Jump to content
سلمان رمضان

الخواء العلمي

Recommended Posts

user posted image

حمزة قبلان المزيني*

كانت الحوارات في الصحافة السعودية عن قضية الأهلة مناسبة لظهور نغمة عداء خفية للعلم المعاصر عند بعض المدافعين عن الموقف التقليدي من هذه القضية. وتتخفى هذه النغمة تحت غطاء يتظاهر بالموضوعية التي تستند في زعمها إلى العلم نفسه.

وليست هذه النغمة إلا صياغة جديدة لموقف ابن تيمية المتمثل في حملته الشديدة على "الحسّابين" واتهامهم بأنهم غير متفقين على الدرجة التي يمكن عندها رؤية الهلال في أولى ليالي الشهر. وكنت بينت في مقالات سابقة أن اعتراض ابن تيمية هذا ذهبت بواعثه الآن بعد تطوير المناظير الفلكية المقربة التي يمكن استخدامها بديلا عن الرؤية البصرية المجردة. أما ما يجعله يشدد النكير على الحسّابين فهو ما بينته في مقال سابق من عده الاستعانة بالحساب خروجا من الإسلام.

وتتمظهر هذه النغمة بالقول إن "الفلكيين مختلفون".وهو زعم ليس صحيحا إن كنا نعني الفلكيين المتخصصين بعلم الفلك في الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية،مثلا، والمراكز العلمية الأخرى المنتشرة في العالم.

ومن أمثلة هذا الزعم ما كتبه عبدالله السلمان(الجزيرة، 10/9/1427هـ): "هناك اختلاف واضح بين علماء الفلك في حساب بداية الشهر ونهايته واتضح ذلك جلياً من المقالات التي تنشر في الصحف اليومية فبعضهم يقطع بدخول الشهر والآخر يقطع باستحالة رؤية الهلال.. فمن نصدق؟"

وما كتبه الدكتور محمد الفاضل (الجزيرة،21/9/1427هـ):"ثبت في هلال رمضان هذا العام أن أهل الحساب والفلك مختلفون،وأكد فريق منهم أن رؤية الهلال ليلة السبت ممكنة لأنه قد ولد، وبعضهم ذكر أنها مستحيلة، فكيف يطلب منا أن نتبع فرقاء مختلفين..."، وزاد: إن ما كُتب عن هذه القضية: "...زوبعة يثيرها بعض الكتاب والمثقفين من غير المتخصصين في علوم الشريعة، ويشوشون بمقالاتهم وأفكارهم على الجهة الشرعية...".

ومن البيِّن أن هؤلاء وأمثالهم يعتمدون في إشاعة الزعم باختلاف الفلكيين على ما يقوله أناس ينسبون أنفسهم إلى التخصص في علم الفلك ثم يأتون بمزاعم تخالف ما يقوله المتخصصون الحقيقيون في العالم أجمع.

ومن أشهر هؤلاء الأستاذ محمد الروضان الشايعي الذي تنبأ في شعبان بأن يوم السبت سيكون أول رمضان،وتنبأ (صحيفة الرياض 26/9/1427هـ) بأن الهلال سيمكث حوالي ثلاث عشرة دقيقة فوق الأفق بعد غروب الشمس في منطقة الرياض مساء الأحد 29/9/1427هـ حسب تقويم أم القرى.

وهذا الزعم مخالف لما يقوله المتخصصون في العالم كله. وهو ما بينه الدكتور زكي المصطفى ( الرياض، 20/10/2006م) قائلا إن: "محمد الشايعي، ليس من المختصين في علم الفلك، وإن كان الشايعي يدعي أنه من أهل الاختصاص فليذكر لنا الطريقة الحسابية التي استخدمها للوصول إلى هذه النتائج غير المتطابقة مع إجماع الفلكيين، ولا شك أننا نستغرب إتاحة الفرصة للاعتراض على صحة حسابات فلكية موثقة من علماء ومتخصصين في مجال علم الفلك، والذي يتفق عليه الفلكيون المختصون في جميع أنحاء العالم".

