين، فردي هويا، غاموف... إلخ.‏‎

ولا نجانب الصواب‏‎ ‎أن كل هذه المساهمات تستحق كل التنويه وساهمت بقدر كبير في تطور ‏عقل الإنسانية، لأنها تقدم النظريات والاكتشافات على حد سواء،‎ ‎الواحدة تلو الأخرى عبر ‏العصور والأحقاب.‏‎

والمهم عندنا أن نحاول قدر الإمكان تبسيط أهم النظريات للقارئ من زاوية فلسفة العلوم التي ‏لا تدرس في الجامعات العربية سواء في الأقسام العلمية أو شعبة الفلسفة، بحيث من النادر أن ‏تجد اختصاصات من قبيل "فلسفة العلوم" أو "علم اجتماع المعرفة" تدرس للطلاب، هذا على ‏الرغم من أن القارئ قد تربكه صعوبة المصطلحات المستعملة " مجرة، ،‎ ‎فوتون، بروتون، ‏الثقب الأسود، الانزياح نحو الأحمر، ثابت هَبُل، الثقب الدودي،‎ ‎الأفق، المادة الدكناء ـ ‏الظلماء ـ، ميكانيك الكم، الإلكترون، الكوارك، الكويزرات،‎ ‎القوة النووية الضعيفة، القوة ‏النووية الشديدة...".

علاوة على المعادلات الرياضية التي يبقى‎ ‎من العسير فهمها على غير ‏القارئ المختص‎.

وبديهي أن نشير أيضا إلى عدم نقاش‎ ‎رهانات النظريات العلمية من زاوية فلسفة العلوم، قد لا ‏يوضح ولا‎ ‎يساعد بالشكل الكافي للقارئ العربي مقاصد وغايات هذه النظريات العلمية، ‏اجتماعيا‎ ‎واقتصاديا وسياسيا وحتى دينيا.

فلا ضير إذا حاولنا في هذا المقام بالذات تقديم بعض‎ ‎الإيضاحات والتفاسير والشروح والدلالات والرهانات حين ذكر هاته النظرية أو تلك.‏‎

والحال أن هذه القراءة تضع قدر مستطاعها وجهدها بعضا من محاولة تستحق الوقوف عندها ‏من أجل تيسير قراءة قصة الكون فيزيائيا، وبالتالي علميا دون أن نزعم في آخر المطاف أن ‏العلم الحديث قال كلمته الأخيرة أو بمستطاعه ذلك.‏‎

 

الإنسان، الكون والعلم :

من ديكارت إلى‎ ‎نيوتن‎ منذ‎ ‎أن رفع الإنسان بصره إلى الكون متأملا الكواكب والنجوم السيارة، أصبح بموجب هذه‎ ‎الرؤية قطب الدائرة ومركز الكون، مما نتج عنه القول في بداية الأمر أن العالم تبعا‎ ‎لذلك ‏محدود بما يراه الإنسان.

ومن ثم إن تصور كليات الأشياء في تفاعلها وكميتها في‎ ‎الكون كان ‏المدخل الأول لإثارة العديد من القضايا الفلسفية، منها هل العالم من‎ ‎حولنا محدود بهذه النظرة؟‎

والحال أن هذه الفكرة التي نكونها عن الواقع ليست‎ ‎بطبيعة الحال الواقع في حد ذاته، مما حذا ‏بالفيلسوف سبينوزا‎ "Spinosa" ‎أن يعتبر‎ ‎الله هو الطبيعة‎ "Deus sive Natura" ‎في امتداده.

‏وبالتالي فالقول بوجود عالم خاص‎ ‎غير ممكن لأن القول به يتناقض مع الحضور الرباني ‏القادر على خلق عوالم لا‎ ‎متناهية‎.‎إ ذ تم اعتبار هذا الكون في امتداده المطلق واللامتناهي ‏‏"كأشياء انبجست‎ ‎بصفة لا متناهية بالضرورة من طرق لا متناهية "...".

أي بنفس الطريقة ‏التي تكون فيها‎ ‎طبيعة المثلث إلى الأبد هي مجموع زواياه الداخلية المتساوية مع زاويتين ‏مستقيمتين،‎ ‎وإلا اضطررنا للاعتراف بأن الله يتضمن أشياء لا متناهية لن يكون بوسعه خلقها، ‏لأنه‎ ‎إذا خلقها سيستنزف حضوره الدائم، وبالتالي يصبح غير كامل" " سبينوزا، ‏‎"Ethique" ‎‎1. 21‎‏. والواقع أن هذا الموقف الفلسفي غير بعيد عن ما اعتبره‎ ‎أينشتاين‎ ‎‏ ‏‎"Einstein" ‎‏ ‏ب"الواحد الأزل‎" ‎الذي يعتبره كناية عن‎ ‎الطبيعة>> في مجملها‎.

