Jump to content
Sign in to follow this  
hamsa82

التراث الفلكي الإسلامي .

Recommended Posts

التراث الفكي الإسلامي و التراكم والقيمة العلمية

موضوع شيق يبدأ بالحديث عن التراث العلمي الإسلامي بوجه عام خاصة الأدبي .

ثم ينتقل للحديث عن الكم الهائل من مصادر التراث الفلكي.

كما يتناول أسماء لمراجع هامة للتراث الفلكي .

ونماذج من الترجمات الأولي لتراثنا الفلكي .

 

المتتبع لمصادر التراث العلمي الإسلامي سَيَلفِتُ نَظَرَهُ ـ بين هذا الركام الهائل من التراث ـ كمٌ هائل من التراث الفلكي الإسلامي. وسيعثر على المزيد من الكتب الفلكية و الأزياج (الجداول الفلكية) والآلات الفلكية المتنوعة.

وعلى الرغم من أن الكثير منها ضاع أو تلف. إلا أن الموجود الباقي ـ خاصة بعد عمليات الاهتمام والمتابعة ـ ليس قليلا.

إن نظرة فاحصة إلي الكتب التي سجَّلت هذه المصادر الفلكية، ككتاب الفهرست لابن النديم، وأخبار الحكماء للقفطي، وكشف الظنون لحاجي خليفة، وغيرها، تكشف الكم الهائل لهذا التراث الفلكي العظيم. ونظرة فاحصة أخرى إلي الفهارس والقوائم التي سجلت المتوافر منه في المكتبات والمتاحف والقصور الخاصة، تدلّ على أن الموجود الباقي من هذا التراث ليس قليلا. فهناك مثلا المزيد من الكتب التي وصلت إلينا في الإسطرلاب، والمزيد من المخطوطات في الأزياج، والمزيد من الكتب الفلكية العامة في موضوعاته المختلفة. والخاصة في موضوع معين.

 

التراث العلمي مهمل

 

إنه مهمل فعلا، ومظلوم أيضا. ليس في الوقت الحاضر فحسب، وانما منذ القدم، منذ وضع اليونانيون المادة العلمية في درجة أدنى من المادة الفلسفية والفكرية. فقد ورد أنه كان في الإسكندرية مجمعٌ للحكماء وبها كانت معاريجهم مثل الدرج، يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم، فكان أقلهم علماً الذي يعمل الكيمياء، فان موضعه كان على الدرجة السفلي

فالكيمياء علمٌ أو صنعة يدوية، وليست فكرية. وبذلك وُضع المشتغل بها على الدرجة السفلي في مراتب العلوم، ومثلها كان الطب والهندسة والحيل (الميكانيكا)... كانت هذه علوماً غير مرغوب فيها. في حين كان المشتغل بالفلسفة والفكر يحتل مكاناً مرموقاً. وقد انتقل بعض هذا المزاج وهذا التفكير إلي الحضارة الإسلامية. بانتقال أرسطو وأفلاطون وغيرهما، إلي الثقافة الإسلامية. فكان الإنتاج الفكري والأدبي والشعري أهم وأغزر من الإنتاج العلمي، الذي يهتم بالعلوم الطبيعية والرياضية وأشباههم. ففي تاريخنا الحضاري، تجد المفكرين النظريين والأدباء والشعراء اكثر بكثير من العلماء. من الفيزيائيين والكيمائيين والأطباء والمهندسين والرياضيين. واثبات ذلك ليس صعباً، فنظرة سريعة إلي الكتب الكثيرة المؤلفة في الفكر والأدب والشعر، وما حظيت به من اهتمام، تؤكد هذا المعنى، فأسماء الشعراء والأدباء اكثر من أن تحصى، فهناك المتنبي وأبو تمام والبحتري وأبو فراس وابن الرومي والشريف الرضي وأبو العلاء المعري وابن المعتز، وهناك من الأدباء والنقاد، الجاحظ وابن العميد ومحمد بن سلام وأبو هلال العسكري وأبو الفرج الأصفهاني وابن قتيبة وغيرهم الكثير الكثير.

