إثبات الهلال بين تيسير الشرع وتعقيد العرف

[سلمان رمضان 0]

بسم الله الرحمن الرحيم

في كل عام وفي مطلع شهر رمضان المبارك وشهر شوال الأغر يتجدد الجدل حول إثبات الهلال، بل ربما احتدم الجدل ليأخذ أبعاداً لا تليق بالمجتمعات الإسلامية.

ولعل عدم التنسيق بين رجال الدين في هذه الموضوع يزيد الناس إرباكاً، ولو أنههم نسقوا فيما بينهم أو أرشدوا الناس لإتباع ما قرره الفقهاء في رسائلهم العملية لهان الخطب خصوصاً وأن الأمر سهل. قال السيد اليزدي في العروة الوثقى: في طرق ثبوت هلال رمضان وشوال للصوم والإفطار وهي أمور :

الأول: رؤية المكلف نفسه.

الثاني: التواتر.

الثالث: الشياع المفيد للعلم وفي حكمه كل ما يفيد العلم ولو بمعاونة القرائن، فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به وإن لم يوافقه أحد، بل وإن شهد ورد الحاكم شهادته.

الرابع: مضي ثلاثين يوما من هلال شعبان أو ثلاثين يوماً من هلال رمضان فانه يجب الصوم معه في الأول والإفطار في الثاني.

الخامس: البينة الشرعية وهي خبر عدلين سواء شهدا عند الحاكم وقبل شهادتهما أو لم يشهدا عنده أو شهدا ورد شهادتهما، فكل من شهد عنده عدلان عنده يجوز بل يجب عليه ترتيب الأثر من الصوم أو الإفطار ولا فرق بين أن تكون البينة من البلد أو من خارج وبين وجود العلة في السماء وعدمها نعم يشترط توافقهما في الأوصاف فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها نعم لو أطلقا أو وصفا أحدهما وأطلق الآخر كفى ولا يعتبر اتحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما على الرؤية في الليل ولا يثبت بشهادة النساء ولا بعدل واحد ولو مع ضم اليمين.

السادس: حكم الحاكم الذي لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده كما إذا استند إلى الشياع الظني ولا يثبت بقول المنجمين ولا بغيبوبة الشفق في الليلة الأخرى ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فلا يحكم بكون ذلك اليوم أول الشهر ولا بغير ذلك مما يفيد الظن ولو كان قوياً إلا للأسير والمحبوس.

ولعلنا نتساءل أين نحن مما قرره الفقهاء؟

ومن هذا المنطلق حملنا بعض الأسئلة إلى ثلاثة من المشايخ أحدهما الشيخ يوسف المهدي الذي امتنع عن الإجابة! ولعل اعتذاره عن الإجابة على هذه الأسئلة لأنها قد تسبب له حرجاً اجتماعياً من جهة تهميشه للجنة التي أسسها للاستهلال أو غير ذلك.

وثانيهما: الشيخ نمر النمر الذي أثار بعض المشايخ عليه إثارات حملناها إليه فتفضل بالإجابة عليها.

وثالثهم: الشيخ هلال المؤمن حيث قدمت له بعض الأسئلة فتفضل بإرسال رسالة جمع فيها الإجابات إجمالاً.

وإلى جانبهم جمعية الفلك بالقطيف، ولجنة الاستهلال بصفوى.

نبدأ أولاً برسالة الشيخ هلال المؤمن:

الذي اعتقده أنها بحاجة إلى جلسة مشاورة بين أصحاب الشأن لاتخاذ موقف موحد من هذه المسالة لأن الفقهاء وإن اتفقوا على آليات معينة على إثبات الهلال والمذكورة في رسائلهم العملية إلا أنهم مع ذ لك مختلفون في مدى هذه الآليات سعة وضيقاً مما يجعل ظاهرة الاختلاف مقبولة شرعاً.

