Jump to content
سلمان رمضان

فلسفة الخلاف في رؤية الهلال

Recommended Posts

user posted image

د. محمد أل عباس - أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد - أبها

user posted image

لم أكن أرغب في الدخول إلى معترك الجدل الدائر حول رؤية الهلال بين العين المجردة والمراصد الفلكية وذلك لأن من تحدث عنها كانوا أفضل مني وأعلم سواء من الناحية الشرعية أو الفلكية فلذلك آثرت التعلم في صمت. لكن إطار الحديث توسع وجاهد البعض لرسم صورة الخلاف الدائر على أنه خلاف بين مبادئ الدين الحنيف ونتاج البحث العلمي، وهناك من يريد للعلم أن يلعب لدينا دور الضحية كما كان في العالم المسيحي خلال القرن الخامس عشر، ولا أدري كيف أمكنهم رسم هذه الصور ولا كيف وصلوا لهذا الاستنتاج الغريب. قد أحيل جزء من هذا اللبس إلى قضية أكثر إشكالية وجدلية وهي دور فلسفة العلم والبحث العلمي في الحركة الثقافية والعلمية لدينا. المشكلة أننا توارثنا بغض الفلسفة أو تمجيدها ولم نتوارث أو نتعلم الوسطية في هذا الأمر. إن من الملاحظ أننا الوحيدون الذين لا ندرس فلسفة البحث العلمي ولا نقوم بتدريسها حتى على مستوى الدراسات العليا. إن علم المنطق يعد علما ضروريا لبناء الحوار ومع ذلك نناقش الحوار في مؤتمرات تعقد لأجله نجوب بها أرجاء البلاد ولم نمتلك أبسط أدواته أو نعرفها.

لم تكن قضية رؤية الهلال والخلاف الذي نتج عنها قضية دينية، فصيام شهر رمضان في الوقت الذي غلب الظن على أنه وقته وتم صيامه 29 أو 30 يوما وبعد أن أتم شهر شعبان 29 يوما وهي عدة الشهر القمري وبعد أن اجتهدت الأمة في تحري التحقق من تمام هذه العدة، فإننا نصوم كما قدر الله لنا ذلك وفي الوقت الذي شاء لذلك فلا مجال للحديث أننا أخطأنا الصيام. ومع ذلك بقيت القضية أن رؤية الهلال بالعين المجردة خالفت الحسابات الفلكية وخالفت المراصد المجهزة بأحدث التقنيات وقد زاد من الشعور بالتحدي أن مجلس القضاء الأعلى أخذ بالرؤية وليس الأجهزة والحسابات وذلك اعتمادا على قوله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته). اعترض البعض على رأي المجلس واعتبر أنه تحد للعلم الحديث وصد عنه ولذلك انبرى من رفع راية الدفاع عن العلم في تجهيل رأي الطرف الآخر.

لن أقف مدافعا عن رأي المجلس فيما يعتمده من هذين المصدرين للتحقق من دخول الشهر فهذه قضية أخرى لكن المهم بالنسبة لي هو إقحام الدين في الموضوع وتصوير القضية على أنها قضية تعارض نص بعقل وليست كذلك البتة. هنا أذكر بقول ماكس فيبر من أن الاعتقاد بقيمة الحقيقة العلمية لا يستمد من الطبيعة بل هو نتاج ثقافات بعينها" وبعد ذلك أضاف ميرتن "نظرا لذلك فإن العلم ينتقل بسهولة إلى الشك والإنكار وذلك بحسب خضوعه للعديد من المسلمات الضمنية والثوابت المؤسسية". وهكذا تظهر قضية الخلاف في الرؤية بحسب مستوى الخلاف بين مجتمعيين علميين أو بحثيين وهما مجتمع أساتذة الفلك ومن دار في مدارهم ومجتمع أهل الرؤية بالعين المجردة ومن دار في مدارهم.