ومما يكشف جانبا من شخصيات هؤلاء "المنتسبين لعلم الفلك" ما قاله الدكتور خالد الزعاق في تعليقه على تعقيب الدكتور زكي المصطفى في موقع جريدة الرياض الإلكتروني من أن الأستاذ الشايعي ينطلق في حساباته من مسلمات تخالف المسلمات التي يعدها المتخصصون، بل الناس كلهم تقريبا الآن، من البدهيات. يقول الدكتور الزعاق:"... يجب على الأخ الشايعي أن يقدم أدلته على هذه المخالفة الصريحة وجميع مخالفاته الفلكية مثل إصراره على ثبات الأرض وعدم وصول الإنسان لسطح القمر وعدم دقة حسابات ناسا وحسابات البحرية الأمريكية والملكية البريطانية أو يدلي لنا بمراجعه حتى يتسنى لنا التأكد من صحة مزاعمه".

فإذا صحت هذه الاتهامات عن الأستاذ الشايعي فإنها تشير إلى مدى الخطأ الذي يقع فيه من يعتمدون على آرائه ويعدونه من علماء الفلك. فقوله إذن ليس حجة على المتخصصين ولا يمكن الركون إليه.

وقد كتب الأستاذ الشايعي (الجزيرة، 5/10/1427هـ) مقالا بعنوان "حقيقة الخلاف بين الرؤية والحساب الفلكي" يزعم فيه أن معظم ما كتب في وسائل الإعلام المحلية عن قضية الأهلة يصدر"... من أشخاص ليسوا من أهل الاختصاص"!

ولا يسمح المجال هنا لتتبع ما كتبه في مقاله ذاك؛ لكن يكفي القول بأن المتخصصين في علم الفلك في مدينة الملك عبدالعزيز للتقنية فسروا تفسيرا علميا واضحا الظواهر التي عدها الأستاذ الشايعي أدلة على عدم ثقته بالحسابات الفلكية العلمية، ومنها ظاهرة غروب القمر قبل الشمس على الرغم من ولادته مساء السبت 29/8/1427هـ، بحسب تقويم أم القرى، بعد أن "استشكل أمرها" على الشيخ عبد الله المنيع، وكذلك التفاوت بين حساب غروب الشمس في الأماكن المختلفة. ومن الغريب أن يتخذ الأستاذ الشايعي هذه الظواهر الكونية الطبيعية أدلة على خطأ الحسابات الفلكية مع أن هذه الحسابات تفسرها تفسيرا علميا مقنعا.

وقد ظهرت في كتابات بعض الذين يتنقصون العلوم الطبيعية بعض المظاهر الغريبة للاستخفاف بهذه العلوم وزادوا على ذلك بعض الآراء التي تخرج على ما يراه المسلمون المعاصرون عن موقف الإسلام من المنجزات العلمية المعاصرة.

ومن ذلك ما كتبه الدكتور محمد الفاضل في مقاله سالف الذكر من أن "الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها نص على الرؤية فقط ولم يزد ولم يستثن، مع أن الأمر يتعلق بعبادة مهمة والخطاب موجه للمسلمين إلى قيام الساعة وليس لمعاصريه فقط، وهو صلى الله عليه وسلم مبلغ عن ربه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فكيف نأتي نحن في آخر الزمان وأحدنا متكئ على أريكته ونستدرك عليه أشياء كان يعلمها، ولو لم يعلمها لعلمه الله إياها لأن الله لن يقره على نقص في أمور الدين، ...، فمن يأتي من المعاصرين ويقول: إن الحساب تطور وعلم الفلك كذلك، فما لكم ما زلتم تأخذون بهذه الطرق البدائية؟! فكأنه يقول ضمناً: إن الله ورسوله لا يعلمان بهذا التطور وإلا لأرشدا إليه".

وقوله: "ومن يأتي فيقول: نحن لا ننكر العمل بالرؤية لأنه منصوص عليها وحدها ولكننا نجزم أن الرائي لم ير الهلال وإنما رأى المريخ أو عطارد أو الزهرة؟! فكأنه يقول ضمناً: إن الله ورسوله لا يعلمان عن مزاحمة هذه الكواكب للهلال...".

