Jump to content
Sign in to follow this  
المسعد

‏والســماء ذات الحبك‏

Recommended Posts

 

 

 

 

قال تعالى : (والسماء ذات الحبك‏*‏ إنكم لفي قول مختلف‏*‏ يؤفك عنه من أفك‏*‏ قتل الخراصون‏*‏الذين هم في غمرة ساهون‏*‏ يسألون أيان يوم الدين‏*‏ يوم هم علي النار يفتنون‏*‏ ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون‏) (‏ الذاريات‏:7‏ ـ‏14).‏

يستهل ربنا الله تعالى سورة الذاريات بالقسم بعدد من آياته الكونية‏,‏ الدالة علي طلاقة قدرته‏,‏ وكمال علمه‏,‏ وتمام حكمته‏,‏ وشمول سلطانه علي أن ما وعد به خلقه من البعث والحساب‏,‏ هو وعد صادق‏,‏ وأن الجزاء علي كل ما يفعله العبد في هذه الحياة الدنيا أمر محقق‏,‏ واقع‏,‏ لا فكاك منه‏,‏ ولا هروب عنه‏...!!!‏

ثم يعاود ربنا‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ القسم مرة أخري‏,‏ في نفس السورة بالسماء ذات الحبك علي أن الناس ـ بصفة عامة ـ وكفار قريش ـ بصفة خاصة ـ مختلفون في أمور الدين اختلافا كبيرا‏,‏ وذلك لانطلاقهم فيه من منطلق التخرصات والظنون‏,‏ والخلط بين ميراث البشرية من بقايا الهدايات الربانية القديمة‏,‏ والانحرافات البشرية المبتدعة عن بواعث الهوى والضلال‏,‏ فقد كان كفار قريش يعترفون بأن الله‏(‏ تعالى ‏)‏ هو خالق السماوات والأرض‏,‏ وخالق كل شيء‏,‏ ولكنهم كانوا في نفس الوقت يعبدون الأصنام بدعوى أنها تقربهم إلى الله زلفى‏,‏ وبزعم أنها تشفع لهم عند الله‏(‏ تعالى ‏),‏ كما كانوا يعرفون عن سيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه الصادق الأمين‏,‏ وصاحب الخلق العظيم‏,‏ ولكن تغير حكمهم فجأة حين جاءهم بوحي السماء‏,‏ فألقوا عليه من التهم الباطلة ما يتنافى مع كل ما عرفوه عنه فاتهموه‏(‏ شرفه الله تعالى وكرمه‏)‏ بالسحر‏,‏ والشعوذة‏,‏ وبالشعر‏,‏ والكهانة‏,‏ بل بالجنون‏,‏ وكان ذلك كله في محاولة يائسة لصرف الناس عن التوحيد الخالص لله الخالق ـ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ـ وعن التسليم لهذا الدين الخاتم‏,‏ ومن ركائزه الإيمان بحتمية البعث والحساب‏,‏

ثم الخلود في حياة أبدية قادمة‏,‏ إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏...!!‏

وصرف الناس عن الحق إضلال لهم‏,‏ وهدر لحياتهم‏,‏ وإفشال لدورهم في هذه الحياة‏,‏ ومن هنا كانت جريمة من أفظع الجرائم وأقبحها عند الله‏,‏ ولذلك وصفها‏(‏ تبارك وتعالى ‏)‏ بـ الإفك‏,‏ وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه من مثل الانصراف عن الحق إلى الباطل في الاعتقاد‏,‏ وعن الصدق إلى الكذب في المقال‏,‏ وعن الجميل إلى القبيح في الأفعال‏...!!!‏

ومن هنا‏,‏ كان التعبير بـ المأفوك في اللغة عمن صرف عقله‏,‏ أي ضاع عقله منه‏,‏ فأصبح فاقد العقل والمنطق‏.‏ ومن هنا أيضا كان هذا القسم القرآني‏:‏

(والسماء ذات الحبك‏*‏ إنكم لفي قول مختلف‏*‏ يؤفك عنه من أفك‏*‏ قتل الخراصون‏*‏الذين هم في غمرة ساهون‏*‏ يسألون أيان يوم الدين‏*‏ يوم هم علي النار يفتنون‏*‏ ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون‏) (‏ الذاريات‏:7‏ ـ‏14).‏

ومعني ذلك أن الكافرين في قول مختلف‏,‏ مضطرب‏,‏ وحيرة بالغة‏,‏ وقلق دائم‏,‏ وأوهام مفزعة‏,‏ وظنون مضيعة في أمر الدين ـ بصفة عامة ـ وفي أمر الآخرة ـ بصفة خاصة ـ وما تستلزمه من بعث وحساب‏,‏ وجنة ونار‏...!!!‏