 

إن الخلاف يكمن في وجود نظرية وحسابات ولادة الهلال وتجربة تخالف نتائج هذه النظرية. إن أي نظرية مهما بلغت من قوة رياضية ومنطقية فإنها تظل عرضة للتكذيب من خلال التجربة الحسية ولكن ولوجود المؤسسات أو المجتمعات البحثية التي تدافع عن النظرية بقوة فإن أي تكذيب ناتج من التجربة إنما يرد إلى نقص في أدوات التجربة أو نقص في تأهيل الكادر المشرف عليها لذلك تتجه المجتمعات البحثية إلى تطوير أساليب التجربة وتأهيل الكوادر والدفاع عن النظرية ببسالة وذلك حتى تتجمع تجارب عديدة مخالفة وتتسم بالتراكمية لكي يبدأ المجتمع البحثي الشك في النظرية نفسها. وما حدث في رؤية الهلال هو هذا الفعل البحثي بالضبط فهناك مجتمعان من البحث اختلفا حول صدق النظرية التي حددت وقت ولادة الهلال فهناك من أيد النظرية وهناك من كذبها وهكذا خلقت لنا مشكلة أي المجتمعين أحق بالاتباع. من الصعب جدا أن تقول بعدم صدق من رأى الهلال بعينه وشهد بذلك أكثر من شخص في أماكن مختلفة لأن العنصر اليقيني هنا أكبر. وهكذا فإن القضية قضية نظرية وتجربتين وقد أخذ مجلس القضاء الأعلى بما غلب الظن على صدقه ولو أنه أخذ بالتجربة الفلكية لما هدأت القضية أو انتهت بل ستثار لأن لكل مجتمع حقه في الدفاع عن نتائج تجربته وإعلانها.

لذلك فإني أعتقد أن قضية رؤية الهلال لم تكن أبدا قضية دين وعلم أو تعارض نقل وعقل بل كانت قضية فلسفة علم وحسب، إشكالية فهم لدور النظرية والتجربة والعلاقة الفلسفية بين التجربة وأدواتها. إن إحدى أكبر قضايا البحث العلمي أنه قائم على فرضية أن العالم الطبيعي عالم عقلاني منظم وأن الإنسان مخلوق عاقل قادر على فهم هذا العالم ووصفه وصفا دقيقا وهذه هي متافيزيقية العلم الحديث لمن يصرون على أن هذا العلم خال منها. وهي تقتضي التسليم بأن البشر قادرون على فهم هذا العالم الذي نسكنه من خلال اللجوء إلى العقل والوسائل العقلانية فقط. الإشكالية هنا والتي تناقش على مستويات فلسفية عالية وبسببها غير العديد من الفلاسفة توجهاتهم العملية بما يخالف فلسفتهم المعروفة، ومنهم "شومسكي" على سبيل المثال. هذه العلة تقول إن كان هذا العالم عقلانيا تماما ويمكن لنا نحن البشر فهمه وتفسيره بدقة وحيادية تامة فإن من واجبنا أن نمضي قدما في دعم البحث العلمي حتى في مناطقه المحظورة، بل توسيعها إلى أبعد حد وهذه قضية تواجه صعوبات أخلاقية كبيرة وذلك لأننا، وبشكل متافيزيقي أيضا، مازلنا نؤمن بحدود للبحث العلمي وإمكانية وقوعنا في الجهل العلمي الأمر الذي قد يقود البشرية إلى نتائج لا تحمد عقباها.

ومع ذلك فقد نتج عن هذا الخلاف حركة نقاش فلسفية رائعة قادها عدة أساتذة لهم احترام كبير وقدر عال وفي نظري أن هذه الحركة مهمة جدا بل تعد بذرة ضرورية لتطوير نماذج فلسفية نابعة من ثقافتنا وليس من إملاءات الغير علينا. بالتأكيد هناك من يدافع عن فلسفة العلم في صورتها الغربية على اعتبار أنها نهاية المطاف وأفضل ما توصل إليه البشر وهذا فرض يصعب قبوله، وهنا أعود لنظرة ماكس فيبر أن الاعتقاد بالحقيقة ليس مستمدا من الطبيعة بل هو نتاج الثقافات. إن قبول فكرة أن النظرة الغربية للعلم هي النهائية قول يستلزم منا عدم الدخول في نماذج سلسة القيمة المضافة المعرفية أو بناء نموذجنا الخاص بنا ويحتم علينا البقاء ضمن صفوف المستهلكين لنتاج الحركة العلمية العالمية.

Share this post


Link to post
Share on other sites

الفلسفة هي فلسفة نوايا لا فلسفة علمية . السبب في الاختلاف سوء نوايا البعض لا بسبب طرق الرؤية . والا اعطونا طريقة الرؤية لمن خالفنا حتى نتبعها ولو اتبعناها لوجودوا طرقا اخرى لمخالفتنا .

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now

×