Jump to content
Sign in to follow this  
سلمان رمضان

مستقبل منظار هابل الفضائي

Recommended Posts

لطالما كانت النجوم المبعثرة كالماسات في كل أنحاء الظلمة الحالكة مصدرا لأسئلة الإنسان، يحدّق في السماء ليلا ويتساءل: من أين أتينا؟ لم نحن هنا؟ ماذا يوجد في الفضاء الخارجي؟ وهل من حياة على كواكب أخرى؟

من فوق الغلاف الجوي المضطرب، تحدق عين منظار "هابل" الفضائي الساهرة إلى أعماق الكون بحثا عن إجابات. فمنذ إطلاقه من على متن المكوك الفضائي الأميركي عام 1990، التقط هذا المنظار الفضائي أوضح وأروع الصور الكونية التي رأتها العين البشرية على الإطلاق.

لقد رصد منظار هابل مشاهد يتعذر رصدها عبر أقوى المناظير الأرضية. ومع أن الهواء ليس ملموسا، فإنك عندما تنظر عبر كيلومترات من الغلاف الجوي، يصبح كثيفا كالماء. فالفوارق في حرارة الهواء وكثافته تشوه الضوء، وتجعل النجوم لامعة ومتلألئة.

"النجوم لا تتلألأ. ما يتلألأ هو ضوء النجمة خلال عبوره الغلاف الجوي للأرض، حيث توجد طبقات كثيرة دائمة الحركة، وحيث ينكسر الضوء وينعكس بعض الشيء"، كما يشرح فرانك سَمرز، عالم الفيزياء الفلكي في معهد علوم تكنولوجيا الفضاء في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، ميريلاند.

يملك هابل، الذي يدور على ارتفاع 569 كيلومترا فوق سطح الأرض، رؤية واضحة للكون. كما يبلغ طوله 13.2 مترا، أي بحجم حافلة تقريبا، غير أنه يتسع بسهولة في حجيرة حمولة المكوك الفضائي. إنه يسافر بسرعة تفوق الـ28 ألف كيلومتر في الساعة، ويدور دورة كاملة حول الكوكب كل 97 دقيقة، ويجمع الضوء بمرآته الأساسية البالغ قطرها 2.4 مترا.

وتحافظ جيروسكوبات على ثبات المنظار الفضائي، فالجيروسكوبات أدوات شديدة الدقة تُبقي التلسكوب مُصوّبا على الهدف بدقة تبلغ 0.007 ثانية قوسية، وتمكّنه من التركيز على نقطة في باريس بحجم قطعة معدنية صغيرة وعدم الانحراف عنها حتى ولو كان المنظار في لندن.

وينتج المنظار 10 إلى 15 غيغابايت من الصور والبيانات العلمية كل يوم. وقد التقط أكثر من 700 ألف صورة خلابة لسحب ضخمة من الغاز المضيء، ولمجموعة متنوعة من المجرات والأجسام غير المألوفة، ولولادة النجوم وموتها.

يقول كيث نول، عالم الفلك في معهد المناظير الفضائية: "الأمر مدهش. فهابل يزودنا بمعلومات لا يمكن الحصول عليها بأية طريقة أخرى. إنه أفضل من أي منظار أرضي بمراحل كثيرة".

أطياف الألوان

ويعتبر هابل هو المرصد الأكثر شهرة بين أربعة "مراصد عظيمة" وضعتها وكالة الفضاء القومية الأميركية (ناسا) في مدار حول الأرض لدراسة الكون من خلال موجات ضوئية مختلفة. ويعمل أحد المناظير في نطاق الأشعة دون الحمراء من طيف الألوان، ويكشف منظار آخر الأشعة السينية، ويدرس منظار ثالث أشعة غاما المتحركة. أما هابل، المنظار الوحيد الذي يعمل في الطيف المرئي للضوء، فهو أجودها.

يقول سَمرز: "إنه العصر الذهبي لعلم الفلك، حيث يمكننا المراقبة من خلال موجات ضوئية مختلفة. يسعنا رؤية الكثير في هذه الموجات، لكن النجوم تطلق معظم طاقتها بشكل ضوء مرئي. إنه الجزء الذي نعرفه أكثر من غيره في طيف الألوان لأننا خصصنا لدراسته القسط الأكبر من الوقت".

وتقضي إحدى المهام الرئيسية للمنظار الفضائي بقياس المسافات بدقة في الكون. ويتيح هذا للعلماء احتساب سرعة توسع الكون المعروفة بثابتة هابل (راجع الملحق الجانبي: من هو هابل؟)، "التي تحدد بدورها عمر الكون"، كما يقول سَمرز.