وأما التصدي لإعلان ثبوت الهلال من عدمه فهي من شئون مرجع التقليد وأما الوكلاء فهم روافد إثبات الحكم لدى المرجع إلا أنهم حينما يتصدون لإثبات الهلال فهم لا يحكمون بالثبوت وإن كان بعضهم له صلاحية ذ لك لأنه مجتهداً وهذا من شأنه إلا أنهم يعلنون عن ثبوته لديهم بشهادة الشهود وهذا الإعلان عادة يوجب اطمئنان لدى الناس لثقتهم بالوكلاء وهذا الاطمئنان حجة من الناحية الشرعية فيثبت الهلال لدى الناس .

جمعية الفلك بالقطيف:

ابتداء التقينا بالأستاذ محمد آل رضوان من جمعية الفلك بالقطيف،

وسألناه: ما هي الأجهزة التي تستخدمونها في رصد الهلال؟

لدينا أكثر من جهاز نرصد بها الهلال أهمها التلسكوب (10 أنش) ، ولدينا أيضاً تلسكوبات صغيره بالإضافة لاستخدام النظر الطبيعي وهو أهمها أما الأجهزة فهي لمساعدتنا لتحديد مكان الهلال والتوجه إلية بدقة وتوضيحه أكثر، والأكبر لدينا صناعه أمريكية اسمه ( نيد ) وهذا دقيق جداً، يحتوي على كمبيوتر يوجه التلسكوب بدقة متناهية إلى أي جرم ومنها الهلال.

ولكن الرصد يتكون من عدة أنواع من ضمنها استخدام هذه الأجهزة واستخدام العين المجردة أيضاً ونحن نهتم باستخدام العين المجردة لأن معظم المدارس الفقهية ترى أن الرؤية لابد أن تكون بالعين المجردة.

يعني ذلك أنكم ترجحون الرؤية بالعين ثم تدعمون هذه الرؤية باستخدام الأجهزة ؟

لا.... في العادة أي جرم فلكي يُرصد بالمنظار أو التلسكوب و بعدها بالعين المجردة ، وفي حالات كثيرة لا يرى بالعين المجردة فلابد من استخدام التلسكوب.

لكن ألا ترى أن هذه الأجهزة تحتمل الخطأ ؟ وهل الخطأ من الأجهزة ذاتها أم أخطاء بشريه؟

طبعا كل جهاز له أخطاء لكن الأخطاء هنا تكاد تكون معدومة بالمقارنة مع الرصد البشري التقليدي، الأخطاء مغتفرة وجداً بسيطة ... أي تلسكوب لابد من تنصيبه وتثبيته قبل الرصد بليلة على الأقل وحسب دقة تثبيته يكون الرصد دقيقاً أولاً، ونحن بدورنا نقوم بمراجعة تثبيته وتوجيهه ما بين فترة وأخرى وخصوصاً قبل الاستهلال. وطريقة التأكد هي أن نرصد جرم واضح و إذا توجه التلسكوب إلى الجرم هذا يعني أنه دقيق، أما إذا أخطأ الرصد فهذا له علاقة بتوجيهه إلى وجهة خاطئة من قبل الشخص ولهذا فاحتمال الخطأ البشري وارد.

وهذا يجرنا إلى سؤال مباشر وهو: هل حدثت لكم أخطاء سابقة ؟

نعم .. طبعاً الأخطاء السابقة هذه كانت موجودة عندما كنا نتدرب، فعندما تشتري جهاز كمبيوتر ستكون هناك أخطاء بداية التشغيل وهذا وارد، ولكن هذه الأخطاء بسيطة، منها أخطاء في بداية التشغيل في الشهر الأول لاستخدام التلسكوب فتشغيله ليس بالأمر السهل لأنه محوسب وضخم وتركيبه صعب. ولكننا تجاوزنا مرحلة الأخطاء.

مع تجاوزكم لمرحلة الأخطاء هل تصدرون تقريراً عن الهلال ؟

في كل شهر هجري نرصد الهلال رصداً علمياً بحت وليس له علاقة بتثبيت الهلال و إصدار تقرير شرعي، لأن هذا ليس دورنا، نحن نصدر تقريراً علمياً يحتوي على التوقع قبل الرصد حسب معايير دقيقة و معينة ونضع توقعنا في الاستهلال هل سيُرى أم لا ونرصد بعد ذلك ونكتب نتيجة الرصد هل رأينا الهلال أم لا ونذكر الأسباب في حالة هدم الرؤية منها سوء الأحوال الجوية.

