Jump to content
Sign in to follow this  
سلمان رمضان

تقنين رؤية الهلال

Recommended Posts

user posted image

علاء عبدالحميد ناجي

المسلمون من أقصى الأرض إلى أقصاها تتلقى قلوبهم هذا الشهر العظيم بالطمع في غفران الذنوب والعتق من النيران، وقيام ليلة القدر، ولكن هذا الشغف قد غدا مصحوبا في الفترة الأخيرة بنوع من الترقب والحذر لموعد دخول الشهر والخلافات الناشئة حوله، حتى إننا في هذا العام نجد أننا هنا في المملكة قد صمنا يوم السبت وصامت لصيامنا عدة دول، ودول أخرى صامت الأحد، ومجموعة أخرى من الدول مثل إيران وباكستان صامت يوم الاثنين، هذا على مستوى الدول الإسلامية ناهيك عن الاختلافات التي تحصل بين حي وآخر في الدول التي تعيش فيها أقليات مسلمة.

وأنا باعتبار جهلي بالجوانب العلمية الدقيقة للموضوع، وعدم إلمامي بجوانبه الشرعية فإنني أريد أن أدع هذين الجانبين لأهلهما، وأركز على أثر هذا الاختلاف والحل القانوني الممكن.

سنجانب الصواب لو ظننا أن المشكلة هي مشكلة سعودية بحتة أو مشكلة المسلمين كل على نطاق دولته وحدوده الجغرافية فقط، لأننا اليوم في عالم بلغت فيه الاتصالات ذروتها بحيث إن حدثا في المريخ أو بقعة من الأرض لا يلبث سوى ثوان معدودة حتى يتم نقله من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة إلى جميع بقاع المعمورة، وبالتالي نحن في عالم يصدق في حقه التعبير الشائع "القرية الكونية"، ولا بد لنا أن ننظر إلى أنفسنا على أننا جزء من أجزاء هذه القرية الكونية ولسنا في معزل عنها.

وعند النظر إلى المشكلة على المستوى الدولي نجد أنها في الدول التي فيها أقليات مسلمة تصبح أكثر إشكالا وتعقيدا منها في الدول الإسلامية، فعلى الأقل نحن هنا في المملكة نصوم كلنا دفعة واحدة ونفطر دفعة واحدة وكذلك الحال ـ على سبيل المثال ـ في مصر والسودان وإيران وباكستان والجزائر والمغرب، ولكن في دول الأقليات مثل بريطانيا وأمريكا وكندا وأستراليا فإنك ترى العجب العجاب، فتجد في حي واحد (دون مبالغة) مجموعة يقرون مبدأ وحدة المطالع بمعنى أنه إذا رؤي الهلال في دولة فإن هذه الرؤية تعد رؤية لهم، ومجموعة أخرى تقول باختلاف المطالع، بمعنى أنهم لا بد أن يروا هم الهلال في منطقتهم، والمجموعة الأولى ذاتها التي تتبنى مبدأ وحدة المطالع منقسمة على نفسها فمنهم من يتبع السعودية ومنهم من يتبع مصر ومنهم من يتبع باكستان أو إيران وهكذا، فتجد في مدينة واحدة أو حي واحد مجموعتين أو ثلاثا لكل منها رمضانها ولكل منها عيدها.

ولا تتوقف المشكلة عند رمضان والفطر بل إنها تستمر حتى في توقيت الحج فتجد أن للبعض "أضحى" يختلف عن "أضحى" الحجيج في المشاعر وكل هذا سببه في آخر المطاف أنه ليس هنالك مرجع واحد يرجع إليه المسلمون في هذا الأمر.

في نظري أن المدخل لحل هذه المشكلة يكمن في اجتماع كلمة المسؤولين على نطاق العالم أجمع، ولا أقول العالم الإسلامي فقط، على منهجية معتبرة ومعتمدة على المستويين الشرعي والعلمي من خلال وضع معاهدة دولية متعددة الأطراف على مستوى العالم تتبناها حكومات الدول كأي معاهدة أخرى متعددة الأطراف، بحيث تمثل هذه المعاهدة صيغة لإجماع المسلمين (بمن فيهم ممثلو الجاليات الإسلامية على مستوى الدول ذات الأقليات الإسلامية)، وقد تكون هذه المعاهدة فرصة ممتازة لتفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي على المستوى الدولي بحيث تكون راعية لها (لست أدري إن كان نظام المؤسسة يسمح بذلك ولكنه اقتراح على أي حال)، وتكون هي مقر استيداع توقيعات المنضمين للمعاهدة بما فيها الدول غير الأعضاء في المنظمة، وذلك على غرار المعاهدات التي تأخذ المبادرة بشأنها المنظمات الدولية مثل الأنسترال ومنظمة الطيران المدني.

إن النتيجة الحتمية لمعاهدة كهذه هي القضاء على مظاهر الفرقة والتشرذم والاختلاف التي نعاني منها حتى في أمس أمور الدين مثل الصوم والحج، ونتيجة حتمية أيضا هي ظهور هذه الأمة بمظهر الأمة الواحدة مهما بعدت المسافات بين أفرادها.

وقد يكون من المفيد التفصيل في تصوري لهذه المعاهدة وبنودها، لكي يكون مقترحي مفهوما للجميع، وليكون مقترحا قابلا للتطبيق على أرض الواقع، إذ أتصور أن تشمل المعاهدة مقدمة تبين الدوافع وراء إنشاء هذه المعاهدة، ثم توضح المعاهدة بكل دقة التعريفات والمقصود بالمصطلحات الشرعية والقانونية الواردة فيها بما في ذلك المعنى المقصود للرؤية، الهلال، الأفق، مكان الرؤية، جهة الإثبات وغيرها من المصطلحات.

ثم تقوم المعاهدة بالدخول في التفاصيل الدقيقة للموضوع وآليات الرؤية الممكنة، والمبدأ المعتمد للرؤية، وتحديد نقاط الرؤية على مستوى العالم وفقا لأعلى المعايير العلمية وبما يتوافق مع المفاهيم الشرعية، وآلية التنسيق بين المراصد الفلكية، وإبلاغ الرؤية، والحد الأدنى للاتفاق وما إلى ذلك من جزئيات تفصيلية تتعلق بالنواحي العلمية والعملية.

ثم لا بد أيضا أن تتعرض المعاهدة لآليات الإعلان والإبلاغ عن الرؤية على المستوى الدولي، وتوقيتها آخذين بعين الاعتبار الفوارق الزمنية بين الدول، وأرى أنه من باب توحيد النواحي الإجرائية وباعتبار المملكة هي مقر منظمة المؤتمر الإسلامي وباعتبارها أيضا قبلة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها ولموقعها المتوسط بين الدول أن تكون هي دائما مصدر الإعلان عن الرؤية.

أخيرا فإنه من العتاد في المعاهدات الدولية أن تتعرض هذه المعاهدات الدولية لآليات الاعتماد والإلغاء والتحفظات وآلية الدخول حيز النفاذ، وهي جزئيات مهمة على الرغم من ورودها في آخر النصوص دائما.

أرجو أن يكون من نصيب هذا المقال أن يطلع عليه السيد أكمل الدين إحسان أوغلو، وأن يكون شرارة انطلاق للمبادرة المنشودة.

* مستشار قانوني وكاتب سعودي

 

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×