Jump to content

blackhook1144

الأعضاء
  • Content Count

    1
  • Joined

  • Last visited

Community Reputation

0 Neutral

About blackhook1144

  • Rank
    عضو جديد

Previous Fields

  • الدوله
    bahrain
  1. السلام عليكم... لقد وقف الرسول في باحة مسجد (قبا)، أول مسجد في الإسلام، وتلقى الأمر الإلهي بالتعليم المتضمن في صيغة وصفية: (يعلمهم الكتاب والحكمة)129/2، فقال: (إنما بعثت معلما، بالتعليم أرسلت)، فأخذ يعلم المسلمين المتجمهرين حوله - في صورة حلقات- تأويل القرآن، فصرف الخطاب القرآني على سبعة حروف، وسبعة وجوه، وسبع قراءات، فتمدد الخطاب القرآني في سياق اللاتناهي، المرموز له برقم سبعة في قوله تعالى: (والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات ربي)27/31، فكانت دروسه ومحاضراته التي ألقاها في إطار تعليم المسلمين، هي التي نقدمها ههنا... فان تختلف العبارة، فان الفكرة والمصطلحات والقواعد هي هي، بشهادة التراث النبوي ... علم التأويل لقد تلخص دور الرسول المؤسس لكيان الأمة المسلمة، بربط ذلك الكيان بمرجعية الكتاب المقدس الذي يهبها نظام الحياة. وهذا الدور من شأنه أن يجعل الرسول مهتما بتلك العلاقة اهتماما بالغا، كي لا تنفك تلك العروة فتتخلى الأمة عن مرجعية القرآن، أو ترتبط بها بصورة شكلية خلو من أي معنى. لذلك رصد تطور علاقة الأمة بمرجعية الكتاب العزيز على امتداد الزمن القادم، وافرد له حيزا هاما من خطابه، بحيث أضحى البحث عن حقيقة وضع الأمة في علاقتها بالقرآن، اليوم، يمكن الكشف عن معالمها من خلال الالتجاء إلى بيانات الرسول المستقبلية، المشتقة من الخطاب القرآني المتنبئ، الذي لم يتخلف عن تسليط الضوء على معالم الأزمة وتشخيص تلك العلاقة المفصلية التي فيا ترتبط الأمة بمرجعية الكتاب، وما سيطرأ عليها من تطورات وتحولات سلبية الطابع. فنكتشف أن واقع القرآن في فكر الأمة اليوم ومنذ قرون خلت، يعد متجاوزا إلى حد الهجر والنبذ، تحقيقا للنبوءة القرآنية: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)30/25، وانطلاقا من هذا الخطاب القرآني استنبط الرسول حديثه: «سيأتي على الناس زمان القرآن، في واد وهم في واد»، وترجم هذا الهجر للكتاب العزيز، بتحول الأمة إلى التماس الهدى من غير القرآن، وذلك عندما ألف الآباء كتبا اتبعوها وتركوا القرآن، إتباعا للنموذج التاريخي الذي مثله بنو إسائيل، والذي تنبأ الرسول بإتباع الأمة له احتذاءً وإقتداء: «يَكُونُ فِي هَذِهِ الأمة كُلُّ مَا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وحَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ »( من ‏لا يحضره ‏الفقيه: 1/203)، ومما فعلته بنو إسرائيل فيما يتعلق بشأن الكتاب ما يذكره الحديث: «إن بني إسرائيل ألّفوا كتابا واتبعوه وتركوا التوراة»( الهندي، كنز العمال، ح(1089).). وكذلك فعلت الأمة، حيث اتبعت أجيال الأبناء على هذا، وهو ما مكن لظاهرة نبذ الكتاب: (فنبذوه وراء ظهورهم)187/3. وأضحت علاقة الأمة بالكتاب، منذ قرون، تقتصر على القراءة، تلاوة وتجويدا وحفظا، لتصبح بمثابة أمة بني إسرائيل: (لا يعلمون الكتاب إلا أماني)78/2، أي إلا قراءات، ومن هذه الآية القرآنية