Jump to content
Sign in to follow this  
غدير

الثقوب السوداء و الأذرع اللولبية

Recommended Posts

في العشرينيات من القرن العشرين، لاحظ الفلكيون أن شمسنا ومعها كل النجوم التي تحيط بها تشكل جزيرة كونية تعد واحدة من الجزر المشابهة التي لا يمكن عدها وتنتشر في أصقاع الكون الذي لا تعرف له بداية أو نهاية· والآن، وبفضل التكنولوجيات المتطورة للتلسكوبات الحديثة، أصبحت هذه الجزيرة النجمية التي ننتمي اليها والتي تدعى مجرة درب التبانة أو اللبانة معروفة أكثر بالنسبة لبني البشر· ولقد اتضح من عمليات الرصد الحقيقية الأولى أن درب التبانة تضم مليارات النجوم ونحو المليون من الثقوب السوداء ومليارات الأنظمة الكوكبية المعقدة· ولو تخيل المرء نفسه جالساً في مركز هذه الجزيرة الكونية العجيبة لما تمكن من الرؤية إلا لمسافة قريبة جداً بسبب الغبار بين النجوم الذي يملأ الفراغ المحيط به ويحجب بعض القطاعات الفضائية بشكل تام· ومع ذلك، فلقد تمكن العلماء من رسم الخريطة الكاملة للمجرة بما فيها من نجوم وعناقيد نجمية متميزة·

وأصبحنا نعلم الآن أن مجرة درب التبانة هي قرص كثيف من النجوم والغاز والغبار يبلغ قطره نحو 100 ألف سنة ضوئية (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية)·

وينبلج من مركز قرص المجرة انتفاخان متداخلان عامران بالنجوم يصل قطر كل منهما إلى 12 ألف سنة ضوئية مما يجعل هذا القطاع المركزي يبدو وكأنه صحن يحتوي على بيضتين مقليتين متداخلتين· وتحيط بالمجرة هالة كروية ذات اضاءة خافتة تتضمن قطاعات فضائية كروية الشكل عامرة بالنجوم تعرف باسم العناقيد الكروية etsulc ralubolg·

ويقدر العدد الكلي لنجوم درب التبانة بنحو 250 مليون نجم وربما يصل إلى ألف مليون·

وهذه الصورة لمجرة التبانة تعود إلى عام 1923 عندما أصبح الفلكي الأميركي الشهير إدوين هابل أول إنسان يتمكن من تقدير بعد النجوم عن الأرض ضمن بقعة محيرة من الضوء الساطع أطلق عليها اسم غمامة أندروميدا aluben ademordnA· و الغمامة أو السديم هي جزيرة أو قطاع كوني منعزل يعج بالنجوم· واستنتج من ذلك أن درب التبانة هي أيضاً واحدة من هذه الجزر المتباعدة التي تملأ الكون·

 

الأذرع اللولبية

 

وأثبتت عمليات الرصد فيما بعد أن لمجرتنا مجموعة من الأذرع اللولبية المضاءة بقوة، ويتألف كل منها من تجمعات كثيفة من النجوم التي تدور حول مركز المجرة· وبالطبع، لا يمكن للعلماء السفر إلى خارج نطاق المجرة حتى يروا عن كثب كيف تبدو من الفضاء البعيد، إلا أن من المؤكد أنها ستبدو من هناك كقرص منبسط ضخم تتفرع عنه العديد من الأذرع الشبيهة بأذرع الأخطبوط والتي تتفق مع بعضها في جهة الالتفاف لجهة معاكسة لجهة دوران المجرة حول نفسها· وتتفق آراء عتاة الفلكيين المعاصرين على أنه وبالرغم مما تم ابتكاره من تلسكوبات متطورة لرصد أجزاء مجرتنا، فإن ما يعرفه البشر عنها لا يمثل إلا نقطة من بحر الخصائص والأسرار التي تغلفها·

ومنذ نحو 50 عاماً، عرف الفلكيون أن درب التبانة تنطوي على تركيب لولبي حيث تنبثق من قرصها أذرع يتألف كل منها من مجموعة من النجوم الساطعة حديثة التشكل· وهي تدور مع المجرة حول محورها المتعامد مع قرص المجرة إلا أن هذه النجوم تدور حول مركز القرص المجري على مدار دائري لا علاقة له بوضعها بالنسبة للأذرع اللولبية·