ومهما يكن من التحولات التي حبل بها هذا المصطلح عبر التاريخ، فلا يمكن‎ ‎التغاضي أنه ‏كان محل هجوم عنيف من رائد التنوير إيمانويل كانط الذي اعتبر أن‎ ‎مصطلحات من قبيل: ‏الميتافيزيقا، الكون، الروح...

انتاجات لقيطة للعقل البشري ولا تتمتع‎ ‎بأي مصداقية. وهو ما ‏أشار إليه حين قال في نقد العقل المحض : " إذا كان الفضاء قائم‎ ‎بذاته، سيكون إما متناهيا أو ‏غير متناهي, لكن كلا الفرضيتين خاطئتين "....", ومن‎ ‎الخطأ أيضا القول أن الكون بما هو ‏مجموع تمظهراته، كيان قائم بذاته ".‏‎

وبالطبع‎ ‎إن ذلك ما مهد لأن يعرف الإنسان الكون ككلية حقيقية بجميع مكوناته المتفاعلة،‎ ‎أي ‏أن وجوده أسبق عن وصفه إذا تبنينا موقفا واقعيا. فمن جهة، إن القول باللامتناهي‎ ‎هو قول ‏مردود على صاحبه وغريب كل الغرابة عن ميدان العلم، فالعلم قياس وحساب لجميع‎ ‎الظواهر ‏بطرقة كمية ومتناهية.

ومن جهة أخرى، إن الكون يمكن قياسه عبر أطرافه، لأنها‎ ‎تشكل ‏أعدادا نهائية كما أوضحت ذلك نسبانية أينشتاين التي تحاول أن تقدم هندسة‎ ‎لمعرفة وصياغة ‏طاقة الكون رياضيا والجمع بين الزمان والفضاء بعد أن تم الفصل بينهما‎ ‎طويلا‎.‎

يعتبر ديكارت أول من أكد على خصوصية الإنسان عندما اعتبره‎ ‎جوهرا، يمكن دراسة ‏أعضائه الجسدية وما يحيط به من ظواهر طبيعية بطريقة تجعله يفكر‎ ‎ويعقل ما يفكر فيه ‏بوعي. " خطاب المنهج، الجزء الخامس، ص: 113-119".

ومن‎ ‎نافل القول‎ ‎أن العلم عنده ‏بحث عن الحقيقة، والحقيقة في هذا الباب تعني ملامسة حقيقة الظواهر في‎ ‎الكون عبر الرصد ‏والملاحظة. إذ يتم الربط بين الظواهر والأسباب بعامة، بحيث يمكن‎ ‎اعتبار المقاربة الديكارتية ‏للكون اعتباره امتداد ومتصل ولا وجود للعدم فيه.

كما‎ ‎أنه يمكن اعتبار الوصف الهندسي ‏للظواهر ممتلكا لنفس قيمة التفسير السببي للظواهر،‎ ‎أي أن تأسيس الميكانيكا يقوم على ‏معطيات قبلية وهندسية وعلى تماثل المادة‎ ‎والامتداد‎.

وعوار هذا الحد أن لا نستفيض فيه أكثر من التأكيد على أن ظهور‎ ‎النموذج العلمي الحديث ‏بفضل ديكارت ونيوتن وكبلر وغاليليو يقوم على التخلص من‎ ‎النموذج القديم القائم على ‏القياس، بحيث قام الفصقل ـ الباراديغم ـ الجديد على‎ ‎دراسة القواعد والمبادئ والاختزالية ‏المنهجية والرياضية التي تقول بوجود قانون يحكم‎ ‎هذا العالم يجب الكشف عنه‎.

ومع هذا العالِم الفذ " أصبح العالَم آلة عظمى منظمة‎ ‎تنظيما محكما حسب قوانين معينة " ‏والمعرفة العلمية معرفة وضعية بالأساس، بحيث إن‎ ‎التفسير العلمي لا يمكن أن يكون غير ‏التفسير السببي. إذ أن معرفة النتائج تقودنا‎ ‎إلى معرفة الأسباب، وإذا لم نبحث عن تفسير ‏الأسباب لتفسير النتائج، كنا كمن يدور في‎ ‎حلقة مفرغة‎.