 

ومع التسليم الكامل بأن الله‏(‏ تعالى ‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ وبأن القسم إنما يأتي في القرآن الكريم من قبيل تنبيهنا إلى أهمية الأمر المقسوم به في تنظيم الكون‏,‏ واستقامة الحياة علي الأرض‏,‏ أو فيهما معا يبقي السؤال‏:‏ ما المقصود بـالسماء ذات الحبك التي استوجبت هذا القسم القرآني العظيم؟

وللإجابة علي ذلك‏,‏ نبدأ بشرح المدلول اللغوي للفظة الحبك

 

الحبك في اللغة العربية

لفظة‏(‏ الحبك‏)‏ مستمدة من الفعل‏(‏ حبك‏),‏ بمعني شد وأحكم يقال‏sad.gif‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏),‏ كما يقال‏sad.gif‏ أحبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏)‏ و‏(‏إحباكا‏)‏ أي شده وأحكمه‏.‏

ويقال‏sad.gif‏ حبك‏)‏ النساج الثوب‏,‏ أي أجاد نسجه‏,‏ و‏(‏حبك‏)‏ الحائك الثوب أي أجاد صنعه‏,‏ وضبط أبعاده‏,‏ فالأمر‏(‏ المحبوك‏)‏ المحكم الصنعة‏,‏ وكذلك‏(‏ الحبيك‏)‏ و‏(‏الحبيكة‏)‏ أي‏(‏ المحبوك‏)‏ و‏(‏المحبوكة‏),‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد‏(‏ أحبكته‏).‏

كذلك يقال في اللغة‏sad.gif‏ حبك‏)‏ الأمر‏(‏ يحبكه‏)(‏ تحبيكا‏),‏ أي وثقه وشدده ويقال‏sad.gif‏ تحبك‏)‏ ثوبه أي التف به وشد‏(‏ الحبكة‏),‏ و‏(‏احتبك‏)‏ الثوب أي‏(‏ حبكه‏)‏ حول جسده‏,‏ و‏(‏احتبك‏)‏ بالإزار أي احتزم به‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ هي مشد الإزار أو ما يشد به الوسط‏,‏ و‏(‏المحبك‏)‏ هو مكان شد الإزار من الجسم‏,‏ و‏(‏الاحتباك‏)‏ شد الإزار‏,‏ و‏(‏الحبكة‏)‏ والحبيكة تطلق علي الحظيرة تكون بقصبات تعرض ثم تشد أو هي الطريقة في الرمل ونحوه اذا هبت عليه رياح لطيفة أو أمواج متحركة‏,‏ والجمع‏(‏ حباك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ و‏(‏حبائك‏),‏ فالتموجات التي تظهر علي صفحة الرمل اذا هبت عليه الرياح أو جرت عليه التيارات المائية تسمي‏(‏ حبكا‏)‏ و‏(‏حبائك‏)‏ ومفردها‏(‏ حبيكة‏)‏ أو ما يطلق عليه إلى وم اسم علامات النيم‏,‏ ودرع الحديد لها حبك‏.‏

و‏(‏الحبيكة‏)‏ وجمعها‏(‏ حبائك‏)‏ و‏(‏حبك‏)‏ هي الطريق من خصل الشعر ونحوه‏,‏ فالشعرة الجعدة تكسرها‏(‏ حبك‏),‏ وفي حديث الدجال أن شعره‏(‏ حبك‏),‏ وعلي ذلك يقال‏:‏ فلان رأسه‏(‏ حبك‏)‏ أي شعر رأسه متكسر من الجعودة‏.‏

وقد جاءت لفظة‏(‏ الحبك‏)‏ في القرآن الكريم مرة واحدة فقط‏,‏ وذلك في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى ‏):‏ والسماء ذات الحبك‏*‏

ومن الاستعراض اللغوي السابق‏,‏ يتضح أن من معاني ذلك‏:‏

‏1‏ ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق‏.‏

‏2‏ ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم‏.‏

‏3‏ ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها‏.‏

‏4‏ ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها‏.‏

 

آراء المفسرين

في تفسير القسم القرآني‏:‏ والسماء ذات الحبك ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ قول ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏):‏ ذات الحبك أي ذات الجمال والبهاء‏,‏ والحسن والاستواء‏,‏ أي ذات الخلق الحسن المستوي‏,‏ وهو ما قال به أيضا كل من مجاهد‏,‏ وعكرمة‏,‏ وسعيد بن جبير‏,‏ والسدي‏,‏ وقتادة وغيرهم من قدامي المفسرين‏(‏ يرحمهم الله جميعا‏).‏