انطلق الرسول عندما تحدث عن ظاهرة القرّاء الذين يقرؤون القرآن«لا يجاوز تراقيهم»، وهكذا تحقق في الأمة جانب النبوءة الذي يتحدث عن انحسار علم الكتاب، مما قصر حصروه على الرسم: «ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره»، فافتقدت الأمة بذلك القدرة على فهم كنوز الكتاب الفكرية والعلمية، وعجزت عن الاهتداء إلى تفصيل مجملاته أو استنباط بطونه، وعوضت عن ذلك بالاهتمام الشكلي والفني القائم على الاعتناء برسم الخط القرآني، والزخرفة لحواشيه، والحرص على طبعه طبعات فخمة وأنيقة، ثم حرصت على تلاوته وتجويده، واقتصر علمها على المعاني المعجمية، بينما قام الى جانب هذا التوجه توجه اخر، يقوم على التفسير الباطني للكتاب، المتجاوز للظواهر. وقام اتجاه ثالث بينهما على العبور من الظاهر الى الباطن، ولكن بصورة كشفية تعتمد على قدرات خارقة، مع غياب المنهجية الاجرائية التي توضح وتضبط المنهج العبوري بصورة تكون في متناول الجميع. وقد تحدث الإمام الصادق عن الفرقاء الثلاثة التي توزعت إليها تيار الأمة العريض، وحكم على توجهاتهم في فهم القرآن بحكم فصل عندما قال لمخاطبة: «يا هيثم التميمي! إن قوما آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن، فلم ينفعهم شي‏ء! وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر، فلم ينفعهم ذلك شيئا! لا إيمان بظاهر إلا بباطن، ولا بباطن لا بظاهر»، فكان التمسك بالظاهر ونبذ الباطن أو التمسك بالباطن دون الظاهر، يحتم الدخول في التيه الذي أهلك القرون الأولى. وتبقى الجادة التي تشكل قصد السبيل، تتمثل في التمسك بالظاهر والباطن معا، حيث لا يستغني الظاهر عن الباطن، ولا يستقل الباطن عن الظاهر، بل يتعاضدان ويتداخلان في علاقة رشد هادية لا يمكن التفكيك بين طرفيها بحال، وفيها تقوم العلاقة المنهجية على العبور من ضفة الظاهر إلى ضفة الباطن الخصيبة، بتوالي النفوذ الفكري في عمق لا متناهي، مستعصي مداه عن الإدراك عند السبر... واليوم فان انبعاث التأويل(*) بالمواصفات التي عُرف بها في صدر الإسلام، يُعدّ فتحا مبينا، لما يعيد الكشف عن تمايز النسق الإشاري الكتاب إلى وجه ظاهر وآخر باطن، ويكشف عن آلية السبر والعبور والنهل من مخزونه المعرفي الزاخر، لأول مرة منذ قرون، ويستعيد الكتاب في ظل هذا الفتح هويته باستعادته لكل خصائصه التي تحدثت عنها أحاديث السنة النبوية، والتي لم تكن قيد الاستيعاب على امتداد قرون مديدة. حيث ألمحت الأحاديث وآيات الكتاب ذاته إلى أن القرآن يغدو في ظل علم التأويل تبيانا لكل شيء، ويمتلك قابلية النطق، ويتصف باللاتناهي، وبقابليته على السفر في بُعد الزمن ليطل بقارئه على أحداث التاريخ، والتنبوء بوقائع المستقبل، ويمتلك القدرة على قول كلمة الفصل في كل خلاف، والبت في كل نزاع يعرض عليه. وبعلم التأويل تتظاهر معجزة الكتاب إلى حيز الشهود، فيشهدها العالم باعتبار الكتاب معجزة الإسلام الخالدة، وآية نبوة محمد الساطعة. كل هذه الخصائص المميزة لهوية الكتاب يتمكن من استعادتها في ظل هذا الانبعاث للتأويل الذي يعد علما مفتاحيا، يسلم الأمة مفاتيح خزائن الكتاب، ويخولها من جديد - بعد أن أضاعت تلك المفاتيح قرونا مديدة- أن تفتح خزائن الكتاب