وتبلغ هذه الأقوال حدا من الغرابة تجعل تجاهلها أبلغ رد عليها. ذلك أننا لو اتبعنا هذا المنطق لوقفنا في وجه الإنجازات العلمية الحديثة كلها لأنه لم يرد النص عليها في القرآن الكريم أو في الحديث الشريف.

ومن الأمثلة الأخرى التي تستخف بالعلوم الطبيعية بطريقة تبدو أكثر حذقا لأنها تزعم أنها تستند إلى ما تقوله العلوم الطبيعية عن نفسها ما كتبه الدكتور عبد الله البريدي ("رؤية الهلال...مطارحة معرفية (إبستمولوجية)" الجزيرة، 8/10/1427هـ). ومما قاله أنه خلص فيما يخص الحسابات الفلكية إلى: "... نتيجة أحسب أنها سهلة ومباشرة، وهي تتسم بالمنطقية التلقائية، وهي أن رؤية الهلال بالعين المجردة ـ بالشروط المنصوص عليها حول الرائي والرؤية ـ نتيجة يقينية، فالعين ترصد ما تراه بكل حياد، أما العلم البشري ـ ومنه الفلك ـ فنتائجه ظنية وليست يقينية، وهذا ما تقرره فلسفة العلوم التي منحت علم الفلك جواز التنقل بين حدود النظريات والفرضيات وتقليب النظر في المسائل والإشكاليات الفلكية، بل إنني أعتقد بصوابية من يخطئ الحسابات الفكلية الظنية حال تعارضها مع اليقين وهو الإبصار اليقيني، وليس العكس. . .".

ومع وجاهة بعض ما كتبه الدكتور البريدي إلا أنه يجب ألا يتخذ ذريعة لانتقاص النتائج الباهرة التي أنجزتها العلوم الطبيعية المعاصرة وهي ما نبني عليه أكثر نشاطاتنا اليومية بقدر عال من الثقة بسلوك الظواهر بالطرق التي تتنبأ بها هذه العلوم.

كما ينبغي القول إن في ما كتبه الدكتور البريدي إغفالا للمشكلات العويصة التي يتسبب بها "الإبصار" في رصد الظواهر. فالقول بأنه "مصدر يقيني" للمعرفة لا يعدو أن يكون مجازفة لا يقل خطرها عن المجازفات الأخرى.

إن العلم جهد بشري لا وحي منزل؛ ومع هذا فقد وصل مستوى اليقين الذي حصلت عليه البشرية نتيجة لهذا الجهد في العصر الحاضر إلى حد غير مسبوق.

ويمكن تلخيص هذا الجهد بما يقوله أحد مؤرخي العلم: "... من المستحيل إعطاءُ أسباب نهائية محدَّدة لتفسير معرفتنا، ومع هذا فنحن نمتلك معاييرَ نموذجية نقوِّم بها مدى ثِقتنا بما اكتَشفناه عن العالَم ومدى انطباقه عليه"، وهو ما يعني "قبولنا بالمعرفة نفسها وزيادتها" في الوقت الذي ندرك فيه أنَّ "أسرار الطبيعة، وطبيعة الأشياء الذاتية، محجوبةٌ عنا إلى الأبد".

(تشومسكي. آفاق جديدة في دراسة الذهن واللغة. ترجمة حمزة المزيني، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2005م، ص 217).

وأخيرا، ألا يوجب علينا تواضعُ رواد العلوم الطبيعية على الرغم من الإنجازات الباهرة التي حققوها أن نتأسى بهم فنكون أكثر تواضعا في التعبير عن آرائنا التي لا يقوم كثير منها على أسس موضوعية؟!

* أكاديمي وكاتب سعودي

 

 

 

 

Share this post


Link to post
Share on other sites

فعلا اخي العزيز معاداة البعض للعلم والتعصب الاعمى للجهل المطلق ميزة كثيرين .انا تحدث مع بعضهم ولا اجد عنده اي استعداد ليفهم ابداااااااااااا .

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now

×