Jump to content
Sign in to follow this  
driss1994

الى كل شخص معتقد بما يسمى " التنجيم "

Recommended Posts

لماذا لا يصدر عن «وكالة الفضاء والطيران الأميركية» (ناسا) مزاعم في شأن معرفة المستقبل، وهي من أكثر مؤسسات البشر معرفة بالكواكب والنجوم وحركاتها ومساراتها؟ لماذا لا تجرؤ «ناسا» حتى على توقّع الطقس على المدى الطويل، فتؤجل إطلاق مركباتها أحياناً لأن عاصفة غير متوقعة تهب فوق منصات إطلاق سفن الفضاء؟ لو أن مراقبة النجوم تُنبئ بالآتي، كما يزعم جمع من المتاجرين بالخوف الانساني البديهي من الغد، فكيف تأتى أن فقدت وكالة «ناسا» رواداً في كارثتي «تشالنجر» و «كولومبيا»؟ وكذلك كيف فقدت وكالة الفضاء الأوروبية روبوتات فشلت في إداء مهامها؟ لو أن التطلع في كرة من زجاج أو مجموعة من أوراق اللعب (التي تُذكر بألعاب الميسر) تقود الى معرفة ما يأتي من أحداث، لوفرت وكالتا الفضاء الأميركية والأوروبية أرواحاً وأموالاً طائلة في تفادي الكوارث، ولهان الأمر على شركات الطيران العالمية التي تتكبد خسائر هائلة في كوارث الطيران.

ثمة مسألة بديهية أخرى، وهي أن التنجيم (استرولوجي Astrology) هو من ارث القرون الوسطى، وعندما تطور الفكر البشري وعلومه، ظهر علم الفلك (استرونومي Astronomy)، الذي قطع صلته نهائياً بالتنجيم وأساليبه المُدّعية والزائفة.

 

لكن جموعاً من المتاجرين بالمخاوف، الذين لا تتورع الفضائيات العربية عن تقديمهم وكأنهم علماء لا يخطئون، لا يكلفون خاطرهم حتى عناء أن يشيروا إلى أنهم لا يعرفون من أمر الفلك شيئاً. ولعل من المضحك تماماً أن تحيط الشاشات العربية هؤلاء بكل هذه الأهمية، من دون ان تهتم بالقول للمشاهدين من أي جامعات تخرجت هذه «الجحافل» ممن لا يكفون عن زعم معرفة الآتي، ولا أية شهادات يحملونها فعلياً! وعلى رغم كل تلك الأمور البديهية، فإن «وثيقة تنظيم البث الفضائي» (التي صدرت عن اجتماع وزراء الاعلام العرب في 12 شباط/ فبراير) الماضي) اهتمت بأمر الفيديوكليب والنقاشات السياسية والأراء المغايرة للسائد. ولم تعط الوثيقة أي اهتمام لمسألة إلزام الفضائيات بالحد الأدنى من المهنية عند تقديم جموع مُدعي العرافة، ولا غيرهم من أصحاب المزاعم المُشابهة. ولم تهتم بلفت نظر الفضائيات العربية إلى ضرورة احترام عقول المشاهدين، وقول الحقيقة في شأن التأهيل الفعلي لتلك الوجوه التي لا تكف عن التعالي والادعاء.

 

يلاحظ أن اللبنانيين باتوا يعطون اهتماماً فائقاً لمن يظهرون على الشاشات مُدعين معرفة المستقبل، والذين «يفرخون» في مناسبات معينة وخصوصاً في رأس السنة.لماذا تذكر اللبنانيون بعد الأحداث الأخيرة في بيروت والضاحية الجنوبية الرؤى التي أتحفهم بها بعض المنجمين ومُدّعي الرؤى على شاشات التلفزة مع بدء العام الجديد؟ وبداية، من غير المُجدي الاستمرار في المماحكة حول ما تحقّق من تلك الأقوال، وما لم يتحقق. فالكثير من تلك المزاعم تبدو كأنها مزيج من الذكاء المتخابث والقراءة السياسية للأحداث، والتي تُصاغ بإبهام مُتعمد، لكي تفسح المجال أمام أكثر من تفسير. ثمة مثال لافت. زعمت إحداهن انها «تنبّأت» بمصرع الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبالرجوع الى ما كتبته، يتبيّن أنها سطرت أن مواليد البرج الذي ينتمي إليه الراحل الكبير سيحس بضيق في ذلك اليوم! هل ينطبق ذلك على انفجار من 1800 كيلوغرام من المتفجرات، أودى بحياته وحصد أرواح مرافقيه وصديقه النائب باسل فليحان وهدم جزءاً من فندق وخرّب ساحة ومزّقها؟ وثمة مثال آخر. ردّد كثيرون من المُنجمين أن لبنان سيخرج من أزمته بعد سلسلة من أعمال القتل والفوضى. فهل هذه قراءة سياسية أم «رؤية» للآتي من الأيام؟ ألم يردّد كثيرون من المُحللين السياسيين أموراً مُشابهة؟ ألم يتكرّر تعاقب السلم والحرب على لبنان مراراً وتكراراً؟