كل ذلك بطبيعة الحال يتوقف في نظر ديكارت على معرفة أسباب الظواهر‎ ‎التي تعتبر بمثابة ‏هوية العلم الجديدة آنذاك، والتي لا تسْتوفي معقوليتها إلا بفهم‎ ‎القانون والطريقة التي تنتظم بها ‏تلك الظواهر وتشتغل بنفسها أو بغيرها. فكل "علم هو‎ ‎معرفة يقينية وبديهية على وجه ‏المطلق.‏‎

الأمر الذي مهد لنيوتن أن يجدد نظرة‎ ‎الإنسان إلى العلم وبالتالي إلى الكون، فالعلم يستقي ‏منهجيته من الرياضيات والفلسفة‎ ‎الطبيعية، اعتمادا على التجربة والتجريب بالكشف عن القوى ‏الخفية التي تحرك أي ظاهرة‎ ‎طبيعية.

كما أن مهمة العلم تنحصر في الكشف عن الميكانيكا ‏الكامنة في صلب أي ظاهرة‎. ‎‏ فالتقديم الأول لكتابه:"مبادئ رياضية لفلسفة الطبيعة" يمكن ‏اعتباره بمثابة مقدمة‎ ‎لميكانيكا عقلانية تحاول أن تشير إلى الأشياء بتقديم وصف تقني لأشكالها ‏وخطوطها‎ ‎وأحجامها وصورها يتم تضمينها قواعد رياضية.

بمعنى إخضاع ظواهر الطبيعة ‏إلى قوانين‎ ‎علمية مصاغة صياغة رياضية.ومن ثم، أولى نيوتن جهوده لفهم ما يعج به الكون ‏من ظواهر‎ ‎إلى تحليل العناصر التالية: الجاذبية، الصلابة والسيولة، ما سمح له بتأسيس فلسفته‎ ‎الطبيعية على مفهوم القوة، أي قوى الجذب في الظواهر الفلكية والبحرية بمثابة المعطى‎ ‎الواقعي الذي لا مناص من دراسته، بحيث يصبح الخاصية الأساسية للعلم، هي البحث عن‎ ‎الأسباب‎.

وبموجب ذلك تم اعتبار العالم ككتاب يقتضي فهمه اعتماد الرياضيات وإلغاء‎ ‎‏ التفكير ‏الخرافي، لأن كتاب الطبيعة مكتوب بأبجدية هندسية ورياضية.

الأمر الذي نتج عنه‎ ‎لزاما ‏الوصول إلى مبادئ رياضية وقواعد تخص قوانين الحركة وقوة الدفع فيها وكميتها‎ ‎وشكل ‏الكتل " أي مقدار المادة في جسم ما، باعتبارها معيار لمدة مقاومة الجسم للتغير‎ ‎في حالة ‏حركته وسكونه"، ما يهيئ سبل القيام بتجارب تطبيقية عن طريق قواعد‎ ‎رياضية‎.

 

إذ يعتبر نيوتن العالم مكونا من ثلاثة عناصر أساسية ‎:

‎ / ‎1المادة‎: ‎ مجموعة لا متناهية من الجسيمات، مفصول عن بعضها البعض، وصلبة‎.‎‏ كما أن ‏كمية المادة تقاس في ميكانيكا نيوتن بكتلة الجسم. وعلمنا أنه يمكن تعيين كمية ثابتة، وهي << ‏الكتلة>> لكل جسم مادي، وذلك من خلال خطوات قياس معينة.‏‎

‎2‎ / الحركة : علاقة‎ ‎من الجسيمات، تنقل هذه الأخيرة في الفراغ دون إلحاق أي تغيير على ‏طبيعتها‎. ‎

3 / المكان : هو ذلك الفراغ الذي تحقق فيه الجسيمات حركتها ‎.

 

فلأول مرة في التاريخ‎ ‎يتمحور المنهج الرياضي حول سيرورة من ثلاث مراحل ‎:‎

* هيكلة رياضية وهندسية لبناءات‎ ‎نظرية‎.

‎* مقارنة نتائج هذا البناء الرياضي مع‎ ‎ما هو موجود وقائم في الطبيعة‎.

* إعادة بناء النموذج الرياضي لكي‎ ‎يكون أقرب إلى آليات الطبيعة وحتى نضمن أن تكون ‏نتائجه أقرب منها. مؤدى هذا التفكير‎ ‎توجيه الإنسان إلى الطبيعة لاستخلاص القوانين في ‏قوالب رياضية وفيزيائية يمكن‎ ‎تجريبها في كل آن وحين‎.

