Jump to content

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

في هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني عشر من إبريل، تحل الذكرى الخمسون لاختراق الإنسان لعالم الفضاء، حيث يوافق ذكرى صعود رجل الفضاء الروسي يوري غاغارين، كأول إنسان إلى الفضاء. إنه حدث تاريخي غير عادي شهده العالم كله، حيث انطلق غاغارين من قاعدة بيكانور في كازاخستان، على متن مركبة الفضاء السوفييتية «فوستوك» وتعني بالروسية «الشرق». ولم يكن اختيار هذا الاسم لأول مركبة تحمل إنساناً للفضاء مصادفة أو اعتباطاً، بل كان أمراً متعمداً من القيادة السوفييتية، لكي يحمل رسالة للغرب وللعالم مفادها أن الشرق هو مهد الحضارات الإنسانية، وأن الثقافة الشرقية تسمو بقيمها ومبادئها الإنسانية على غيرها من الثقافات. وقد وصلت الرسالة للغرب وفهموها جيداً في واشنطن، خاصة عندما صعدت للفضاء أول امرأة في العالم، رائدة الفضاء الروسية فالنتينا تيريشكوفا، في يونيو عام ‬1963 على متن سفينة فضاء تحمل نفس الاسم «فوستوك»، ولم تتخلّ روسيا عن هذا التوجه حتى الآن، حيث افتتح رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي، أول مطار فضاء على الأراضي الروسية، وأطلق عليه أيضاً اسم «فوستوك»، أي مطار الشرق.

 

وتعد روسيا في اليوبيل الذهبي لاختراق الفضاء، احتفالات غير مسبوقة، والهدف من ذلك هو استعادة أمجاد الدولة العظمى التي كانت لها الريادة في الفضاء منذ البداية وما زالت. فرغم انهيار الاتحاد السوفييتي، ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها في تسعينات القرن الماضي، فإنها ما زالت تحتكر الريادة في الفضاء دون منافس، باعتراف الغرب وعلى رأسه الأميركيون أنفسهم، حيث وقعت وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» في منتصف مارس المنصرم مع وكالة الفضاء الروسية، اتفاقية جديدة للقيام برحلات إلى المحطة الفضائية الدولية في عامي ‬2014 و‬2015. وستقوم روسيا بموجب هذه الاتفاقية، بإيصال ‬12 ملاحاً فضائياً أميركياً إلى المحطة الدولية وإعادتهم إلى الأرض على متن سفنها الفضائية «سيوز»، مقابل أجر تدفعه «ناسا» قدره ‬753 مليون دولار، وستكلف الرحلة الواحدة «ناسا» نحو ‬62,75 مليون دولار. ويشكو البعض في الغرب من أن أسعار وكالة الفضاء الروسية ترتفع بشكل مطرد، خاصة في تسفير رواد فضاء أجانب، بينما يرى المسؤولون في الوكالة الروسية أن أسعارهم مناسبة، وأنهم لا يستغلون احتكارهم لهذه الرحلات وعدم قدرة «ناسا» أو غيرها على القيام بها.

 

ومن المعروف أن وكالة الفضاء الأميركية وافقت على هذه الأسعار، لأنه لم يعد أمامها خيار غير هذا، فالولايات المتحدة ستتوقف في الصيف المقبل عن استخدام سفنها الفضائية «المكوكية» المتقادمة «شاتل»، من دون أن تجد بديلاً لها في المرحلة الراهنة. وكان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن قد قلص ميزانية «ناسا» بنسبة تجاوزت ‬70٪، بحجة أن مشاريعها فاشلة وحوادث سفنها في الفضاء تكررت كثيراً، وكانت الوكالة تأمل أن يعيد الرئيس أوباما الميزانية لما كانت عليه، ولكن جاءت الأزمة المالية لتزيد الأوضاع سوءاً، للدرجة التي أصبحت معها الوكالة الأميركية غير قادرة على العمل وعلى مواصلة أبحاثها في الفضاء دون الاستعانة بالوكالة الروسية، خاصة وأن وكالات الفضاء الأوروبية قد سبقت وكالة ناسا بعقد اتفاقات مع الوكالة الروسية.

 

روسيا التي تعاني من الأزمة المالية مثل غيرها، لم تبخل على مجالات البحث العلمي وعلى أبحاث الفضاء ذات التكلفة الباهظة، بل على العكس، عندما قررت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تقليص ميزانيات الفضاء بشكل كبير، قرر رئيس الوزراء الروسي بوتين زيادة ميزانية البحث العلمي، وأبحاث الفضاء بالتحديد، بنسبة تجاوزت ‬30٪، وأعلن أن روسيا لن تتوقف عن أبحاثها في الفضاء وبرامجها للوصول إلى القمر وكوكب المريخ في المواعيد المحددة مسبقاً، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه وكالة ناسا توقفها تماماً عن الأبحاث حول رحلات القمر والكوكب الأحمر.

 

الآن تتجه كل دول العالم الراغبة في خوض مجال الأبحاث في الفضاء، إلى روسيا تطلب منها العون، وقد بادرت الهند والصين بعقد اتفاقيات طويلة الأجل مع وكالة الفضاء الروسية، وتتوالى دول أخرى كثيرة، كان آخرها منذ أيام قليلة إسرائيل التي وقعت في السادس والعشرين من مارس المنصرم، أثناء زيارة رئيس حكومتها نتانياهو لموسكو، اتفاقاً للتعاون في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي مع وكالة الفضاء الروسية، ولا يمر شهر واحد الآن دون توقيع دولة أو أكثر اتفاقيات مشابهة مع الوكالة الروسية، وهذا في حد ذاته زاد بشكل كبير حجم الدعم المالي الخارجي للوكالة الروسية، مما يساعدها على الاستمرار في عملها وأبحاثها، وعلى احتفاظها بالريادة العالمية لأبحاث الفضاء.

 

في ظل هذه الأجواء المبشرة، تأتي الذكرى الخمسون لصعود رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين كأول إنسان للفضاء، هذه الرحلة التي شكك الأميركان آنذاك في نجاحها، بينما رفض الأوروبيون هذا التشكيك، وأكدوا نجاح الرحلة التام وتحقيقها لأهدافها. وفي يوليو عام ‬1961 زار غاغارين بريطانيا، حيث تسلم أول ميدالية لصندوق التنمية الفضائية، والتقى مع رئيس الوزراء هارولد ماكميلان ومع الملكة اليزابيث الثانية. وعاد الأميركان بعد ذلك ليعترفوا بنجاح الرحلة ويعتذروا، وحمل رواد الفضاء الأميركان الذين صعدوا للقمر عام ‬1969 معهم ميداليات تحمل صور أشهر الشخصيات على الأرض لتركها على القمر، وكانت من بينها ميدالية تحمل صورة غاغارين.

 

تحياتي

وشكرا

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×