 

وفي مقابل ذلك كان العلم والعلماء، كانت الفيزياء وعلماء الفيزياء، والكيمياء وعلماء الكيمياء، والطب والأطباء، والزراعة وعلماء الزراعة، والهندسة والمهندسون، وعلوم أخري وعلماء آخرون (وان كان الطابع الموسوعي يغلب عليهم)، كانت هذه العلوم وأمثالها كثيرة وذات مستوى متقدم جداً قياساً إلي عصرها. الخالي من الأجهزة العلمية المتطورة. ولكنها قليلة ومحدودة قياساً إلي الفكر والأدب والشعر.

 

إن هذا القليل كثيرٌ جداً... ومهم جداً أيضاً. إن الإنجازات العلمية التي قدمتها الحضارةُ الإسلامية عظيمة وذات مستوى إبداعي مشهود، وخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار المادة العلمية الشاحبة والمريضة التي أفرزتها العصور الأوربية الوسطى وما قبلها كالعصر اليوناني الذهبي، فعلى أهمية ما قدمه اليونانيون من مادة فكرية وفلسفية، كانت إنجازاتهم في مجال العلم والتكنولوجيا محدودة، كان ارسطو قياسياً تأملياً، وكان أفلاطون مثالياً خيالياً، وحتى بطليموس القلوذي صاحب النظرية الفلكية الضخمة (مركزية الأرض) لم يكن راصداً ميدانياً من الدرجة الأولى، وانما أقام نظريته في الدرجة الأولى على الفكر والرياضيات والتأمل والاستنتاج مع اعتماده على الأرصاد والملاحظات الموروثة والشخصية.

 

لقد قدّمت الحضارة الإسلامية مادة علمية دسمة جداً، حتى ليصحّ وصفها (أي الحضارة) بالعلمية اكثر من وصفها بالفكرية والشعرية والأدبية لقد كان المنهج العلمي الذي استخدمه المسلمون في دراسة المادة العلمية أروع اكتشاف حققتهُ الحضارة الإسلامية، فقد استخدم جابر بن حيان، وأبو الريحان البيروني وابن الهيثم وغيرهم هذا المنهج، وقدّموا من خلاله أروع الانجازات العلمية، ولسنا في صدد تعداد تلك الإنجازات والإبداعات، ويكفي أن نذكر ما قاله ابن الهيثم المتوفى سنة 432هـ حول مراحل المنهج العلمي وطريقة البحث: قال:

(ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات. وتصفّح أحوال المبصرات. ونميّز خواص الجزئيات. ونلتقط بالاستقراء ما يخصُّ البصر في حال الإبصار، وما هو مطرد لا يتغيّر وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس. ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب، مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميّزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء، فلعلّنا ننتهي بهذا الطريق إلي الحق الذي به يثلج الصدر ونصل بالتدريج والتلطف إلي الغاية التي عندها يقع اليقين ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف و تنحسم بها مواد الشبهات وما نحن، مع جميع ذلك، براء مما هو في طبيعة الانسان من كدر البشرية. ولكننا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة الإنسانية. ومن الله نستمد المعونة في جميع الامور)

وبهذا المنهج وهذه الطريقة، أنجز المسلمون إنجازات علمية كبرى في الفلك والبصريات والطب والكيمياء والهندسة وغيرها. ويمكن مراجعة هذه الإنجازات من خلال الدراسات والبحوث التي أوجزتها المراجع الحديثة في تواريخ العلوم

 

وحول الإنجازات التي قدمها المسلمون من خلال هذا المنهج يذكر (غوستاف لوبون): (ونشأ عن منهاج العرب التجريبي وصولهم إلي اكتشافات مهمة، فسترى من مباحثنا في أعمال العرب العلمية انهم بالحقيقة أنجزوا في ثلاثة قرون أو أربعة قرون من الاكتشافات ما يزيد على ما حققه الإغريق في زمن أطول من ذلك كثيراً)