ويكون من العسير رؤية الأذرع اللولبية من الأرض بسبب ضخامتها وبعدها الشديد واحتجابها وراء الغبار الكوني الذي ينتشر في كافة أرجاء المجرة· ولقد بذل الفلكيون مجهودات ضخمة لرسم خرائط توزع النجوم الساطعة المتناثرة ضمن الأذرع اللولبية· واستخدموا في هذه البحوث التلسكوبات الإشعاعية المتخصصة بالتقاط الطيوف الضوئية الصادرة عن سحب الهيدروجين الموجودة في النجوم وتحليلها· وتمكنوا بهذه الطريقة من اكتشاف أربع أذرع رئيسة لمجرة درب التبانة أطلقوا عليها الأسماء: سنتوريوس وساجيتاريوس وسيجنوس وأوريون، وبيرسيوس· واكتشفوا أيضاً بعض الأذرع الأصغر التي تتفرع عن الأذرع الأربع الرئيسة·

وقد يتبادر إلى الذهن التساؤل حول موقع الأرض ومعها الشمس من هذا التكوين الفلكي المعقد· ولقد قادت دراسات فلكية معقدة إلى تحديد تقريبي لموقع نظامنا الشمسي في المجرة الأم حيث تبين أنه يبتعد بمسافة 26 ألف سنة ضوئية عن مركزها، أي في منتصف المسافة بين مركز المجرة وحافتها الخارجية· وتنتمي الشمس إلى ذراع الجوزاء أوريون، ويعتقد العلماء أن هذا الموقع بحد ذاته مناسب جداً لنشوء الحياة في النظام الشمسي· ومن أهم شروط نشأة الحياة فوق كوكب ما هو ضرورة توافر العناصر الأثقل من الهيدروجين والهليوم وأهمها الأوكسجين والكربون والنيتروجين والكبريت· ومن المعلوم أن وفرة العناصر الثقيلة في المجرة تزداد بزيادة القرب من مركزها وتكاد تنعدم تماماً في القطاعات الأكثر بعداً عنه· وتشير الدراسات إلى أن نشوء الحياة المتطورة على الأرض استغرق مليارات السنين، وهذا يعني أن من أهم شروط حدوث هذا التطور هو البعد الكافي والمناسب عن مركز المجرة الذي يجنب الأرض وشمسها الاكتواء بجحيم الانفجارات الهائلة للنجوم أو ما يعرف بالسوبر نوفا· ويزداد احتمال حدوث هذه الانفجارات في القطاعات الأكثر قرباً من المركز· وخلال السنوات الماضية وضع فريق علمي استرالي يقوده تشارلز لاينويفر من جامعة نيوساوثويلز في سيدني نظرية تفيد بأن الحياة لا يمكن أن تنشأ في المجرة إلا على بعد يتراوح بين (22 و30) ألف سنة ضوئية عن مركز المجرة· ويمثل القطاع الذي ينطبق عليه هذا الشرط جزءاً من تسعة أجزاء من المساحة الكلية للقرص المجري، وهو الذي يضم الأرض·

 

الثقوب السوداء

 

لاشك أن الثقوب السوداء َّblack hole تعد من أهم التراكيب التي تضمها مجرة درب التبانة، ومنذ بضعة عقود تصور الفلكيون فكرة وجود أجسام كونية يمكن أن تبلغ كثافتها الحدود التي تجعل قوة جذبها ضخمة إلى الحد الذي يجعل الضوء ذاته غير قادر عن الانفلات منها· ولكنهم لم يتأكدوا من حقيقة وجود هذه الأجسام إلا خلال القرن العشرين، وعرفوا أن انفجار نجم في آخر فترة حياته يمكن أن يخلف وراءه نواة نجمية تفوق كثافتها كثافة مادة الشمس بنحو ثلاث مرات· ولا توجد أي قوة معروفة يمكنها أن تمنع هذه النواة من الانكماش لتتحول في النهاية إلى ثقب أسود·

ولاشك أن هذا الطرح يعني أن المجرة تتضمن ملايين الثقوب السوداء· ويقدر الفلكي الأميركي مايكل مونو عددها بعشرة ملايين· ونظراً لأن الضوء ذاته لا يمكنه الانفلات منها، فمن البديهي أن تبدو للبشر عاتمة لو تمكنوا من رؤيتها· وهذا هو ما دعا إلى تسميتها الثقوب السوداء·

post-38-1155455664.gif

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×