كذلك أشار ابن كثير إلى قول الضحاك‏(‏ يرحمه الله‏):‏ الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق‏,‏ فذلك الحبك‏,‏ وإلى قول أبي صالح‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ان ذات الحبك أي ذات الشدة‏,‏ وإلى قول خصيف‏(‏ رحمة الله عليه‏)‏ ان ذات الحبك‏,‏ تعني ذات الصفاقة أي الشفافية والرقة‏,‏ وإلى قول الحسن البصري‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنها حبكت بالنجوم‏,‏ وإلى قول عبدالله بن عمرو‏(‏ رحمه الله‏):‏ والسماء ذات الحبك‏,‏ يعني السماء السابعة‏,‏ ويلخص ابن كثير كل هذه الأقوال بأنها ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏),‏ فإنها من حسنها مرتفعة‏,‏ شفافة‏,‏ صفيقة‏,‏ شديدة البناء‏,‏ متسعة الأرجاء‏,‏ أنيقة البهاء‏,‏ مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات‏,‏ موشحة بالكواكب الزاهرات‏.‏

وذكر مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏)‏ أن الله‏(‏ تعالى ‏):‏ أقسم بالسماء ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب‏,‏ وهي من بدائع الصنع‏,‏ جمع‏(‏ حبيكة‏),‏ كطريقة وزنا ومعني‏,‏ أو‏(‏ حباك‏)‏ كمثل ومثال‏,‏ و‏(‏الحبيكة‏)‏ و‏(‏الحباك‏):‏ الطريقة في الرمل ونحوه‏,‏ ويقال‏sad.gif‏ حبك‏)‏ لما يري في الماء أو الرمل اذا مرت به الريح اللينة من التكسر والتثني‏,‏ أو ذات الخلق السوي الجيد‏,‏ من قولهم‏(‏ حبك‏)‏ الثوب‏(‏ يحبكه‏)(‏ حبكا‏),‏ أجاد نسجه‏,‏ وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد‏(‏ احتبكته‏),‏ وجواب القسم‏:‏ إنكم لفي قول مختلف‏*....‏

وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ يقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب‏,‏ كتنسيق الزرد‏(‏ أي الدرع‏)‏ المتشابك المتداخل الحلقات‏...,‏ وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد‏,‏ مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح‏,‏ وقد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة‏.‏

وذكر الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏)‏ في شرح قول الحق‏(‏ سبحانه وتعالى ‏):‏

والسماء ذات الحبك‏:‏ أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن‏.‏

 

السماء ذات الحبك في المفهوم العلمي

تفيد المعلومات المتوفرة عن الجزء المدرك من السماء الدنيا‏,‏ أن لتلك السماء من الصفات مايلي‏:‏

‏(‏أ‏)‏ أنها شاسعة الاتساع‏,‏ عظيمة البناء‏,‏ متقنة الخلق والصنعة‏.‏

‏(‏ب‏)‏ أنها ذات ترابط محكم شديد في كل جزئية من جزئياتها‏.‏

‏(‏ج‏)‏ أنها ذات كثافات متباينة في مختلف أجزائها‏.‏

‏(‏د‏)‏ أنها ذات مدارات محددة لكل جرم من أجرامها‏,‏ علي الرغم من تعاظم أعدادها واستمرارية سبحها‏.‏

 

‏(‏أ‏)‏ والسماء ذات الحبك‏,‏ بمعني ذات الإحكام في الخلق

يحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من الكون مائتي بليون مجرة علي الأقل‏,‏ وتتفاوت هذه المجرات في الشكل‏,‏ وفي الحجم‏,‏ وفي الكتلة‏,‏ وفي سرعة الدوران حول محورها‏,‏ وسرعة الجري في تباعدها عنا‏,‏ وفي مراحل تطور نجومها‏,‏ وفي ميلاد تلك النجوم واندثارها‏,‏ فمنها المجرات البيضانية‏,‏ والحلزونية‏,‏ وغير المنتظمة والغريبة في الشكل‏,‏ ومنها المجرات القزمة‏(‏ التي لا يكاد قطرها يتعدى‏3200‏ سنة ضوئية‏),‏ ومنها المجرات العملاقة‏(‏ التي يصل طول قطرها إلى ‏750,000‏ سنة ضوئية‏),‏ وتقدر كتلة أصغر المجرات المعروفة لنا بنحو مليون مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ بينما تصل كتلة أكبر المجرات المعروفة لنا بنحو تريليون‏(‏ أي مليون مليون‏)‏ مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ وتبلغ كتلة مجرتنا‏(‏ الطريق اللبني‏)‏ حوإلى ‏230‏ بليون مرة قدر كتلة شمسنا‏.‏