 

من هنا نتساءل، كم وفّى الحاضرون لتراثهم العلمي؟ هل استطاعوا أن يقدّموه مادةً علمية مثيرة تفتح شهيّة الانسان المسلم ليعيد امجاد البيروني، والبتّاني وابن الهيثم والرازي وامثالهم؟ هل بعث الحاضرون تراث أجدادهم العلمي ليباهوا به الأمم العلمية المتقدمة. ويجعلوه محفزاً ودافعاً للتطور والتقدم، في عصر أصبحت السيادة فيه للعلم.

الحقيقة أن الحاضرين، لم يوفّوا التراث العلمي حق قدره، فلا زال المسلم يجهل الكثير من تراثه العلمي، ولازالت كنوزه ميتة داخل جدران المكتبات والمتاحف، والذي حقّق ونشر منه عدد محدود، على الرغم من الاهتمام الجاد، الذي توافرت عليه معاهد ومؤسسات حديثة. في حين حظي التراث الأدبي والشعري بكثير من الاهتمام، قياساً إلى التراث العلمي. فقد طبعت ونشرت دواوين كثيرة وكتب أدبية تراثية جمة، علماً أن قيمة هذه الأخيرة، ليست بالضرورة اكبر من قيمة التراث العلمي، وخاصة في عصرنا الحاضر عصر العلم والتكنولوجيا.

 

والحق يقال، أن المستشرقين (على تنوعهم واختلاف أهدافهم) سبقونا في هذا المضمار، فقد بدأوا قبلنا بكثير، بنقل هذا التراث إلي لغاتهم، ونشر الكثير من مخطوطاته. ووضع فهارس متنوعة له، وكتابة دراسات وبحوث عديدة حوله، وكشف المزيد من المادة العلمية التي احتضنتها مصادره. مما مهدوا الطريق (من حيث يريدون أو لا يريدون) أمام الباحثين والمسلمين، حيث نشأ جيل من العلماء والباحثين ـ والحمد لله ـ نشروا كثيراً من مخطوطاته. ووضعوا العديد من البحوث والدراسات الجادّة في حقوله المختلفة. أنشئت بعض المعاهد والمؤسسات، أخذت على عاتقها نشر مخطوطاته

 

وكتابة دراسات حوله. ويقع في طليعة هذه المراكز، معهد التراث العلمي العربي، الذي أنشأته جامعة حلب في السبعينات من هذا القرن.

إن التراث العلمي الإسلامي، بكل أنواعه وفروعه مظلوم. بسبب عدم وجود الأيدي الخبيرة الكافية التي تقدّمه في اطار جديد، على مستوى الشكل والمضمون، حتى يستطيع الباحث والقارئ العادي دراسته وفهمه بشكله الصحيح.

 

الكم الهائل من التراث الفلكي

 

التراث الفلكي الإسلامي، جزء من التراث العلمي الضخم الذي قدمته الحضارة الإسلامية إلى العالم. وقد صنعت هذا التراث الكبير عوامل عديدة، ليس مجال استعراضها ودراستها في هذا الموضوع المحدد.

الذي يهمّنا هنا، هو التراث الفلكي وحده، يهمّنا لانه كم هائل جداً، وجزء مهم جداً، بين التراث العلمي الضخم، وقد وَصَلنا منه الكثير، على الرغم من وصول انواع اخرى من التراث العلمي، حتى ان الناقلين او المترجمين لمجمل التراث، جعلوا التراث الفلكي والطبي في اولويات نقولهم. فكانت النقولات الاولى من تراثنا الإسلامي، فلكية وطبية. فقد كانت طلائع الترجمات اللاتينية عن المصادر العربية ترجمات فلكية. فنقل (جربردي اورلياك) (938 ـ 1003م) عدداً من الكتب الفلكية والرياضية ونشر الأعداد العربية في اوربا، وترجم بعض الكتب الرياضية والفلكية، كالزيج المنصوري، وله دراسة عن اقليدس باللغة العربية. اما (ادلرد أُف باث) (1070 ـ 1135م) فقد ترجم كتباً وافرة في الفلك، اشهرها زيج الخوارزمي بتنقيح المجريطي واربعة كتب لأبي معشر البلخي بمعاونة (يوحنا الاشبيلي) (منتصف القرن الثاني عشر الميلادي) ومثله هذا الأخير، فقد ترجم رسالةً في الاسطرلاب للمجريطي، والمدخل الى علم هيئة الافلاك للفرغاني، والموجز في الفلك للفرغاني ايضاً . ومثله (جرار دي كريمونا) (1114ـ 1187م) حيث ترجم المجسطي (العربي). وكتاب الهيئة في اصلاح المجسطي، وتسعة كتب لجابر بن افلح. والزيج الطليطلي