وفقا لنظرية الانفجار الكوني العظيم، ولد الكون بانفجار ضخم، وهو يتوسع منذ ذلك الحين. وطيلة سنوات، ظن العلماء أن ذلك حصل قبل 10 إلى 20 مليار عام. غير أن هابل حصر عمر الكون بما بين 12 و15 مليار عام. وتحدد المشاهدات الحديثة عمر الكون بـ13.5 مليار عام، بزيادة أو نقصان مليار عام.

أداة علمية

ومنظار هابل الفضائي هو واحد من الأدوات العلمية القليلة التي يعرفها ملايين الناس في أنحاء العالم. فقد شاهد الكثير من الناس صورا خلابة للغيوم السديمية وانفجارات النجوم وصورا أخرى يمكن تحميلها مجانا عن شبكة الإنترنت (راجع الملحق الجانبي: تعّرف على المزيد).

ولكن بالنسبة إلى علماء الفلك في كل أنحاء العالم، فإن هابل أداة علمية قيّمة. على خلاف المناظير الأرضية التي تديرها ائتلافات شركات خاصة، فإن المنظار الفضائي المموّل من الحكومة متوفّر لأي عالم فلك بحاجة إلى إجراء الأبحاث. لكن الحصول على موعد للعمل على المنظار ما زال صعبا.

يقول سامرز: "يمكننا توفير الوقت لحوالي 3,000 مدار، ونحصل عادة على طلبات لـ35 ألف مدار. التهافت على هابل كبير. ومع أنه أداة عمرها 15 سنة، فإن الطلب عليه لا يزال شديدا".

إن ثمن استعمال هابل هو توفير كل البيانات التي ينتجها المنظار لعامة الناس بعد سنة.

يقول سَمرز: "يشكل هذا ضغوطا على العلماء للعمل على البيانات ونشر نتائجهم بسرعة. لا يستطيع الباحثون التأخر في دراسة البيانات؛ وإلا ستصبح عامة وسوف يسبقهم أشد منافسيهم على اكتشاف خفاياها".

حقل عميق

إنه بلا شك كونٌ مكتظ. أينما نظرنا، نجد السماء مليئة بالمجرات المبعثرة التي تضم كل منها مئات المليارات من النجوم.

يقول سمَرز: "يمكننا رؤية المجرات على امتداد الكون". ولا أحد يعرف عدد المجرات الموجودة. فبعضها بعيد جدا ومعتم جدا بحيث يتعذر كشفه.

وقد أراد العلماء أن يعرفوا ما يمكن رؤيته في الفراغ. فتم، في شهر كانون الأول/ديسمبر 1995، تصويب هابل إلى جزء مظلم وفارغ في الفضاء. وتم تركيز المنظار على بقعة صغيرة يبدو أنها خالية من النجوم والمجرات، وهي منطقة بحجم عُشر قطر القمر.

وأبقيت كوة التلسكوب مفتوحة لفترة طويلة - مليون ثانية أو أكثر من عشرة أيام- لجمع أكبر كمية ممكنة من الضوء. وبعد تثبيت هابل بجيروسكوبات دقيقة، راح يسبر أغوار الظلمة الحالكة لالتقاط أضعف ضوء تم تسجيله.

وعندما نظر العلماء إلى الصورة، ذُهلوا لرؤيتهم حقلا مكتظا بالمجرات يشمل أكثر من 10 آلاف مجرة في هذه البقعة الصغيرة من السماء "الفارغة".

هل هناك كائنات أخرى؟

تظهر لنا صور هابل كونا مؤلفا من مليارات المجرات، ومليارات المليارات من النجوم.

ما هي وتيرة نشوء الكواكب المأهولة، وهل يمكن أن تكون هناك كواكب أخرى في الكون مماثلة لكوكبنا؟

منذ اكتشاف أول كوكب خارج نظامنا الشمسي عام 1995، عُثر على 145 كوكبا. وحتى يومنا هذا، تبين أن كل هذه الكواكب التي تقع خارج نظامنا الشمسي شبيهة بكوكب المشتري الغازي العملاق الذي تتعذر الحياة فيه. وليس أي منها شبيها بكوكب الأرض الصغير والقريب جدا من نجمته بحيث تصعب رؤيته من هذه المسافات.

لكن دراسة نظامنا الشمسي تساعدنا على معرفة ما إذا كانت هناك كواكب شبيهة بكوكبنا تدور حول نجوم أخرى، وكيف يمكن رصدها.

ويعكف نول على دراسة حزام كويبر، المؤلف من آلاف الأجسام الصغيرة الجليدية التي تدور عند طرف نظامنا الشمسي. فقد يكون حزام كويبر، الذي اكتشف عام 1992، مصدر الكثير من المذنبات.