وهذا التقرير هل ترسلونه للمحكمة؟

أحد الأشياء التي تتميز بها الجمعية وجود موقع الكتروني للجمعية ومنتدى وهو الأول على مستوى العالم العربي، ويمكن لكل من يرغب في وصول التقرير إليه مراسلتنا، فنحن جمعية علمية متخصصة مستقلة عن الجهات الشرعية. وقد قام بعض المشايخ والفضلاء بزيارتنا، ونأمل التواصل مع كل المهتمين بهذا الشأن.

الشيخ نمر النمر:

التقينا مع الشيخ نمر النمر وسألناه:

هل تستند في إثبات الهلال، الفلك أم الشهود؟

يثبت الهلال بالطرق الشرعية كالبينة وإكمال الشهر ثلاثين يوماً ورؤية الشاهد نفسه وهكذا يثبت بالطرق العقلائية التي تورث العلم كالشياع وعلم الفلك إذا أورث علماً وغير ذلك.

وأنا أستند إلى كل طريق يرتضيه الشرع في إثبات الهلال . أما الحالات التي ثبت فيها الهلال فكلها دون استثناء كانت على أساس البينة الشرعية شهادة الشهود أو إثبات من يتصدى للتثبيت بشهادة الشهود.

من من الناس الذين تثبت شهادتهم ، ومن يشهد لهم بالنزاهة؟

رجلان عادلان تثبت يهما الشهادة، والعادل هو كل من إذا عامل الناس لم يظلمهم وإذا حدثهم لم يكذبهم وإذا وعدهم لم يخلفهم . بل يكفي حضور صلاة الجماعة لتحقق العدالة كما في الروايات.

يحدث بعض الأحيان أن علم الفلك ينفي إمكانية رؤية الهلال ويأتيكم الشهود بالعكس ، فماذا تفعلون؟

علماء الفلك لا ينفون إمكانية الرؤية بعد ولادته إذا ولد بعد الغروب وإنما يدعون أنه من خلال تجارب بشرية بالعين المجردة لم يتمكن من أجرى التجربة من رؤية الهلال إذا كان مقدار مكوثه عشرون دقيقة فقط بعد الغروب وهذه التجارب أجريت قبل عقود من الزمن . فالشهود الذين يشهدون بالرؤية مقدمون على من ينفيها . نعم لو ثبت فلكياً بالعلم الدقيق أن الهلال لا يولد إلا بعد الغروب هناك ترد الشهادة للعلم باشتباهها.

وينبغي أن نعرف أن علم الفلك يعتمد في ولادة الهلال على الأجهزة العلمية و بإمكانه أن يحدد لك ولادة الهلال حتى ولو بعد آلاف السنين . ورأيه معتبر في هذا المجال.

أما في عدم إمكانية الرؤية فإنه يعتمد على تجارب بشرية لم تتمكن من الرؤية. وهذا لا ينفي إمكانية رؤية الغير . ولهذا لا اعتبار برأيهم في هذا المجال.

هل هناك تواصل مع آخرين ممن يتصدون إلى إعلان الهلال؟ مثلاً : لو تيقنت من شاهد فقط هل تبحث عن آخر عند الآخرين أو تكتفي بمن لديك؟

إذا ثبت الهلال عند من يتصدى لإثباته وفق الطرق الشرعية فإنه ملزم للجميع.

ولكن؛ يلومك البعض لتسرعك في إعلان ثبوت الهلال. لماذا لا تتأنى في هذا الشأن للساعة 10 ليلاً مثلاً ؟