الكريم لتطلع على كنوز العلم والمعرفة والهدى، وتعيد استثمارها بما يُمكنها في الأرض تمكينا: «آيات الْقُرْآنِ خَزَائِنُ، فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خِزَانَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ مَا فِيهَا»( الكليني، الكافي : 2 / 610).. المنهج آثار النشأة لما كان كل حدث تاريخي يخلف آثارا، ويترك ما يدل عليه، فإن ذلك يسري على حدث الفقه، حيث يصادف الباحث عن الآثار التي خلفتها تجربة الفقه الإسلامي الأولى، آنذاك – مؤشرات وآثار دالة. ­أولها، أن ثمة إعلانا تم على عهد الرسول، فيه دعيت الأمة بكل كتلها القبلية، إلى التفقه في الدين: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)122/9، وهو ما يعني أن ثمة واقعا فقهيا تم إنشاؤه على عهد الرسول مع تأسيس دولة المدينة، حيث نجد هذه الآية التي تعلن النفير العام من اجل التفقه في الدين، من الآيات المدنية. هذه الحقيقة عن الواقع الفقهي تنقض المقولة التي يُسلّم بها المتأخرون، والتي تنفي قيام واقع فقهي على عهد الرسول، وتدعي أن الوضع آنذاك كان قائما على استظهار الكتاب، وجمع الأحاديث النبوية فحسب، فلم يكن ثمة فقهاء، وإنما رواة تحولت صدورهم إلى أوعية لحفظ الآيات وجمع الأحاديث فحسب ... الأثر الثاني الذي يصادفه الباحث، والذي يعزز القناعة الأولى، بوجود هذا الواقع الفقهي- حديث القرآن عن الاستنباط: (ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)83/4، فهنا حديث عن فئة يأتي الرسول في طليعتها تمارس استنباط العلم، ويرتبط الاستنباط بـالفقه، الذي يعني (الفهم) لغةًً، والفهم هو استنباط غور العلم: «غائص الفهم وغور العلم»، كما يقول الإمام علي . فكانت عملية الفقه والفهم تعرف باستنباط الماء من غور الأرض، بكل ما تتطلبه تلك العملية من تثوير للأرض والحفر فيها من أجل بلوغ الغور الحاوي للمياه الجوفية، فقد عرف العرب ذلك ومارسوه وسموه استنباطا. فهذا يؤكد أن الفقه كان عملية استنباط تقوم على سبر غور العلم، تحتاج الى أدوات للسبر. وان دعوة الأمة لفقه الاستنباط آنذاك تستهدف إيجاد أنفار من كل قبيلة يمتلكون ملكة الفقه عبر امتلاكهم ادوات منهجية لاستنباط غائر العلم، وهو ما يؤهلهم لقيادة أوساطهم: «يرفع الله بهذا القرآن والعلم بتأويله،...، أقواما يجعلهم في الخير قادة، أئمة، تقتص آثارهم، وترمق أعمالهم، وتقتدي بفعالهم»، فتمثل تلك القيادات الصاعدة الدين الجديد، في قبائلها، فتوكل إليها أمر إدارة تلك القطاعات البشرية بما ينسجم مع التعاليم والبصائر المستنبطة من الكتاب. وهو ما من شأنه، أن ينطوي على سحب البساط، مع تقدم الزمن، من تحت الزعامات القبلية المنتخبة استنادا إلى المعايير الجاهلية: الحسب، الثروة، القوة. تدل على ذلك الأحاديث المتضافرة التي مجدت المتفقهين، ورفعت من شأنهم، كما تدل على ذلك إجراءات وتدابير الدولة الإسلامية(*) التي منحتهم مناصب الإقراء، والقضاء، وحملتهم رآيات وألوية الجيوش، واعتبرت الولاء والتوقير والطاعة لهم هو ولاء وتوقيرا وطاعة لله، وفرضت لهم العطاء الجزيل، إذ أصدر الرسول قراره إلى خازن بيت المال، بأن يعطي حامل كتاب الله كل سنة مائتين دينار، وهو عطاء جزيل في حينه، يتناسب