"إن حزام كويبر مدهش للغاية. وهو من مخلفات تشكيل النظام الشمسي"، كما يقول نول.

وتمنح دراسة حزام كويبر علماء الفلك أفكارا حول كيفية تكون الكواكب داخل قرص من الغاز والغبار. ويعتقد بعض العلماء أن الكواكب الكبيرة تكوّنت أقرب إلى الشمس وابتعدت عنها ببطء.

يقول نول: "إن الكواكب لم تتكون في المواقع التي نراها فيها الآن. وخصائصها الفيزيائية معقدة نوعا ما".

من خلال دراسة صور هابل، لا يطّلع علماء الفلك فقط على نظامنا الشمسي، بل على كيفية تكون الكواكب حول نجوم أخرى.

هل كوكب الأرض هو الاستثناء أم القاعدة؟ يجيب نول: "ما زلنا نجهل ذلك. هذا هو السؤال المهم".

نهاية المطاف

خلال السنوات الـ15 الماضية، قطع هابل أكثر من 3 مليارات ميل. الآن وقد أشرفت مهمته على نهايتها، فإن مستقبل هابل غير أكيد. لقد مُنع المكوك الفضائي من استئناف مهمته الفضائية بعد تحطم مكوك كولومبيا في شباط/فبراير 2003، وفي السنة التالية ألغت ناسا مهمة لصيانة هابل كان مقررا إجراؤها عام 2006.

ومن المفترض سحب المكوك الفضائي من الخدمة بحلول عام 2010. هذا العامل الدؤوب الذي خدم البرنامج الفضائي الأميركي ومحطة الفضاء الدولية لأكثر من عقدين، قائم على تكنولوجيا السبعينات. وتطور ناسا الجيل التالي من المركبات الفضائية، التي قد لا تصبح جاهزة للعمل قبل عام 2014، ما يعني أن برنامج الفضاء الأميركي سيتوقف عن العمل طيلة أربع سنوات.

هابل مزود بستة جيروسكوبات؛ ثلاثة منها تستعمل الآن، وهناك واحد معطل، وآخر سيتعطل قريبا، وهناك أيضا جيروسكوب شغال احتياطي. ووفقا لأشخاص مطلعين على عمل المنظار الفضائي، فإن الجيروسكوبات ستدوم على الأرجح حتى عام 2008، عندئذ يبدأ هابل بالتمايل في مداره ويحترق في النهاية عندما يدخل الغلاف الجوي.

إن خسارة هابل "ستخلف فراغا كبيرا"، كما يقول نول. "وسنخسر نحن علماء الفلك، أقوى أداة نملكها".

من الناحية التكنولوجية، ما زال في هابل رمق. فوكالة ناسا تميل إلى "الإفراط في هندسة" مشاريعها متخذةً الكثير من التدابير الوقائية الإضافية. مسبارا فوياجر 1 و2، اللذان أطلقا عام 1977، لا يزالان يعملان ويبثان إشارات ضعيفة رغم أنهما تخطيا مهلة عملهما بسنوات.

لقد تجاوز المسباران مدار أبعد كوكب وهما أول آلتين من صنع الإنسان تغادران النظام الشمسي. وسيسافران لمدة 50 ألف عام على الأقل قبل أن يصلا إلى نجم آخر.

ويأمل الكثير من العلماء في إنقاذ هابل. قد يعمّر المنظار الفضائي سنوات إضافية إنْ أرسلت بعثات لصيانته.

يقول سَمرز: "إنْ خضع للصيانة، فإنه سيدوم عقدا آخر بالتأكيد".

من غير الممكن نقل المنظار الفضائي إلى محطة الفضاء الدولية لأن المكوك لا يستطيع حمل ما يكفي من الوقود لهذه المهمة ومن المستحيل إرساء هابل في محطة الفضاء، كما أن المدار الأدنى قد يحطم مرآته.

وقد طُرح اقتراح لصيانة المنظار الفضائي على أيدي رجال آليين، لكن العملية مكلفة جدا وأكثر تعقيدا مما تتيحه التكنولوجيا الحالية. وقد أشارت ناسا إلى إمكانية إرسال بعثة لصيانة هابل عام 2007، لكن تمويل المشروع قد يكون صعبا. "الأمر يبدو ميؤوسا منه"، كما يقول نول.

مهما حصل، فإن الصور التي التقطها هابل ستبقى موجودة. إنها مثيرة للرهبة وللرغبة في تعّلم المزيد.

بروس غولدفارب

Share this post


Link to post
Share on other sites

بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا المواضيع دائما رائعة؟

وشكرا على الاجابة المفيدة جدا للسؤال العاجل؟

تحياتي .

وشكرا

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×