لغز المادة المتحولة في نجوم النيوترون والبولسار

[فاطمة 0]

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

لغز المادة المتحولة في نجوم النيوترون والبولسار

 

هي نجوم مضغوطة جدا ً ، لايزيد نصف قطرها عن 10 كم رغم أن كتلتها تعادل تقريبا ً كتلة الشمس . وأغلب مادة النجم النيوتروني قد تحولت إلى مادة أخرى مختلفة تماما ً وخاصة كلما اتجهنا نحو مركز النجم والمركز نفسه من جسيمات مختلفة للغاية وغير موجودة في الطبيعة مثل جسيمات الكوارك Quark والبايون Pion ، وحول المركز نيوترونات في حالة سيولة فائقة Neutron Super Fluid ثم طبقة متماسكة سطحية من المادة المتحولة ويطلق النجم النيوتروني فيضا ً هائلا ً من النيوترونات المحايدة على هيئة أشعة أكس وأشعة جاما مع جسيمات نيوترينو غزيرة والسطح نابض وغير متزن يعلو ويهبط ، كما أن للنجم مجالا ً مغناطيسيا ً قويا ً ، ويدور حول نفسه بسرعة .

 

ونجم النيوترون هو مركز النجم العملاق أو فوق العملاق الذي تحول إلى سوبر نوفا بالانكماش ثم انفجر بعنف فالنجوم العملاقة التي يزيد كتلتها عن حد ( شاندرا ساخار ) وهو 1.4 مرة قدر كتلة الشمس ، فإنها تتحول إلى نجوم نيوترون أو ثقب أسود إذ كانت كتلتها عظيمة . أما إذا كان للنجم كتلة أقل من هذا الحد – كالشمس مثلا ً – فإنه يتحول إلى قزم أبيض ، وهذا أيضا ً مركز النجم المحتضر الذي حدث له انفجار مماثل تخلص فيه من سطحه وغلافه الجوي ، وكلا النوعين من المادة المتحولة أيضا ً ، ولكن نجم النيوترون مادته من تحول البروتون الموجب ، أما القزم الأبيض فمادته من تحول الإليكترون السالب .

 

فالنجم العملاق أو فوق العملاق عندما يفتقد الطاقة في نهاية حياته ، مع استمرار ارتفاع الحرارة في داخله إلى مئات الملايين كيلفين وتكون الحديد ، فإنه يبدأ الانكماش نحو الداخل مما يزيد من ارتفاع درجة الحرارة تحت ثقله إلى آلاف الملايين كيلفين ، ويحدث الانفجار خلال ساعات في المادة الموجودة بين المركز والسطح ، والضغط الخارجي يطيح بالسطح والغلاف الجوي . أما الضغط الداخلي نحو المركز فيجبر الإليكترونات على الالتحام مع البروتونات فتتحول إلى نيوترونات محايدة هي التي تتبقى بعد انفجار النجم ويزداد تقلصها نحو النواة بطريقة عنيفة للغاية ، والنجم يتوازن هنا بطريقة غريبة جدا ً ، فليس هناك تفاعلات نووية في الداخل وبالتالي ضغط حراري يقابل قوى الجاذبية نحو الداخل ويتم التوازن بحركة البروتونات السريعة التي تصل إلى سرعة الضوء كلما زاد الضغط نحو الداخل وهي التي تعمل على التوازن ضد الجاذبية والانسحاق نحو الداخل .

 

ونتيجة لهذا الضغط الشديد نحو المركز فإن درجة الحرارة تصل إلى عدة ملايين كيلفين ، ولكن ليس هناك تفاعلات نووية ، وكلما زاد الضغط نحو الداخل ، تسرع النيوترونات المتحولة في حركتها حتى تقابل هذا الضغط وتعمل على التوازن .

 

أما في نجوم الأقزام البيضاء فالمادة المتحولة في هذه الحالة هي الإلكترونات التي تسرع في حركتها حتى تصل إلى قرب سرعة الضوء ، لتعمل على توازن النجم ضد الجاذبية الذاتية نحو الداخل . وكلما كان للقزم الأبيض كتلة أكبر نقص نصف قطره ، وهكذا أيضا ً النجوم النيوترونية فأكثرها كثافة وأكبرها كتلة أقلها حجما ً ، أي عكس ما يحدث للنجوم الأخرى العادية .