وبهذا ربط نيوتن بين الطبيعة وقوانينها، وبين قوانين‎ ‎الحركة والسيولة والأضداد والتمدد ‏و"قوانين حركة الكواكب الثلاثة الكبار كنتائج‎ ‎مباشرة لقانون الجاذبية العام"، وظاهرة المد ‏والجزر، واضطراب حركة القمر والانتفاخ‎ ‎الاستوائي للأرض... التي كانت من إحدى آثارها ‏تصدير قوالب وقواعد وقوانين من الحياة‎ ‎الطبيعية إلى الحياة اليومية. كل ذلك أولى التجربة ‏أهمية كبرى، بحيث لم يعد بديلا‎ ‎عنها كسبيل لفهم الطبيعة ومنهاجا للبحث العلمي بامتياز‎.

وهذا ما نجده في فتحه‎ ‎العلمي المبين عندما وجد حلقة الربط بين ظواهر طبيعية جد مختلفة ‏كمسار الكواكب‎ ‎وسقوط الأجسام والصعود الموسمي لمياه البحر عن منسوبها الطبيعي من ‏خلال قانون‎ ‎الجاذبية بوصفه المبدأ المحرك لتلك الظواهر الذي يستطيع تقديم شرح السببية ‏التي‎ ‎تتحكم فيها‎.

ومن هذا المنطلق كشف نيوتن عن مبدأ ثاني في منظومته العلمية، حيث‎ ‎اختار في هذا ‏المضمار منهج تحليليا كطريقة تسعفنا بالتدريج في فهم سلم الظواهر‎ ‎درجة، درجة.

وهو الذي " يتمثل في القيام بتجارب لاستخلاص النتائج العامة بواسطة‎ ‎الاستقراء والملاحظة " أي ‏التوصل إلى الحكم الكلي أو العام انطلاقا من معرفة‎ ‎الجزئيات"، بالإضافة إلى عدم القبول بأي ‏اعتراض إن لم يكن مستخلصا من الوقائع أو من‏‎ ‎حقائق مؤكدة، كما عدم الالتفات إلى ‏الفرضيات "..." وبذلك وحده يمكن أن نمر من‎ ‎المركب إلى البسيط ومن الأسباب الجزئية إلى ‏الأسباب العامة حتى نصل إلى السبب‎ ‎الأول>> "‏Principia 5, 347‎‏".‏‎

وعموما تأرجحت محاولة نيوتن بين الاستقرائية‎ ‎ويقينية التقليد الرياضي من جهة، والاندغام ‏في واقع التقليد التجريبي من جهة أخرى‎. ‎الأمر الذي هيأه أن يكون أول عالم اكتمل على يده ‏الجمع بين المبدأين الأساسين في‎ ‎الثورة العلمية: تيار الرياضيات وتيار التجريبية‎.

والجدير بالذكر أن هذه الطريقة‎ ‎مكّنت نيوتن بالتوحيد بين فيزياء السماء وفيزياء الأرض ‏محطِّما بتلك الثنائية القديمة‎ ‎التي كانت تعتبرهما منفصلتين إلى الأبد. فمبدأ الجاذبية الشهير ‏ييسِّر سبل فهم العديد‎ ‎من الظواهر الكونية، أي كان تواجدها سواء على أديم الأرض أو في ‏علياء السماء بناء‎ ‎على معقولية العالم‎.

وإذا كان نيوتن في هذا الإطار يتقاسم وديكارت معايير حدسية‎ ‎حول معقولية الطبيعة المادية، ‏غير أنه يختلف معه اختلافا في كثير من تفسير ظواهر‎ ‎الكون التي أثبتت اجتهادات نيوتن. بل ‏أن هذا الاختلاف يزداد عندما يتعلق الأمر‎ ‎بكيفية ارتباط هذه المعايير في الذهن بالبحث ‏العلمي.

فالحقائق الاستقرائية عند‎ ‎نيوتن سابقة على الحقائق الحدسية التي يهتم بها ديكارت. ثم ‏من غير المعقول اعتماد‎ ‎الحقائق الحدسية كحقائق للكون والطبيعة، لأن العلم لا يقدم لنا يقينا ‏بأن قوانين‎ ‎العقل الحدسي تتطابق ونظيرتها الطبيعية‎.