 

هذه نماذج من الترجمات الاولى لتراثنا الفلكي.. وهى قليل من كثير لا مجال لذكرها هنا. وتدلّ فيما تدلّ على أن تراث العلماء المسلمين في هذا الحقل كثير. وبين ايدينا ـ اليوم ـ اسماء كثيرة جداً من كتب التراث الفلكي. ومراجعة سريعة لفهرست ابن النديم. وتاريخ الحكماء للقفطي وحدهما كافية جداً لادراك الكم الهائل من التراث الفلكي، الذي خلّفه الاجداد. اما الباقي المتوافر بين ايدينا، وان كان قليلا، قياساً الى اصل التراث الفلكي الموروث، الاّ أنه ليس قليلا في حقل واحد من حقول العلم. ومن امهات الكتب الفلكية التي بين ايدينا، ترجمات المجسطي وشروحه وتفسيراته وتلخيصاته، وماجرى على منواله، كالقانون المسعودي للبيروني، وعلم الهيئة من شفاء ابن سينا. والمجسطي لابي الوفاء البوزجاني. واصلاح المجسطي لجابر بن أفلح، وتحرير المجسطي لنصير الدين الطوسي. وغيرها من كتب الفلك ككتاب التذكرة لنصير الدين الطوسي وصور الكواكب الثماني والاربعين للصوفي، ونهاية الادراك في دراية الافلاك لقطب الدين الشيرازي. والهيئة لمؤيد الدين العرضي. وعدد من الأزياج ولاسيما الزيج الصابي للبتّاني والزيج الايلخاني لنصير الدين الطوسي وزيج اولغ بك لالغ بك، وعدد من كتب الاسطرلاب. وعدد من كتب الآلات الفلكية، ككتاب كيفية الارصاد لمؤيد الدين العرضي وغيره. والكثير الكثير مما يطول تعداده. وهذه المصادر بين مطبوع ومخطوط، وفي فهارس المخطوطات، وخاصة تلك التي تتعلق بالتراث العلمي، مزيد من اسماء الكتب الفلكية الموجودة في اماكن مختلفة من العالم.

 

ولكن ماهي اسباب وفرة هذا التراث الفلكي، المفقود، والموجود حالياً؟ السبب العام، هو النقلة الحضارية التي اوجدها الدين الاسلامي الحنيف. فقد خلق هذا الدين حضارة انسانية وعلمية لم تكن من قبل، فاقت كل الحضارات السابقة بما فيها الحضارة اليونانية العريقة التي قدّمت الكثير من التراث العلمي للحضارة الاسلامية.

