Jump to content
Sign in to follow this  
سلمان رمضان

قنوات الدجل

Recommended Posts

user posted image

تسابق محموم يُظهر لنا كل يوم شخصا جديدا يدعي علم الغيب والاطلاع على ما في صدور الناس، وما ينتظر غدهم، أهواء ونزوات وأكاذيب تتحرك، ونفوس مريضة تأخذ الناس إلى الدجل والكذب والخرافة والكهانة .. تبدأ الحلول الوهمية، ويبدأ التلاعب بهذا الإنسان رجلاً كان أو امرأة، حين تسمع حلولهم "لمن أرهقتهم أزمات الحياة وأتعبتهم بعض مشاكلها وأزماتها" وهي تدفع هؤلاء المساكين إلى عدم مس الماء وعدم الاستحمام لمدة أربعين يوماً، أو إلى دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل بعض الأوراق التي لا يعلم الله ما فيها ليدفنوها في أماكن معينة أو ليحرقوها ويتبخروا بها...

وأحيانا يطلب منهم البحث عن حيوان بصفات مخصوصة ليقوموا بذبحه، وربما رمي قطعة في أماكن معينة يحددها الدجال، بهذه البساطة يباع الإنسان الوهم والخرافة، ويلقي بنفسه في الوساوس والأكاذيب التي لا عد لها ولا حصر بسبب ابتكارات الدجالين الشيطانية.

لقد تزايدت هذه الألاعيب في وطننا العربي والإسلامي، وأصبح التعاطي مع هؤلاء المشعوذين أمرا طبيعيا، يعبر عنه الناس باعتيادية وعفوية، فهذه ذهبت لرجل يقرأ الكف، وذاك أخذ ملابسه لرجل يشمها كي يحل له أزمة رزقه القليل، ورابع يتعاطى مع قراء الفنجان، ورابع وخامس فالعناوين كثيرة والدكاكين مشرعة.

يرجح في نفسي أن هناك أسبابا حركت هذه الظاهرة بقوة، وحولتها إلى تيار جارف يخرّب حياة الكثيرين، ويدمر استقرارهم ويبدد هدوءهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1/ تزايد ضغوط الحياة سواء المادية أو المعنوية، وما صاحب ذلك من تذمر نفسي وأمراض عصبية ، واختلال واضح عطل الإنسان بسببه عقله عن التفكير والقيام بدوره الفاعل في استنقاذه من المشاكل والأزمات ليتخذ طريقاً يبساً يزيد من أوهامه وأمراضه.

إننا حين نمعن النظر ونتابع ربيع ظاهرة الدجل ومواسم انتشارها فسنلاحظ أنها غالباً ما تكون في اوقات الأزمات المادية أو الأمنية كما يحصل في المناطق التي تنتشر فيها الحروب والنزاعات، والتي تساعد بدورها في انتشار الجهل والتخلف والضعف في الروابط الأسرية والاجتماعية .

من جهة أخرى فان المشاكل الأسرية والتعامل الذي يفقد المرأة مكانتها واحترامها ويتسبب في المبالغة في إيذائها وإهانتها بل وضربها أحياناً، يدفعها وهي تشعر بالوحدة وانعدام الناصر والمعين لتتجه إلى هؤلاء الدجالين الذين يبيعونها الهوى والكذب، ويتسلون بعواطفها وأموالها.

2/ التوجس والخوف من المستقبل، ومرد هذا إلى ضعف الإيمان والتوكل على الله سبحانه وتعالى ،فحين يبتعد الإنسان عن مانح القوة وخالق الخلق لا يرى في نفسه إلا الضعف والانكسار، ولا تتحرك في باطنه إلا الأوهام والهواجس ، فإذا استسلم إليها حكمت تفكيره وسيطرت على نفسه وزادته قلقاً وارتباكاً وغرقاً، وعندها تندفع النفس إلى كل صيحة تتوهم فيها خلاصها وانعتاقها مما هي فيه من الم وخوف.

إن الإعراض عن ذكر الله، والاشتغال بكل شي في هذه الدنيا مع نسيانه سبحانه وتعالى لا يزيد النفس إلا تخبطاً وانقباضاً، ولا يمنح القلب إلا الأمراض والأحزان وإذا حصل كل ذلك تحولت الحياة إلى نكد يقول تعالى:

(وَمَنء أَعءرَضَ عَنء ذِكءرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنءكاً وَنَحءشُرُهُ يَوءمَ الءقِيَامَةِ أَعءمَى).

3/ بروز العديد من القنوات الفضائية الدجلية، التي شغلت نفسها وشغلت مشاهديها بأعمالها الخسيسة، فراحت تزين لهم أنها قادرة على معالجة أمراضهم، وحل مشاكلهم، وإصلاح رزقهم، وكشف المستقبل والغيب لهم.

وللأسف الشديد فإن هذه القنوات الممرضة لنفوس الناس والمعطلة لعقولهم التي كرمهم الله بها لها جمهورها ومريدوها، وهي لا تبث لهم إلا السموم والأباطيل.

هذه القنوات هي الأخطر اليوم، لأنها في منزل كل إنسان، وفي متناول اليد، دون مشقة الذهاب والإياب وصرف المبالغ الطائلة، لقد فرضت التحدي على كل المؤمنين بالله لينتبهوا إلى أنفسهم وإلى أهلهم وعوائلهم من خطر الانزلاق إلى توجيهاتها الكاذبة، كي لا تتذمر أسرنا ونرى أولادنا وبناتنا يسيرون وفق أجندة الدجالين وبرامجهم، وتنتشر بينهم الهواجس والأوهام.

إنه لخطأ قاتل (مثلا) أن تشغل المرأة نفسها بالطلاسم والأوهام لإصلاح العلاقة بينها وبين زوجها، بدل أن تتجه لعقلها وتسأله عن السبب الحقيقي لعلاقتهما المتوترة، لتبدأ خطوات البحث عن علاج يعيد لحياتهما العائلية الدفء والاستقرار.

وحده الإيمان الصادق بالله سبحانه, معرفته حق المعرفة، والإيمان الراسخ بقدرته وقوته ونفعه وضره دون سواه هو ما يجعل النفس جلدة قوية وقادرة على السير نحو المستقبل بخطى ثابتة وقلب مطمئن.

مهم جداً ألا تُغطى تلك الأعمال الدجلية بلباس الدين والا يقترب منها المحسوبون على السلك الديني كي لا تجد لها مبررات وهمية يتخذها عامة الناس كقرائن ودلائل على سلامة هذه الأعمال، وان يكون الرأي واضحاً في فضح هذه الأعمال ومبتغياتها وما تسببه من بعد للناس عن عقيدتهم السليمة وضعف لإيمانهم وارتباطهم بالله سبحانه وتعالى.

ولعل المسئولية الكبرى الملقاة على عاتق المحسوبين على السلك الديني هي دفع الناس إلى حسن الثقة بالله والى الاعتماد عليه، والمداومة على قراءة القرآن الكريم، واستحضار ذكر الله سبحانه في كل ظرف ونائبة ومصيبة. كما انه من المهم أن يُثقف الناس ليعالجوا بعض أمراضهم النفسية في العيادات النفسية فالطب النفسي علم تبلور بقدر كبير وعلاجاته علاجات علمية، بعيدة عن الكذب والسحر والأوهام، وفي ذلك خير للناس لينأوا بأنفسهم عن الطرق العوجاء والدروب البائسة.

user posted image

محمد الصفار

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×