وتتجمع المجرات في مجموعات محلية ‏(LocalGroups)‏

تضم العشرات من المجرات ‏(Galaxies),‏

وتلتقي المجموعات المحلية في وحدات أكبر تسمي باسم التجمعات المجرية ‏GalacticClusters),‏

التي تضم مئات إلى عشرات الآلاف من مختلف أنواع المجرات‏,‏ والتي تعرف العلماء علي آلاف منها‏,‏ وتلتقي تلك في وحدات أكبر تعرف باسم

(‏ المجموعات المحلية العظمي‏) (TheLocalSupergrups)‏

التي تتجمع بدورها في وحدات أكبر تعرف باسم التجمعات المجرية العظمي

‏(GalacticSuperclusters)‏

والتي تحوي مائة تجمع مجري‏,‏ وقد حصي علماء الفلك منها‏16‏ تجمعا في مسافة تقدر بحوالي عشرين بليون سنة ضوئية منا‏,‏ وترتقي التجمعات المجرية العظمي إلى وحدات أعظم‏,‏ تعرف باسم تجمعات التجمعات المجرية العظمي ‏(ClustersofGalacticSuperclusters)‏

إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏(‏ تعالى ‏).‏

 

أ ـ شدة تماسك أجزاء السماء من مرحلة الايونات إلى مرحلة الذرات إلى بداية الاندماج النووى وتخليق العناصر وتكون المجرات

ب ـ مدارات كواكب المجموعة الشمسية شديدة الاحكام

 

والتجمع المجري الأعظم الذي تنتسب إلى مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية علي هيئة قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية‏,‏ وسمكه عشر ذلك‏(‏ أي عشرة ملايين من السنين الضوئية‏)‏ وهي نفس النسبة بين طول قطر مجرتنا وسمكها‏.‏

وقد اكتشف مؤخرا تجمع مجري عظيم يبلغ طوله بليون ونصف البليون من السنين الضوئية‏,‏ ومائتي مليون سنة ضوئية في أقصر أبعاده‏.‏

وتدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بحوالي‏150‏ مليونا‏*100‏ مليون‏*15‏ مليونا من السنين الضوئية‏,‏ ووصل أطولها إلى ‏250‏ مليون سنة ضوئية‏,‏ وتسمي باسم الحائط العظيم ‏(TheGreatWall)‏

وبعد إطلاق القمر الصنعي المعروف باسم مستكشف الخلفية الإشعاعية للكون في سنة‏1989‏ م تمكن العلماء من إدراك ستة نطق متمركزة حول ما يعتقد بأنه مركز الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون‏,‏ وذلك علي النحو التإلى ‏:‏

‏(1)‏ نطاق الانفجار العظيم‏(‏ نطاق كرة النار الأولي‏):‏

ويمتد بقطر يقدر بحوالي بليون سنة ضوئية حول نقطة يعتقد بأنها مركز الانفجار الكوني العظيم‏.‏

‏(2)‏ النطاق الغامض‏:‏ ويضم سحبا بيضاء كثيفة تحيط نطاق الانفجار العظيم بسمك يصل إلى بليوني سنة ضوئية‏.‏

‏(3)‏ النطاق بعد النطاق الغامض‏:‏ ويضم سحبا من دخان السماء تغلف النطاق الغامض بسمك يتراوح بين بليونين إلى ثلاثة بلايين من السنين الضوئية‏.‏

‏(4)‏ نطاق أشباه النجوم السحيقة‏:‏ ويضم أكثر أشباه النجوم بعدا عنا‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي خمسة بلايين من السنين الضوئية حول النطاق السابق‏.‏

 

‏(5)‏ نطاق أشباه النجوم القديمة‏:‏ ويضم أقرب أشباه النجوم إلينا ‏,‏ ويمتد بسمك يقدر بحوالي سبعة بلايين من السنين الضوئية حول نطاق أشباه النجوم السحيقة‏.‏

‏(6)‏ نطاق المجرات‏:‏ ويحيط النطق السابقة كلها بسمك يقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين الضوئية‏.‏

وعلي ذلك‏,‏ فإن قطر الجزء المدرك من السماء الدنيا يقدر بحوالي‏23‏ بليون سنة ضوئية علي الأقل‏.‏