 

لقد كان القرآن الكريم في طليعة العوامل والأسباب التي ساهمت في نموّ علم الفلك وتطوّره، وبالتالي في الكم الهائل من التأليفات الفلكية. فالقرآن بما حمل من معان حضارية جديدة، لعب دوراً تغييرياً كبيراً، وعلى مختلف الصُعد، لذلك يمكن اعتباره أصلا وأباً لعدد من العوامل، ساهمت في الاندفاعة السريعة نحو العلم بشكل عام، وتطوّر علم الفلك بشكل خاص. فقد استثار العقول ودفعها نحو طراز جديد من التفكير، دفعها الى طلب العلم والتماسه من مظانه. والشواهد القرآنية في هذا المجال كثيرة منها قوله تعالى (وقل ربي زدني علماً)

وقوله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). وغيرهما من الآيات، وهناك احاديث نبويّة كثيرة في هذا المجال ايضاً. بل وتعدى القرآن ذلك الى التأكيد على النظر في الكون والسماء وما خلق الله فيهما. قال عز وجل: (افلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج) وقال ايضاً: (اولم ينظروافي ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شيء) ونبّه القرآن الى امور فلكية كثيرة كقوله عز من قائل: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون)

ولم يكن الحث على النظر الى السماء والتفكر فيها وحده حافزاً لتتبع السماء واجرامها واخبارها، وانما استجدّت حاجة علمية مهمة، وهي: ضرورة ضبط بعض المفردات الدينية التي أمر بها القرآن، ولا يتم ضبطها واحكامها الا بمتابعة فلكية جادة.

 

فقد وردت في القرآن الكريم مفردات دينية او عدد من الأحكام الشرعية الاسلامية، ترتبط بشكل مباشر بالشمس أو القمر او بظواهر كونية اخرى، وبدون التحرّي الكافي والتدقيق اللازم عن سلوك هذين الجرمين وبعض الظواهر الكونية الاخرى لا يمكن أداء تلك الأحكام بشكلها الشرعي الصحيح، لذلك كان لزاماً على المسلم ـ لتلافي الوقوع في الحرام ـ متابعة السماء ومعرفة عدد من الأمور الفلكية الضرورية.

 

فالصلاة، ترتبط بشكل مباشر بطلوع الشمس وغروبها، وتختلف أوقاتها من بلد الى آخر، ومن يوم الى يوم. وعلى هذا الأساس يجب على المسلم ان يعرف عرض البلد الجغرافي وحركة الشمس في فلك البروج وأحوال الشفق الاساسية، اضافة الى سمت القبلة.

وهناك صلوات الخسوف والكسوف وصلاة الآيات، ومن وجوب الصلاة يحصل حسن التأهب لها قبيل انكساف الشمس أو انخساف القمر. فلا يمكن ذلك الا بمعرفة حساب حركة الشمس والقمر واستخدام الجداول الفلكية اللازمة. وهناك مشكلة ابتداء الصوم وانتهائه ومشكلة ثبوت عيد الفطر وعيد الأضحى.

 

إن هذه الأمور تستدعي ـ في احيان كثيرة ـ بعض الناس لتتبّع تلك الظواهر ودراستها ومعرفة اسبابها وكل ما يتعلق بها. من هنا انبرى عدد من الناس الى دراسة الفلك. ووفق الكثير منهم، وصاروا علماء فلك لهم وزنهم، ولهم انجازاتهم. وفي هذا السياق يقول المستشرق الايطالي (كارلو نالينو) (ان ارتباط بعض أحكام الشريعة بالمسائل زاد المسلمين اهتماماً بمعرفة امور السماء والكواكب وحمل اصحاب العلوم الدينية على مدح ما سماه الغزالي في كتاب احياء علوم الدين، القسم الحسابي من علم النجوم)

وحين فعل القرآن الكريم فعله في العقول، مدّدها ودفعها الى روح العلم والبحث، وانفتحت آفاقٌ عريضةٌ امام المسلمين، فراحوا يبحثون عن الاسلوب الافضل في دراسة العلم بشكل عام، والفلك بشكل خاص، فاستخدموا المنهج العلمي الصحيح في دراسة الأشياء، استخدموا الاستقراء والاستنتاج، وقدّموا نتائج رائعة.