وبإيجاز شديد يمكن تلخيص مساهمات نيوتن الفيزيائية‎ ‎كالتالي: إن نظام الميكانيك الذي يستند ‏على قوانين نيوتن في الحركة، تعتبر فيه‎ ‎الكتلة والطاقة خاصيتين ميكانيكيتين محافظتين ‏منفصلتين. وقوانين الحركة‎ ‎الثلاث‎:‎

‎ينص القانون النيوتوني الأول على أن‎ ‎جسيما لا يخضع لأية قوة خارجية يبقى ساكنا، أو ‏أنه يتحرك بسرعة ثابتة على خط‏‎ ‎مستقيم، يطلق عليه أيضا قانون القصور الذاتي.‏‎‎

‎ينص القانون الثاني على أن تسارع‎ ‎جسيم يتناسب طردا مع القوة الخارجية الحاصلة ‏المؤثرة في الجسيم وعكسا مع كتلة‎ ‎الجسيم‎.‎‏ يطلق عليه " قانون القوة".‏‎

‎في حين ينص القانون النيوتوني‎ ‎الثالث على أنه إذا تفاعل جسيمان، فإن القوة التي يؤثر بها ‏الجسيم الأول في الجسيم‎ ‎الثاني "تسمى قوة الفعل" تتساوى بالقيمة المطلقة، وتعاكس بالاتجاه ‏القوة التي يؤثر‎ ‎بها الجسيم الثاني في الأول " تسمى هاته قوة رد الفعل".‏‎‎‎ولقد أثبتت‎ ‎هذه القوانين صحتها في جميع المسائل الميكانيكية التي لا تشمل على سرعة ‏متقاربة مع‎ ‎سرعة الضوء، وغير مشتملة على جسيمات ذرية أو أجزاء ذرية.‏‎

وبالنسبة لحل مشكلة‎ ‎حركة الأجرام السماوية، صاغ نيوتن في البداية تفسيرا سببيا لحركة ‏الميكانيكية، مما‎ ‎أدى إلى تحديد أصناف حركة الموضوعات الخاضعة لقوى داخلية أو ‏خارجية، وانطلاقا من‎ ‎قوانين كبلر، خلص نيوتن قانونا للقوة يتميز بالخاصيتين الأساسيتين‎:

 

أ- القوة‏‎ ‎ظاهرة آنية‎.

ب- تمثل هذه القوة تأثيرا عن بعد‏‎.

 

ولن يغيب عنا أنه في عصر نيوتن‎ ‎كانت الأجسام الصلبة منها أو غيرها، لا تؤثر في بعضها ‏البعض إلا بالتماس، مما يعني‎ ‎غياب أي قانون آخر، قبل أن يكتشف نيوتن قانون الجاذبية التي ‏هي آنية وتؤثر عن بعد‎. ‎‏

كما أنه إذا كانت قوة الجاذبية بما هي قوة آنية لها القدرة على التأثير ‏من بعيد،‎ ‎فإن الأحداث الآنية والمتباعدة مكانا يمكن أن تعتبر مترابطة سببيا. والمهم من ذلك‎ ‎أنه إذا عرفنا وضع وسرعة كوكب ما في لحظة، يمكن تحديد وضعه وسرعته في أية لحظة‎ ‎لاحقة‎.

إلا أن هذا القانون كما نعلم، لم يعد قادرا على تقديم تفسير مقنع‎ ‎لظواهر المادة الأخرى، غير ‏الصلبة... الخ، بحيث أن ظهور نظرية المجالات، شكّل إضافة‎ ‎نوعية برزت معها صيغة ‏جديدة من السببية، إذ يقترح فاراداي‎ "Faraday" ‎تأويل المجال‎ ‎الكهرومغناطيسي بما يجعله تحولا ‏في مادة الأثير‎ .

والحال أن الفيزيائيين‎ ‎قبل أينشتاين حاولوا تفسير جميع الظواهر الطبيعية بما فيه الظواهر ‏الكهربائية‎ ‎والمغناطيسية بأساليب ميكانيكية. الأمر الذي دفعهم لافتراض وجود الأثير للتمكن ‏من‎ ‎تفسير ميكانيكي لانتشار الموجات الضوئية.

والجديد الذي خرج من معطف دراسة ‏الظواهر‎ ‎الضوئية، يتمثل بالنسبة لمكسويل‎"Maxwell" ‎‏ افتراضه أن الحقل الكهرومغناطيسي شيء‏‎ ‎واقعي. ومن ثم اعتبر مكسويل الزمان والمكان ساحة لقوانين الحقل، مما يخالف وضعهما‎ ‎في ‏حال قوانين الميكانيكا، التي يتم النظر فيها لهما كعبارة عن نقاط تحضر فيها‏‎ ‎الأشياء المادية أو ‏الشحنات‎.