ومجرتنا‏(‏ سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني‏)‏ تعتبر في هذا الحشد هباءة منثورة في السماء الدنيا‏,‏ التي لا يعلم حدودها إلا الله‏(‏ تعالى ‏).‏ وهي عبارة عن قرص مفرطح يبلغ طول قطره حوالي مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ ويبلغ سمكه عشرة آلاف من السنين الضوئية‏,‏ ويضم ما بين مائة بليون إلى تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم في مراحل مختلفة من العمر‏,‏ منها نجوم النسق العادي كشمسنا‏,‏ ومنها العمإلى ق الحمر‏,‏ والعمإلى ق الكبار‏,‏ ومنها النجوم الزرقاء شديدة الحرارة‏,‏ ومنها الأقزام البيض الباردة نسبيا‏,‏ ومنها النجوم النيوترونية‏,‏ والنجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏)‏ ومنها أشباه النجوم وغيرها‏.‏

وكما أن لشمسنا توابع من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات التي تكون مجموعتنا الشمسية‏,‏ فإنه من المنطقي أن يكون لكل نجم من هذه الملايين من النجوم توابعه الخاصة به‏.‏

وتقدر كتلة مجرتنا‏(‏ سكة التبانة‏)‏ بحوالي ‏4,6*3810‏ طن‏,[‏ أي بمائتين وثلاثين بليون مرة قدر كتلة شمسنا‏(‏ والمقدرة بحوالي ‏333,000‏ مرة قدر كتلة الأرض والمقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏)].‏

وتدور مجرتنا دورة كاملة حول مركزها في مدة تقدر بحوالي ‏250‏ مليون سنة من سنيننا‏,‏ وهذا هو يومها‏.‏

والنجوم في مجرتنا إما مفردة أو ثنائية أو عديدة‏,‏ وهي تدور جميعا حول مركز المجرة بطريقة موازية أو متعامدة أو مائلة علي خط استواء المجرة‏.‏

ولمجرتنا نواة تحتوي علي حشد كثيف من النجوم‏,‏ وحلقة من غاز الإيدروجين تدور حوله‏,‏ ويمتد قطر النواة لعشرات السنين الضوئية حول المركز الهندسي للمجرة‏,‏ والنواة ذات نشاط إشعاعي واضح بما يشير إلى وجود نجم خانس كانس‏(‏ ثقب أسود‏)‏ في مركزها تقدر كتلته بمائة مليون مرة قدر كتلة شمسنا‏,‏ ويحيط بنواة المجرة انبعاج يعرف باسم الانبعاج المجري‏,‏ كما يحيط بالانبعاج المجري قرص المجرة بسمك يصل إلى ستين ألف سنة ضوئية‏,‏ ويتكون من نجوم و غازات وأتربة‏(‏ دخان‏)‏ تزيد كتلتها عن نصف كتلة المجرة‏,‏ وتبعد شمسنا عن مركز القرص بمسافة ثلاثين ألف سنة ضوئية‏,‏ وعن أقرب أطراف المجرة بمسافة عشرين ألف سنة ضوئية‏,‏ وتجري شمسنا ومعها مجموعتها الشمسية‏(‏ شمس‏+‏ تسع كواكب علي الأقل‏+61‏ قمرا‏+‏ عدد من الكويكبات والمذنبات‏)‏ حول مركز المجرة بسرعة تقدر بثلاثمائة كيلومتر في الثانية‏,‏ لتتم دورتها في مائتي مليون سنة‏,‏ ولمجرتنا أربعة أذرع حلزونية تبلغ سمك أطرافها‏2600‏ من السنين الضوئية‏,‏ ويحيط بها هالة اسطوانية تمتد إلى مائتي ألف سنة ضوئية طولا‏,‏ وعشرين ألف سنة ضوئية سمكا‏.‏

وهالة مجرتنا تنقسم إلى نطاق داخلي يضم عددا من النجوم المتباعدة عن بعضها البعض‏,‏ ونطاق وسطي سميك يتكون من مادة قاتمة و غازات منخفضة الكثافة‏,‏ ونطاق خارجي علي هيئة حزام إشعاعي يمتد إلى مسافات شاسعة‏.‏

وتجري مجموعتنا الشمسية في وضع مائل علي خط استواء المجرة‏,‏ دون تصادم أو خروج عن مداراتها المحددة‏.‏

ويعتقد بوجود أكثر من نجم خانس كانس في مجرتنا‏,‏ بالإضافة إلى الموجود في مركزها‏,‏ تم اكتشاف أحدها في سنة‏1971‏ م في كوكبة الدجاجة مع نجم مرئي مرافق تقدر كتلته بحوالي ثلاثين مرة قدر كتلة الشمس‏.‏