 

فكثرت المراصد والملاحظات الفلكية، بالعين المجردة واستخدام الآلات الفلكية المتنوعة الموروثة والتي ابدعها المسلمون، وراحوا ايضاً يبحثون عن كل جديد يصبّ في تطوّر علم الفلك، فترجموا المزيد من الكتب الفلكية، من اليونان والهند وفارس، ولاسيّما كتاب (المجسطي الشهير الذي ألّفه العالم اليوناني بطليموس القلوذي)، الذي عاش في القرن الميلادي الثاني، وكتاب (السند هند) من الهند وغيرهما من الكتب مما زاد في وعي الفلك وتطوره. فكثرت المؤلفات فيه، كالأزياج وكتب الآلات الفلكية، وصور الكواكب، والموضوعات الفلكية العامة، مما توافر للاجيال اللاحقة تراث فلكي كثيرٌ ومهمٌ، يمكننا وضعه في طليعة التراث الفلكي العالمي، كماً وكيفاً.

 

من مصادر التراث الفلكي

 

لم تصل الينا ـ ضمن ما وصل من كتب التراث ـ مصادر تجمع المؤلفات الفلكية وحدها، على طريقة القوائم او الفهارس الببليوغرافية الراهنة، وانما عرفنا كتباً عامة أو موسوعات أو فهارس او كتب تراجم، تضم ضمن ما تضمّ، المؤلفات الفلكية والمؤلفين الفلكيين والازياج، والمعلومات الفلكية المتنوعة، وهي عديدة.

لكن، لاشك ان هناك كتباً كثيرة تتحدث عن الفلكيين ومؤلفاتهم، ضاعت او تلفت أو نساها الزمن، عثرنا على أسماء بعض منها، ككتاب (اخبار المنجمين) لاحمد بن يوسف بن ابراهيم الداية المصري المتوفي بعد سنة 330هـ بقليل. وكتاب (اصابات المنجمين) لابن ابي اصيبعة صاحب عيون الانباء في طبقات الاطباء الشهير. واخرى يمكن متابعة اخبارها والعثور عليها.

اما الكتب الباقية التي تضم أسماء الفلكيين والمؤلفات الفلكية فهي عديدة، ويقع اغلبها ضمن كتب: التراجم الخاصة، ككتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن ابي أصيبعة. وكتب التراجم العامة ككتاب وفيّات الاعيان لابن خلكان، وفوات الوفيات للكتبي، والوافي بالوفيات للصفدي وغيرهما. أو ضمن كتب تراجم الحكماء، ككتاب أخبار الحكماء للقفطي، وتاريخ الحكماء للشهرزوري، وتاريخ حكماء الاسلام للبيهقي، وتتمة صوان الحكمة للسجستاني. وامثالها، او ضمن كتب الفهارس العامة ككتاب الفهرست لابن النديم، او كشف الظنون لحاج خليفة. أو ضمن كتب التاريخ الاخرى وغيرها، ككتاب طبقات الأمم لصاعد الاندلسي، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري اوكتاب فرج المهموم لابن طاووس، وغيرها من الكتب.

 

ويمكننا ان نميّز بين هذه الكتب خمسة مراجع مهمة للتراث الفلكي:

1 ـ الفهرست: ومؤلفه ابن النديم، محمد بن اسحق بن ابي يعقوب البغدادي الورّاق، ألّفه في حدود سنة 377هـ، والكتاب ـ حسب ما يذكر المؤلف ـ يضمُّ: (فهرست كتب جميع الأمم من العرب والعجم منها بلغة العرب وقلمها في اصناف العلوم واخبار مصنّفيها وطبقات مؤلفيها...) والكتاب مطبوع ومتداول.

2 ـ كتاب طبقات الأمم أو (التعريف بطبقات الأمم)، ومؤلفه القاضي صاعد بن احمد بن صاعد الأندلسي المتوفى سنة 462هـ بطليطلة في الأندلس، له اهتمام بعلم الفلك، والكتاب يتحدّث في تاريخ العلم عند عدد من الأمم، ويعدّه بعضهم اول كتاب في تاريخ العلم في العالم. والكتاب مطبوع ومتداول ايضاً.