وبمجرد التقدم في هذا المسار الجديد ومع تعزيز‎ ‎مواقع النظرية النسبية، تم الحصول على ‏تأويل طبيعي للقوى التي بدا أنها تؤثر عن‎ ‎بعد، ولقد تم تقوية وتعضيد هذا التأويل بفضل ‏الأعمال التي قام بها مكسويل‎ ‎وهيرتز‎ "Hërtz"‎، كي يفسح المجال للتخلي عن إعطاء طبيعة ‏ميكانيكية لمادة‎ ‎الأثير بالتوحيد بين فيزياء القوى المركزية وفيزياء المجالات‎.

الأمر الذي مهد‎ ‎لافتراض مؤداه أن للأثير خواص مادية، لكن مع لورنتز وأينشتاين تم ‏الاستغناء عن ذلك، كي يصبح مجرد مكان له بعض الخواص الحركية، ما مهّد للمجالات أن ‏تمثل‎ " ‎موضوعات" لها أهمية نظرية واستقلال ذاتي، لأنها لم تعد في حاجة إلى مادة ميكانيكية‎ ‎لكي توجد‎.

وإذا شئنا التبسيط قلنا، يكون الرجوع إلى التأثير أو الفعل الذي قال‎ ‎به نيوتن، إن هذا التأثير ‏يحتاج إلى وسط، ولكن هذا الوسط ليس ماديا ولا ميكانيكيا،‎ ‎بل هو مجال. مما يعني أن العامل ‏السببي في الطبيعة لم يعد قابلا للملاحظة المباشرة‎. ‎‏

وبذلك نكون قد دخلنا عالم الذرات ‏والإلكترونات غير المرئية والتجاذبات الخفية، بحيث‎ ‎إن قوانين نظرية المجال، تماما كما هو ‏حال نظرية نيوتن الميكانيكية، لا تفرض أي حد‎ ‎أقصى على سرعة القوى. ولقد نتج عن هذا ‏عدم إمكانية فرض أي نظام زمني خاص على سلسلة‎ ‎من الأحداث تعتبر مترابطة سببيا. وهنا ‏تتدخل نظرية النسبية لأينشتاين‎.

ومن ثم‎ ‎تبين لاينشتاين استحالة استيعاب الذرية من طرف فيزياء المجالات، بحيث تم اعتبارها‎ ‎كيانا مستقلا إلى جانب المجالات الأساسية‎.‎‏

هكذا إذن تم تحطيم التصور الزمكاني‏‎ ‎الحدسي ‏واندثر الاعتقاد في الموضوعية الكلاسيكية للعالم الميكروسكوبي التي تعد‎ ‎قاسما مشتركا بين ‏الفيزياء العقلانية والحس المشترك، بحيث نتج عن‎ ‎تحطم هذا البناء السائد في الفيزياء ‏الكلاسيكية أن أخذت الذات والذرة والاحتمالية‏‎ ‎على حد سواء مكانهن‎.‎

النسبية المقصورة " المحدودة" أو الخاصة بعد نجاح الفيزيائي الإسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل في توحيد الكهرباء والمغناطيسية ‏في إطار المجال الكهرومغنطيسي انطلاقا من الأبحاث التي قام بها الفيزيائي الإنجليزي ‏ميخائيل فاراداي، بحيث بينت بأن الاضطرابات الكهرومغنطيسية تنتقل بسرعة الضوء ‏بطريقة ثابتة لا تتغير أبدا.

مما جعل الضوء المرئي نفسه عبارة من الموجات ‏الكهرومغناطيسية، وهي الموجات التي أدركنا أنها تتداخل مع كيماويات شبكة العين ‏لتعطي الشعور بحاسة البصر. الأمر الذي أظهر بما لا يقبل الشك بأن الموجات ‏الكهرومغناطيسية في حالة سفر دائم، لا تتوقف أبدا " ومنها الضوء المرئي". فالضوء ‏دائما ينتقل بسرعة الضوء.‏

ومن ثم كان الاهتمام في النسبية المحدودة بالمعالجة الدقيقة للكيفية التي يبدوا فيها العالم ‏للأفراد، بحيث يمكن الوقوف على الحدس وعيوبه واختلاف وجهة نظر الراصدين ‏والملاحظين أثناء حركتهم، فمثلا تبدو الأشجار على جانبي طريق سريع وكأنها تتحرك ‏من وجهة نظر سائق سيارة، لكنها تبدو ساكنة بالنسبة لمن يقف على جانب الطريق يحاول ‏إيقاف سيارة كي تنقله إلى مكان ما.