 

وتحول المادة Degenerate of Matter شيء لا يحدث في الطبيعة أو في المعامل ، لأنه ضد النظرية الكمية والنظرية الذرية الحالية ، فطبقا ً لهذه النظريات فإنه لا يمكن لجسمين أن يتواجدا في نفس المكان وبنفس السرعة ، ولذلك فإن المادة المتحولة داخل القزم الأبيض أو نجم النيوترون لا تتبع بأي حال من الأحوال هذه القوانين . وهو مايعرف في الميكانيكا الكمية بمبدأ استبعاد باولي Pauli Exclusion Prunciple والذي يؤكد أنه لا يمكن للجسيمات التي لها نفس السرعة أن تقترب أكثر من اللازم أو مسافة معينة من بعضها البعض . فالمادة المتحولة في نجوم النيوترون تتشكل عندما تلتحم الإليكترونات مع البروتونات مكونة نيوترونات ذات سرعة كبيرة جدا ً تقترب من سرعة الضوء . وحركة النيوترونات السريعة هذه تماثل الضغط الداخلي للنجم بدلا ً من التفاعلات النووية . أي أن توازن نجوم النيوترون تعتمد على التنافر بين النيوترونات طبقا ً لمبدأ استبعاد باولي . ويحدث ذلك أيضا ً في نجوم البولسار التي هي أصلا ً نجوم نيوترون ولكنها تدور بسرعة شديدة جدا ً .

أما المادة المتحولة في نجوم الأقزام البيضاء فتستمد ضغطها الداخلي من التنافر بين الإليكترونات طبقا ً لمبدأ استبعاد باولي . وفي الثقوب السوداء لا أحد يعرف بالضبط طبيعة المادة المتحولة في داخلها ، ولكن يعتقد أن مادتها المتحولة تعتمد على التنافر بين البروتونات ، أو بين جسيمات المادة المضادة Anti Matter .

والمادة الطبيعية في عالمنا تزن 10 جرامات / سم 3 . وفي المادة المتحولة داخل الأقزام البيضاء تزن طنا ً / سم 3 . وفي نجوم النيوترون والبولسار تزن المادة المتحولة 100 مليون طن في سم 3 . وفي الثقوب السوداء أكثر من ذلك بكثير ، وربما لانهائي . فالمادة المتحولة في هذه النجوم Degenerate Matter لها بحوث خاصة جدا ً ، وفرع خاص في النظرية الكمية باسم التحول الكمي Quantum Fluctuation .

أما النجوم البولسار فقد اكتشفت لأول مرة 1968 بواسطة فريق من علماء الفلك من جامعة كامبريديج البريطانية ، وهو البولسار CP-1919 حيث وجد أن له دورة حول نفسه كل 1.3 ثانية ، وبعد ذلك بعام عثر على البولسار NP-0531 وسط سديم السرطان وله أيضا ً دورة قصيرة . أما البولسار PSR-1937+21 فله دورة سريعة جديدة تصل إلى 600 دورة في الثانية ، وقد اكتشف عام 1987 نجم بولسار سرعة دورانه عالية جدا ً حول نفسه تصل 1200 دورة / ث . ونجم البولسار PULSAR هو أصلا ً نجم نيوترون ، ولكن في حين أن نجم النيوترون يدور بسرعة مرة كل عدة أيام ، فإن البولسار يدور حول نفسه بجنون . وليس من المتصور كيف يدور نجم قطره 20 كم حول نفسه 1200 مرة في الثانية ، وخلال هذا الدوران العنيف يطلق البولسار نفاثات هائلة من جانبي محور دورانه من الجسيمات المشحونة على هيئة أشعة جاما ، وأشعة أكس تمثل خفضا ً لكتلته . كما أن له مجالا ً مغناطيسيا ً عارما ً يميل أيضا ً على محور دورانه ، وفي الجانب الآخر من النجم توجد منطقتان من البلازما من الجسيمات الحرة ، وهي حالة وسط بين الحالة الغازية والإشعاع .

وللبولسار أيضا ً طاقة كهربائية عالية نتيجة هذا الدوران تصل إلى 10 آلاف مليون مليون فولت لكل دورة حول نفسه . وقد يشترك نجم بولسار مع نجم آخر في الدوران حول نقطة الجذب المشتركة مثل البولسار PSR-1913 الذي يشترك مع نجم غير مرئي ، ويدور حول النقطة المشتركة مرة كل 7 ساعات و45 دقيقة رغم المدار الواسع الذي يقطعه في نفس الوقت الذي يدور حول نفسه بجنون ، وليس هناك تفسير لماذا يتحول نجم نيوترون سريع إلى نجم بولسار يدور بسرعة عالية هكذا وربما يمثل مرحلة في تطور النجم النيوترون حيث أنه من مادة متحولة .

انتهى

راجع موسوعة علم الفضاء / د/ جلال عبد الفتاح / الجزء الثاني .

تحياتي

وشكرا ً