3 ـ تاريخ الحكماء: لجمال الدين علي بن يوسف القفطي المتوفى سنة 646هـ، وهو كتاب معروف بهذا الاسم، لكن حقيقته، اختصار للتأليف الأصلي للقفطي (اخبار العلماء باخبارالحكماء)، وهذا الكتاب المختصر يضمّ بين دفتيه اربعمئة واربع عشرة ترجمة لعلماء من اليونان والمسلمين من العرب وغيرهم من الذين اشتهروا بالفلسفة والرياضيات والطب والفلك من القديم وحتى زمن المؤلف. والكتاب مطبوع ومتداول ايضاً.

4 ـ كتاب (فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم): لرضي الدين علي بن طاووس المتوفى سنة 664هـ، وهو عالم دين له اشتغال في التنجيم وتاريخه، والكتاب يتحدث عن المنجمين واصاباتهم اكثر مما يحدث عن الفلكيين وعلم الفلك، لكنه يحتوي على معلومات في تاريخ الفلك والمشتغلين به، جمّه ومفيدة، والكتاب مطبوع ومتداول ايضاً.

5 ـ (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون): ومؤلفه مصطفى بن عبد الله المعروف بحاج خليفة المتوفى سنة 1068هـ، والكتاب معجم لعدد كبير من الكتب العربية والتركية والفارسية، والكتاب ـ وإن أُلف في القرن الحادي عشر الهجري، الاّ أنه جمع اسماء عدد كبير ومهم من مؤلفات الفلكيين وأورد نبذاً عن حياتهم وعلومهم. والكتاب مطبوع ومتداول ايضاً.

ونستطيع أن نميّز كتباً اخرى تتحدث عن مصادر الفلك والفلكيين، ولكن نكتفي بهذه النماذح الخمسة، ويؤسفنا ان تكون هذه النماذج غير محققة تحقيقاً علمياً ذا مستوى عال. على الرغم من أن الواحد منها منشور اكثر من مرّة...

نحن نأمل من العلماء والباحثين أن يقوموا ـ على الأقل ـ بتحقيق ونشر هذه الكتب الأساسية وامثالها، وهي كثيرة، فالانتقائية (انتقاء الافضل) ضرورية، ونحن نتطلع الى مستقبل حضاري زاهر.

 

المصادر

المؤمن، عبد الأمير، التراث الفلكي عند العرب والمسلمين واثره في علم الفلك الحديث، مراجعة د. سامي شلهوب، ص7، معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب 1992.

نالينو، كارلو، الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى، ص231، روما 1911.

الحموي، ياقوت، معجم الأدباء، ج5، ص160، مصر.

ابحاث المؤتمر السنوي الثامن لتاريخ العلوم عن العرب، اعداد محمد عزت عمر، ص75، معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب 1978.

القزويني، زكريا، آثار البلاد وأخبار العباد، ص145، بيروت 1984.

ابن الهيثم، المناظر، تحقيق د. عبد الحميد صبره، ص62، الكويت سنة 1983.

لوبون، غوستاف، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، ص529، مصر.

 

http://209.61.210.137/uofislam/behoth/behoth_motf/84/a1.html

أتمني للجميع الفائدة

همسة

Share this post


Link to post
Share on other sites

تحية طيبة للاخت همسة

موضوع جميل جدا , يذكرنا بماضينا التليد وامجادنا القديمة في مجال العلوم التي استفاد منها العالم الغربي المظلم في ذلك الوقت وكونت مجده اليوم الذي يبهرنا بانجازاته العظيمة ,,,

كما انه يشد على ايدينا لاعادة ما فقدناه وبناء حاضر يشرفنا ويشرف من يكون بعدنا من اجيال ..

 

واشيد بطريقة كتابة المراجع التي سأستفيد منها في كتابة مقالاتي ,,,

وشكرا

 

مستور الاحمري

Share this post


Link to post
Share on other sites

السلام عليكم

 

شكرا لكم علي المرور والتعقيب.

 

اتمني أن يستفيد الجميع دائما.

 

همسة smile.gif

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×