وبالتالي تزعم النسبية الخاصة بان الفروق بين ‏ملاحظات الإثنين " السائق والواقف على الطريق" أكثر دقة وحدة من أن يجمع بينها.

لكن ‏النسبية الخاصة بإمكانها أن تحل هذا التعارض بين الموقفين، أي بين حدسنا عن الحركة ‏وخواص الضوء، لكن يبقى بأن الأشخاص الذين يتحركون بعضهم بالنسبة لبعض كما وقع ‏في المثال الذي ضربناه، سيختلفون حتما في مشاهداتهم الخاصة حول المكان أو الزمان. ‏لكنه على الرغم من هذا الاكتشاف العظيم، ما زال أغلبنا يرى المكان والزمان كأمر ‏مطلق.

هذا على الرغم من أن هناك فروق بالفعل على الرغم من ضآلتها بين الإدراك ‏الحسي للزمان والمكان عند الأفراد المستقرين على الأرض والمسافرين في سيارات ‏وطائرات.‏

إجمالا، إن مبدأ النسبية الخاصة يقوم على خواص الضوء ومبدأ النسبية، بحيث مهما ‏كانت السرعة التي تلاحق بها شعاع الضوء فإنه سيظل يتحرك مبتعدا عنك بسرعة ‏الضوء, أي أن سرعة الضوء تنتقل في الفضاء الخاوي بأكثر من 670 مليون ميل في ‏الساعة، والسرعة هنا تعني مقياس للمسافة التي يقطعها جسم في زمن معين، فيما هي في ‏الكون مجال بحثنا هي مقياس لمقدار ما هو موجود بين نقطتين. وبذلك فإن السرعة ‏مرتبطة غاية الارتباط بمفهومنا عن الزمان والمكان.‏

‏والحقيقة أن سرعة الضوء لن يستطيع أحد إبطاؤه ليبدو ساكنا بالنسبة له. الأمر الذي ‏جعل أينشتاين يستخلص بأن ثبات سرعة الضوء يعني سقوط مدويا لفيزياء نيوتن.‏

‏ ثانيا ، يقوم مبدأ النسبية على حقيقة بسيطة، مفادها أنه في الوقت الذي نناقش فيه السرعة ‏‏" سرعة الجسم واتجاه حركته"، علينا أن نحدد بالضبط من أو ما الذي يقوم بالقياس، ‏بحيث لا يمكن أن نتكلم على حركة جسم إلا بالنسبة لجسم آخر أو مقارنة به.

إذ لا بد من ‏نقطة ننطلق منها للقياس، كقياس العلو من سطح البحر مثلا... ألخ فالحركة نسبية، ولا ‏يوجد مفهوم مطلق للحركة.‏

ولقد اهتم أينشتاين بتحليل عملي لإجراءات قياس الطول والزمن، ما دفعه للتأكيد بأن روابط ‏الزمان والمكان اللذان ينتميان إلى منظومة <<غاليليو>> يظلان مرتبطان فيزيائيا وليسا ‏منفصلان، بحيث يؤكد مبدأ النظرية النسبية المقصورة أن جميع أنظمة الثقالة أو العطالة " ‏أنظمة ذوات مرجعية غاليليو" متطابقة من أجل تفسير الحركة، وأن ما نسميه بأنظمة << ‏الثقالة أو العطالة>> أو بالأحرى مبدأها العام يجعل من جميع الأجساد التي لا تخضع لأي ‏قوة، فهي إما في حالة راحة بطريقة مستمرة، أو أنها حيّة بواسطة حركة مستقيمة وعلى نمط ‏واحد.‏

وبذلك استطاع أينشتاين أن يُوضِّح مدلول المعادلة الرياضية المعروفة بتحول لورنتز، ‏حيث القبول في هذا الإطار بالمسلمة القاضية بثبات سرعة الضوء في الفراغ، يتيح أن ‏يرجع قياسات الزمن إلى قياسات المكان.