 

ترى الأستاذة في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الدكتورة إلهام كلاب البساط، أن انتشار هذه الظاهرة «يعود لانسداد أفق الأمل أمام الناس وإحساسها بأن الواقع لم يعد يعطيها أي فسحة أمل، فتلجأ الى التنجيم وتنجذب اليه كفسحة ضوء بين غيمتين. تريد الناس أن تعيش وتكمل حياتها بسلام، ومن هنا تعلقها بأي احتمال». وتضيف أن الوضع السياسي «معتم لبنانياً وعالمياً، «في الستينات كان لدى الناس أمل وقيم وقدرة على التغيير، في حين أن الوضع الراهن لا يعطي أي أمل أو فسحة حلم بإنسانية أفضل».

وتلفت الى أن الهرولة نحو التنجيم ظاهرة عالمية، بعدما كانت العلاقات الإنسانية ملجأ للمعاناة الروحية، «لكن حتى العلاقات الإنسانية إنطبعت بروح العصر غير الإنسانية... إن مصدر التغيير الاجتماعي هو الناس أنفسهم، وطالما هم متعلقون بظواهر من هذا النوع فإنهم بعيدون جداً من التغيير».

كل الدلائل تشير الى أن عقماً أصاب المناعة اللبنانية في الصميم. ولعل أزمات اللبنانيين المستعصية على الحل دفعتهم الى البحث عن ضالة أخرى، كأن التبصير حل للمشكلات، وليس هروباً من الواقع.

ويعتقد الدكتور في علم النفس عباس مكي أن ظاهرة المنجمين غير علمية، «لكنها تبدو الى حد ما علمية عند الذين ينتظرون التنجيم، أي الناس الذين يتعلقون بما يقوله المنجمون من الغيب لتفسير واقعهم وتأويله».

ويلفت الى أن اللبنانيين هم اليوم «أمام حائط مسدود، لا يعرفون الى من يلجأون، ويفترضون أنه يوجد آخر غير مرئي يستطيع حل مشكلاتهم». ويضيف أن التنجيم عموماً «متصل بالماورائيات غير الملموسة، لأنه يخاطب الإنسان الذي يريد أن يجد تفسيراً غير اعتيادي وشبه سحري لوقع الحياة عليه، فيعتقد أنه يجد الحل عند ذلك الرهط من المُدعين».

وبحسب مكي فإن «الإنسان المرتاح الى وضعه لا يبحث عن الحل من خلال هذه الظاهرة... لكن، عندما يضعف فإنه يحتاج الى تفسيرات أخرى بعيداً من قسوة الوقائع، فيظهر التنجيم وكأنه شيء علمي للناس الذين يحتاجونه».

ويشير مكي إلى وجود التباس في العقول حول طبيعة التنجيم نفسه: «هناك فارق بين الدراسات والأبحاث حول تاريخ التنجيم، والزعم بارتباط مصير الانسان بنجم أو كوكب معين... معلوم ان علم الفلك يدرس الكواكب والنجوم، ليحاول التعرّف إليها والى كوكبنا الأرضي أيضاً... أما مسألة ما يسمى بـ «الرؤى» ومحاولة تصوير أن بعضهم لديه القدرة على رؤية واستشراف المستقبل فيحمل الكثير من الغث».

 

ويعتقد مكي أن منجمي رأس السنة الميلادية «يحاولون ممارسة نوع من التنويم المغناطيسي، المعتمد على قوة الايحاء من جهة والاستعداد للتلقي من الجهة الأخرى، وهناك من يعرف بعض الوقائع، وبعضهم يجرب حظّه... لكنهم قادرون على استغلال ارتباط الناس وحبهم للماورائيات. ويبقى أن الإنسان أمام ضعفه وأزمته الوجودية يريد أن يسمع عناوين جديدة، إنطلاقاً من أن الحياة على الأرض صعبة، وفيها الكثير من الاحتمالات».

عجز الأفكار المنهجية

ويُقدم الباحث الفلسفي والاجتماعي الدكتور أنطوان سيف من زاوية أخرى للنظر الى الظاهرة. ويرى أن «المزاعم التي تتضمن ما يُسمى سحراً وتبصيراً تظهر في أوضاع متأزمة ومتشنجة في البلاد». ويقول: «ينشأ الفكر السحري دائماً عندما تعجز الأفكار المنهجية عن تقديم حلول مقنعة للقضايا والمسائل المطروحة، ويُضاف الى ذلك أثر الميول النفسية والاجتماعية».