وكل من المادة والطاقة يتحرك في مجرتنا ـ كما يتحرك في كل الجزء المدرك من السماء الدنيا ـ من أجرام تلك السماء إلى دخانها وبالعكس في حركة شديدة الانضباط والإحكام‏,‏ فالنجوم الابتدائية تتولد من التكثف الشديد لدخان السماء فيما يعرف باسم السحب الجزيئية فتنكمش تلك السحب الكثيفة‏,‏ وتنهار مادتها في المركز بمعدل أسرع من انهيارها في الأطراف‏,‏ ولأن النواة المنهارة تدور بسرعات فائقة‏,‏ فإن أجزاءها الخارجية تتشكل علي هيئة قرص‏,‏ وتظل عملية تكثيف المادة وتراكمها في تصاعد مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة النواة باطراد‏,‏ حتى تصل إلى الدرجة اللازمة لبدء التفاعلات النووية‏,‏ فيولد النجم‏.‏

ونجوم النسق الرئيسي تمثل المرحلة الأساسية في حياة نجوم السماء الدنيا‏(‏ حيث تمثل‏90%‏ من حياة النجم‏),‏ وعند الشيخوخة تسلك النجوم الهرمة مسلكا من اثنين حسب كتلة المادة والطاقة فيها‏,‏ فإذا كانت كتلة النجم في حدود‏1,4‏ من كتلة الشمس‏,‏ فإنه يتوهج بدرجة فائقة علي هيئة عملاق أحمر ثم يتحول إلى نجم أزرق شديد الحرارة وسط هالة من الايدروجين المتأين‏(‏ أي الحامل لشحنة كهربائية‏)‏ يعرف باسم السديم الكوكبي الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة تعرف باسم القزم الأبيض‏,‏ وقد تدب الحياة مرة أخري في ذلك القزم الأبيض‏,‏ فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر‏,‏ ويعود قزما أبيض أكثر من مرة حتى ينتهي به العمر فينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الأول وتنتهي مادته وطاقته إلى دخان السماء فتدخل أو لا تدخل في دورة ميلاد نجم جديد‏.‏

أما اذا تراوحت كتلة النجم بين‏1,4‏ من كتلة الشمس إلى ثلاثة أضعاف كتلة الشمس‏,‏ فإن توهجه يزداد زيادة ملحوظة في شيخوخته متحولا إلى عملاق أعظم

‏(Supergiant),‏ ثم ينفجر علي هيئة مستعر أعظم من النسق الثاني ‏(TypeIISupernova)‏

عائدا جزئيا إلى دخان السماء علي هيئة بقايا المستعر الأعظم

‏(SupernovaRemnants),‏

ومكدسا جزءا من كتلته علي هيئة ما يعرف باسم النجم النيوتروني ‏(NeutronStar)‏

وهو نجم قزم‏,‏ منكدر‏,‏ لا يتعدى قطره ستة عشر كيلومترا‏,‏ سريع الدوران حول محوره بمعدلات فائقة‏,‏ تنتج أحيانا تيارا من الموجات الراديوية التي يمكن الاستدلال عليه بها‏,‏ لما تبثه من نبضات راديوية منتظمة يمكن تسجيلها بواسطة المرقاب الراديوي‏.‏

واذا تعدي حجم النجم ثلاثة أضعاف كتلة الشمس‏,‏ فإن ناتج الانفجار يكون نجما خانسا كانسا‏(‏ ثقبا أسود‏).‏

هذه الصورة للجزء المدرك من الكون تعكس شيئا عن ضخامة ذلك البناء‏,‏ ودقة بنائه‏,‏ وشساعة أبعاده‏,‏ وإتقان صنعته‏,‏ وروعة خلقه‏,‏ وإحكام كل جزئية فيه وهي من معاني‏(‏ حبك‏)‏ الصنعة‏,‏ ومن هنا كان وصف السماء بأنها ذات‏(‏ حبك‏).‏

 

‏(‏ب‏)‏ السماء ذات الحبك بمعني ذات الترابط المحكم الشديد‏

ج ـ شدة الترابط في داخل نواة ذرة الكربون 10ـ 11 ملليمتر

د ـ مجرة حلزونية بها بلاين النجوم المرتبطة بالجاذبية هذه الأعداد المذهلة مما عرفنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا‏(‏ وهي لا تمثل أكثر من‏10%‏ من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك‏),‏ لابد لها من قوي تعمل علي إحكام تماسكها بشدة‏,‏ وتماسك مختلف الأجرام وصور المادة وأشكال الطاقة فيها‏,‏ و إلا لزالت وانهارت‏,‏ وسبحان القائل‏:‏

إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا‏*)(‏ فاطر‏:41).‏

ولله في إمساك السماوات والأرض عدد من السنن‏,‏ والقوي التي استطاع الإنسان التعرف علي شيء منها‏,‏ كمايلي‏:‏

‏(1)‏ القوة الشديدة أو القوة النووية

وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة‏(‏ من مثل البروتونات والنيوترونات‏),‏ وعلي التحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي‏(‏ التي تتم بداخل النجوم‏),‏ وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا في مادة الجزء المدرك من الكون‏,‏ ولو أن هذه الشدة البالغة عبر الأبعاد الضئيلة تتضاءل بشدة عبر المسافات الكبيرة‏,‏ فدورها يكاد يكون منحصرا في داخل نوي الذرات‏,‏ وبين تلك النوى ومثيلاتها‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي اللاحمة أو جليون

‏(Gluon)‏ لم تكتشف إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين‏.‏

‏(2)‏ القوة الضعيفة‏:‏ وتساوي‏10‏ ـ‏13‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتعمل علي تفكك الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة‏,‏ كما يحدث في تحلل العناصر المشعة‏,‏ وتؤثر علي جميع أنواع تلك الجسيمات‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات تسمي البوزونات ‏(Bosons)‏

وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة‏.‏

‏(3)‏ القوة الكهرومغناطيسية‏:‏ وتساوي‏137/1‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتؤدي إلى حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات أو ما يعرف باسم الكم الضوئي تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر علي جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية‏.‏

‏(4)‏ قوة الجاذبية‏:‏وهي أضعف القوي المعروفة علي المدى القصير‏(10‏ ـ‏39‏ من القوة النووية الشديدة‏),‏ ولكن نظرا لطبيعتها التراكمية فإنها تتزايد باستمرار علي البعد حتى تصبح القوة الحاكمة علي اتساع السماء والأرض‏(‏ أي علي اتساع الكون‏)‏ بعد إرادة الله الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏),‏ حيث تمسك بمختلف أجرام السماء وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها‏,‏ والنجوم ومجموعاتها‏,‏ والتجمعات النجمية بمختلف مراتبها‏(‏ المجرات‏,‏ التجمعات المحلية‏,‏ التجمعات المجرية‏,‏ التجمعات المحلية العظمي‏,‏ التجمعات المجرية العظمي إلى نهاية لا يعلمها إلا الله‏),‏ وأشباه النجوم‏,‏ و السدم‏,‏ وغير ذلك من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ صفحة السماء‏,‏ ولولا هذا الرباط الذي أوجده الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏)‏ لانفرط عقد الكون‏.‏

ويفترض وجود قوة الجاذبية علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد‏,‏ اقترح لها اسم الجسيم الجاذب أو الجرافيتون

‏(Graviton),‏ ويعتقد أنه يتحرك بسرعة الضوء‏.‏

وسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق‏:‏

الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها‏...*‏ ‏(‏الرعد‏:2)‏

وذلك قبل تعرف الإنسان علي قوة الجاذبية بأكثر من عشرة قرون‏.‏

وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية‏,‏ يحاول العلماء جمع كل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة فيما يسمي باسم القوة الكهربائية الضعيفة‏,‏ حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا‏,‏ كما يحاولون جمع كل من القوة الكهربية الضعيفة والقوة النووية في قوة واحدة في عدد من النظريات تسمي نظريات التوحيد الكبرى‏,‏ وجمع كل ذلك مع الجاذبية فيما يسمي بالجاذبية العظمي يعتقد العلماء أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء الخلق‏,‏ ثم تمايزت إلى القوي الأربع المعروفة لنا إلى وم‏,‏ والتي ليست سوي أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة‏,‏ التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏.‏

وفي محاولة لجمع كل القوي المعروفة لنا في قوة واحدة اقترح علماء الفيزياء النظرية‏,‏ ما يعرف باسم نظرية الخيوط العظمي والتي تفترض أن اللبنات الأساسية للمادة تتكون من خيوط طولية في حدود‏10‏ ـ‏35‏ من المتر‏,‏ تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية في الصغر‏,‏ وتقترح النظرية وجود مادة خفية تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية‏.‏

وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء‏,‏ بأنها ذات حبك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها‏,‏ من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة‏,‏ إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي إلى كل الكون‏.‏

 