ومن ثم تغدوا الساعة المثالية شعاعا ضوئيا ‏يسافر في الفراغ طوال مسطرة صلبة. مما مكن أينشتاين من تقديم حل للمشكلة التي ‏واجهت الفيزياء في بداية القرن العشرين :‏

‏1 / ‏إذ كانت الفيزياء الميكانيكية تعتبر أنظمة غاليليو متطابقة في وصف الحركة " مبدأ ‏النسبية"، وإذا تبنينا تحول غاليليو " إن الروابط والزمن مرتبطان في نظامين ‏مرجعيين اعتباطيين وفق نظامه المرجعي" من أجل المرور من نظام جامد إلى آخر، ‏ينجم عنها قانونا تكميليا "اتجاهي" للسرعة، أبرز عناصره:‏

‏2 / ‏اختلاف سرعة الضوء في نظامي غاليليو

‏3 / لكن تظل فرضية سرعة الضوء " في الفراغ" ثابتة بالنسبة لجميع أنظمة غاليليو، فهي ‏مستقلة عن حركة المصدر.‏

وبالتالي إن القضية2 و3 متناقضتين .‏

الأمر الذي فرض تغيير المسلمات، بحيث تتغير المسلمتان داخل نظرية النسبية المحدودة ‏وتصبح كالتالي :‏

‏1-‏‏ إن جميع أنظمة غاليليو " أنظمة العطالة أو الثقالة" متطابقة من أجل صياغة جميع ‏قوانين الفيزياء،

‏2-‏‏ تنتشر سرعة الضوء في الفراغ بسرعة ثابتة وبالنسبة لجميع أنظمة غاليليو وبمعزل ‏عن حركة المصدر. بحيث يمكن أن نبسط هذا الأمر بعرض المثل التالي: إن سرعة ‏الضوء ثابتة لا تتغير بالزيادة أو النقصان تبعا لسرعة مصدره وهو يبتعد أو يقترب.

‏ولتقريب ذلك إلى الأذهان، هب أنك تنظر إلى ساعة ساحة نوفمبر في شارع بورقيبة، ‏وأن عقرب الساعات يشير إلى رقم 2، بينما يشير عقرب الدقائق إلى العدد 12. معنى ‏ذلك أن الساعة هي الثانية تماما، وأن هناك صورة ضوئية لعقربي الساعة وهما على ‏هذا الشكل تسقط على عينيك وتتحرك منطلقة بسرعة الضوء لتحل صور أخرى ‏محلها متتابعة في عقربي الساعة وهما يتحركان.

والآن هب أنك تحركت مع الصورة ‏الأولى بنفس سرعتها " سرعة الضوء"، فإنك سوف تلازمها بطبيعة الحال ولا تدركك ‏الصور التي بعدها... وهكذا سوف تقول أن الساعة هي الثانية، وتتلاشى فكرة الزمن ‏عندك وتتحول إلى مجرد مكان بالنسبة إلى شارع 7 نوفمبر.

ثم افترض أنك تحركت ‏بسرعة أكبر من سرعة الضوء " وهو أمر مرفوض علميا "، فإنك ولا شك تلاحق ‏الماضي وترى عقارب الساعة وهي تتراجع إلى الخلف!!! ومن المستحيل تماما أن ‏تتحرك بسرعة أكبر من الضوء لتلاحق الماضي. لكن الأمر البالغ الأهمية بأن أي ‏معلومة أو فعل سببي يمكن أن يتم نقله أكثر من سرعة الضوء.‏

ومن أجل تطابق الفرضيتين عمد أينشتاين إلى تحليل عميق لمفهوم الزمن والمكان، مكنته ‏في الأخير من توضيح نسبية مفهوم التزامن ومفهوم الطول، أي ذلك الغموض الذي كان ‏يخص عملية القياس ذاتها!

والحالة هذه أنه إذا كان تحول لورنتز يؤكد على ثبات سرعة ‏الضوء في أنظمة غاليليو، فإن ذلك دفع أينشتاين إلى اقتراح تأويل واضح لهذا التحول، ‏بالبرهنة على عدم وجود تناقض بين مبدأ النسبية وفرضية انتشار الضوء بسرعة ثابتة.

‏بيد يبقى بأن النظرية النسبية الخاصة أودت بالمفاهيم الكلاسيكية للزمان والمكان والكتلة ‏والتزامن. إذ من دون شك أسقط أينشتاين المفهوم المطلق للأشياء، بحيث لا يوجد حقيقة ‏مطلقة في العالم، والكل فيه يتصف بالنسبية.‏

 

الجزء الثاني من مقال للباحث الدكتور / حسن المصدق - أستاذ بجامعة السوربون .

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×