إثبات الهلال مسألة سهلة بسيطة يثبت بمجرد شهادة رجلين عدلين كما دلت عليها الروايات الصحيحة المتواترة . فهل يجوز التأخير بعد ثبوت البينة إلى الساعة العاشرة أو إلى قبيل أذان الفجر وتهويل إثبات الهلال؟ أم نكتفي بما يسره الشارع المقدس؟ وهل الالتزام بتيسير الشارع المقدس تسرع سلبي يلام علية الإنسان أم هو تسريع إيجابي محبذ شرعاً وعقلاً؟ وهل تتأخر مثلاً في قراءة التكبير المستحب عقيب صلاة المغرب ليلة العيد إلى الساعة العاشرة وقريب الفجر؟ وهل تسرع الرسول والأئمة فيما أثبتوه وأوجبوا الصيام لشهر رمضان والإفطار لشهر شوال بمجرد شهادة رجلين عادلين؟ فما أدري أتأسى بالواقع المعقد ويرضى عني الناس ويغضب عليا لرب؟ (مالكم كيف تحكمون ) ؟

يبدو أن كثيراً من الناس يحبذون الإرباك والبهدلة بسبب تعقيدات لم يدل عليها دليل واحد من الشرع على التيسير الشرعي.

يستحسن بالمقابل آخرين شجاعتك و جرأتك على الطرح و إقامة صلاة العيد ولو وحيداً في المنطقة ما تعليقك على الأمر ؟

حسن ظن أسأل الله أن أكون كذلك والله هو العلام بالخفايا والنوايا و أسأله أن يوفقني لمرضاته.

لجنة الاستهلال الشهري بصفوى:

ثم التقينا السيد إدريس آل شبر من لجنة الاستهلال الشهري بصفوى وسألناه عن طريقة عمل هذه اللجنة؟

فأجاب: مسألة الهلال ليست معقدة كما يرد في عقول الكثيرين، نعم هي بحاجة إلى نوع من الخبرة وتواصل مع الخبراء في علم الفلك الذين يخبرون بموعد ولادة القمر والمسافة التي يكون عليها من قرص الشمس وكذلك من الأفق، وقد انتهجت اللجنة أسلوب تم توثيقه من قبل خبراء الفلك وهو متابعة شروق القمر في أواخر الشهر 27 ، 28 و 29، وذلك لأن الشهور الهجرية القمرية إما أن تكون 29 أو 30 يوماً.

وما يثيره البعض من أن هذه الطريقة قديمة مردود برأي خبراء الفلك، وقد قال لنا أحدهم بعد أن أثنى على هذه الطريقة: إن هذه الطريقة دليل للتنبؤ على منزلة القمر وتحركاته ومن الممكن أن تساعد كثيراً في معرفة مدى أمكانية الرؤية في آخر الشهر. وعليه وإن لم تكن الرؤية ممكنة تتوجه اللجنة للاستهلال وذلك لتوثيق عدم الرؤية أيضاً.

جهد مبارك ومشكور وندعوا الله أن يثيبكم على هذا العمل المبارك، ولكن البعض يتساءل خصوصاً وأنكم تتقدمون للشهادة فهل أخذ بشهادتكم؟

نستطيع أن نقول بأن أغلب المشايخ حفظهم الله أخذوا بشهادتنا ، ولكن المسألة ابعد مما يتصور، فثبوت الشهر وإن كان العمدة فيه على قيام البينة بشهادة الشهود العدول إلا أن العرف في منطقتنا أقحم المرجعية الدينية مما سبب تراجعا في مفهوم البينة.

إذا كان الأمر كذلك لماذا لا تقوم مجموعة خاصة بالمنطقة تمثل وكلاء المراجع لتوحيد الآراء ؟

عرضنا هذا الموضوع عدة مرات على الكثير من الأخوة المعروفين لدينا وكذلك المشايخ الأفاضل حفظهم الله تعالى بمختلف توجهاتهم وليس فقط بمدينة صفوى وحتى في المناطق الأخرى، ونتمنى أن نوفق لذلك.

وللعلم لقد قمنا في الآونة الأخيرة بعمل دورات ومحاضرات في عدة مناطق وطلبنا من الأخوة الحضور وتكوين لجان للاستهلال وعرضنا خدماتنا مجاناً لتدريبهم.

ولكن ألا ترى أن هذه المجموعة ستواجه معارضة من قبل البعض؟

لا اعتقد بأنه ستكون هنالك معارضة بل على العكس سيكون هنالك وضع ايجابي وتجاوب أكثر من المجتمع ككل ودليل ذلك تواجد بعض الأخوان أحياناً معنا وقت الاستهلال من مختلف التوجهات.