‏(‏ج‏)‏ والسماء ذات الحبك بمعني ذات الكثافات المتباينة في مختلف أجزائها‏.‏

يتفاوت متوسط كثافة المادة في صفحة السماء الدنيا‏,‏ بين واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏(1*10‏ ـ‏15‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في أشباه النجوم‏,‏ إلى حوالي ‏14‏ من ألف من الجرام للسنتيمتر المكعب في العماليق العظام‏(‏ أي واحد من مائة من كثافة الشمس‏)‏ إلى ‏1,41‏ جرام للسنتيمتر المكعب في شمسنا‏,‏ إلى طن واحد للسنتيمتر المكعب‏(610‏ جرامات‏/‏سم‏3)‏ في الأقزام البيض‏,‏ إلى بليون طن للسنتيمتر المكعب‏(1510‏ جرامات‏/‏سم‏3)‏ في النجوم النيوترونية‏,‏ إلى أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏).‏

واذا انتقلنا من أجرام السماء إلى المادة بين كل من النجوم والمجرات‏,‏ والمادة في السدم وفي دخان السماء‏,‏ وجدنا درجة أخري من التباين في كثافة المادة السماوية‏,‏ يجعلها تبدو مجعدة كتجعد الرمل وغيره من الفتات الصخري‏,‏ إذا مرت به أمواج المياه المندفعة‏,‏ أو تيارات الرياح اللينة فتحدث بها من التكسر والتثني ما ينطبق مع المدلول اللغوي للفظة‏(‏ الحبك‏).‏

وتتجسد هذه الصورة في داخل مختلف هيئات تجمع المادة في صفحة السماء من المجموعات النجمية من مثل مجموعتنا الشمسية إلى المجرات‏,‏ إلى التجمعات المجرية العظمي في داخل كل وحدة من تلك الوحدات البانية للسماء الدنيا‏,‏ وبين كل وحدة والوحدات المشابهة لها والأعلي منها رتبة‏.‏

 

‏(‏د‏)‏ والسماء ذات الحبك بمعني ذات المدارات‏(‏ الطرق‏)‏ المحددة لكل جرم من أجرامها‏.‏

من الأمور المبهرة حقا في الجزء المدرك من السماء الدنيا‏,‏ كثرة الأجرام فيها بصورة لا يكاد الإنسان يحصيها‏,‏ وتعدد مسارات تلك الأجرام‏,‏ وتباين مستوياتها‏,‏ دون أدني قدر من التضارب أو الاصطدام إلا بالقدر المقنن والمحسوب بدقة بالغة لحكمة بالغة‏,‏ حتى في لحظات احتضار النجوم وانكدارها‏,‏ وطمسها‏,‏ ثم انفجارها وتناثر أشلائها‏,‏ وتبخر مادتها‏,‏ وكذلك في لحظات انفجار الكواكب وتناثرها علي الرغم من كثرة المسارات وتعدد الحركات للجرم الواحد‏.‏

ومن هنا نفهم من القسم القرآني بـ والسماء ذات الحبك شمول تلك المدارات المخططة بدقة فائقة‏,‏ بالإضافة إلى روعة البناء‏,‏ وإحكام الترابط‏,‏ وتباين الكثافات‏,‏ وكلها من معاني هذا الوصف المعجز ذات الحبك‏.‏

فسبحان الذي أنزل هذا الوصف القرآني من فوق سبع سماوات‏,‏ ومن قبل ألف وأربعمائة من السنين‏,‏ أنزله بعلمه الشامل‏,‏ الكامل‏,‏ المحيط‏,‏ ليصف بلفظة‏(‏ الحبك‏)‏ هذا الكم من صفات السماء‏,‏ التي لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لها غير الإله الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى ‏).‏

وقد يري القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن‏,‏ لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد‏,‏ وليس هذا لغير كلام الله‏...!!!‏

وتبقي هذه اللمحات الكونية في كتاب الله ـ في اتساع دلالاتها مع الزمن في تكامل لا يعرف التضاد ـ مصدقة لقول الحق‏(‏ تبارك و تعالى ‏):‏

ولتعلمن نبأه بعد حين‏*(‏ ص‏:88)‏ ولقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏

لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون‏*(‏ الأنعام‏:67)‏ ولقوله‏(‏ سبحانه‏):‏

سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد‏*(‏ فصلت‏:53)‏

وتبقي أيضا تصديقا لنبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في وصفه للقرآن الكريم بأنه لا يخلق علي كثرة الترداد‏,‏ ولا تنقضي عجائبه‏

 

 

smile.gif

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×