ويضيف: «أما في طبيعة هذا الفكر السحري والذين ينتجونه، فهم ينطلقون من خبث يتمتع بنوع عال من الذكاء العملي والسيكولوجي... ما يُسمى سحراً يرتكز في الأصل على الإقناع، ويؤثر في عقول فئة من الناس مهيئة لأسباب مختلفة، منها تربوية، ومنها متعلق بالتركيبة النفسية لتقبل مثل هذه المتغيرات». ويشرح سيف أن «الخبث يستند على دراسة الأوضاع، في شكل لا يخلو من التحليل المنطقي، وثمة مثل لإقامة ما يمكن تسميته بنظرية الاحتمالات، إذا استعملنا لغة الرياضيات. وهذا هو الميدان الواسع لما يسمى بالتبصر، أي انه يحدد الحلقة التي تعج بالاحتمالات. وبقدر ما تكون هذه الحلقة صغيرة بقدر ما يرتفع الاقتناع بصوابية المزاعم. وفي هذا السياق، تكون مزاعم التنجيم و»التبصير» نوعاً من انتاج لحالة نفسية اجتماعية معينة تزيد حيثياتها عن الجمهور الواسع».

في المقابل، يرى سيف أن «التبصير» موجود في مجتمعات متقدمة ومستقرة، ولكنه لا يقدم نتوءاً بارزاً في الخيال الشعبي أو الوعي الجماهيري. أما البلاد التي تفقد السلطة المقررة (التي هي في شكل أو في آخر صورة الأب الحامي بالنسبة للطفل) فإنها تبتدع أباً مبصراً، أو هو يطرح نفسه أباً بديلاً قوياً، يملأ فراغ ضعف السلطة المولجة قيادة المجتمع. فهذه المبالغة في الاعتماد على التبصير دليل مأساة إجتماعية ووطنية، لمن يريد أن يقرأها من منظور سوسيولوجي أو انثروبولوجي (بمعنى تقويم الثقافة الراهنة لجماعة معينة)».

الكذب هو مكان آخر

 

وفي تعليقها على الظاهرة، ترى الدكتورة في علم النفس أنيسة الأمين في ظاهرة المنجمين «محاولة لأخذ الناس الى مكان آخر من خلال التكذيب بإمكان استشراف المستقبل».

 

وتقول إن اللبنانيين تسمروا أمام شاشات التلفزة لرؤية أشخاص يمتهنون الـ «بيزنس»: «كيف يمكن أن يكون التنجيم عن أي شخصية لبنانية أو عربية أو عالمية؟ كل وقائعهم موجودة وحركتهم واضحة... في المقابل، كيف يمكن رؤية التفجيرات والمال وغير ذلك من القضايا الحساسة». وتعتقد أيضاً أن إنشداد الناس تجاه المنجمين «يجيب على قلق عال جداً لديهم اذ إنهم في حاجة للأمل وربما التعلق بحبال الهواء... هل يحتاج انتخاب رئيس الجمهورية الى التنجيم؟ إنه يحتاج الى واقع سياسي».

وفي اتجاه مماثل، يعتبر الطبيب والأستاذ في علم النفس الدكتور شوقي عازوري، أن المنجمين يسوغون ظاهرتهم بأنهم يستطيعون أن يروا أشياء ستحصل في المستقبل.

 

وفي محاولة لتفسير الظاهرة، يلفت عازوري الى أن المنجم يعطي وقتاً للشخص لكي يخبره ما يتعلق بقضاياه: «أحياناً الطبيب النفسي، مثلاً، لا يستطيع أن يعطي الشخص وقتاً كافياً ليستمع إليه. فالمنجم أو الرائي يخاطب الإنسان بما يريده أو بالقضايا التي تؤلمه، فينجذب اليه حكماً، وترتاح نفسيته، كأنه يتعلق بـ «حبال الهواء». وتصبح لدى الشخص علاقة نفسية، كالمغناطيس الذي ينومه. ونتيجة الأزمات، يلجأ الإنسان الى المنجم ويستشيره، مفترضاً بقناعة أن المنجم لديه معرفة عن المستقبل، وتكون عنده قناعة بأن من يلجأ إليه لديه المعرفة اللازمة».

لكن من أين تأتي مثل تلك القناعة؟ ربما تأتي من الطفولة. فأول معرفة لدى الإنسان تأتي من الأم، وتليها معرفة الأب المُسيطر. ويبقى لدى الإنسان ضعفه الإنساني العام، لأنه ليس مستعداً أن يأخذ مستقبله بيده». ويضيف: «لربما من أسباب انتشار هذه الظاهرة في لبنان أن القرار ليس بيد اللبنانيين وليس بيد قادتهم. والشعب اللبناني لا يعرف ماذا سيحصل في المستقبل، فصار ميّالاً لتصديق مثل تلك المزاعم».

 

ويعتبر عازوري أنه «منذ منتصف الثمانينات، بدأت العلاقات الإنسانية بالتغير... الطبيب كانت علاقته بالمريض لها أبعاد طبية إنسانية... كان التركيز على معالجة المريض، وليس المرض فقط. بات الطبيب اليوم يعتمد على الآلة وكأنه لا يثق بتشخيصه. وما يزيد الأمر خطورة انعدام ثقة الناس بعضها ببعض، اذ أصبح لدى الإنسان ثقة عمياء بأي شخص

 

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×