مع ما يشغله الحملة من مراكز قيادية في تركيبة الأمة. كما أجرى الرسول التبديلات في المواقع القيادية بناء على قاعدة: «القرآن مقدم»، فقدم الأكثر أخذا للقرآن على من دونه، وكان يراجع هذه التركيبة مستندا لهذه القاعدة، ففي الخبر: «كانت راية بني مالك بن النجار يوم تبوك مع عمارة بن حزم، فأخذها رسول الله، ودفعها إلى زيد بن ثابت، فقال عمارة: يا رسول الله بلغك عني شيء؟! قال: لا! ولكن القرآن مقدّم، وزيد أكثر أخذا للقرآن منك». مما حفز الجميع على أن يضطرد تطوير أخذهم للقرآن والعمل به من اجل أن يكونوا مقدمين من جهة، وخشية من أن يطالهم التبديل من جهة أخرى، عندما يسبقهم من دونهم، كالذي جرى مع عمار بن حزم عندما سبقه زيد فنحاه عن موقعه القيادي. وعند دفن شهداء المعارك أوصى الرسول بتقديم قبور القراء وحملة القرآن على من سواهم، محافظة على تكريمهم، حتى عند الموت، إذ القرآن مقدم، وهذا نص توصيته في دفن شهداء غزوة أُحد: «... انظروا أكثرهم جمعا للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر» .. الأثر الثالث الذي يصادفه الباحث، أن القرآن يصف نفسه في أكثر من موقع بالمفصل: (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا)114/6، وهذه الفكرة تنقض مقولة أخرى من ثوابت الفهم المتأخر تصف الكتاب الكريم بالمجمل. ولذلك تربط فهم الكثير من مجملاته بأحاديث السنة النبوية، التي ترى إنها ترتبط بعلاقة تفصيلية بالكتاب، وهذا الفهم لدى العقلية المتأخرة نجده يتكلف في تأويله الآيات التي تصف علم الكتاب بالشامل: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)89/16، عندما يحاول، ذلك الفهم، صرف الأحاديث عن دلالاتها الصريحة في شمول علم الكتاب لكل شيء على الإطلاق، باعتبار ذلك الإطلاق يوقع العقلية المتأخرة في إشكال عويص فحواه: كيف يكون في القرآن تبيان كل شيء؟! حيث يتطلب منها الإثبات، وعجزها عن إثبات وعقلنة هذه الصفة لتكون قابلة للتصور والتعقل، يسقطها في التهافت، ويفقدها صفتها العلمية ويلقي الشك في مشروعية وضعها، بوصمها بالجهالة عندما يعجزها عن الإثبات. رغم ادعاء البعض منهم أن القرآن كذلك-أي فيه تبيان كل شيء- ولكن يحصر قابلية إدراكه بهذه الصفة المستغرقة في البيان في الرسول وأوصياء البيت النبوي، فيلقي تبعات الإثبات عن كاهله، عندما يقصر ذلك على الصف الأول من رجال الوحي فحسب... ويجد الباحث المخرج من هذا المأزق في ظاهر القرآن الذي علّق تفصيل الكتاب بعمليات فكرية تتطلب علما مفتاحيا ينظم اجرائياتها، عرفه بعلم التأويل فقال تعالى: (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون، هل ينظرون إلا تأويله)52-53/7، أي فصلناه بواسطة علم ... ، فعلقت الآية النظرة الفكرية المتوخية تفصيل الكتاب على علم التأويل، فالتفصيل مرهون بتوسط علم التأويل بين الفكر والكتاب، من أجل أن تتظاهر للإدراك صفة التفصيل فعلا. وتبرز إلى حيز الواقع حقا، لتكون قابلة للتصور وتقع حيز التعقل .. ثم يصادق على هذا العلم الكتاب بصورة لا تقبل الشك، عندما يُعلَّق العلم بالكتاب على تأويله في صريح قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)7/3، بل وأطلق على العالمين بالتأويل مصطلح الراسخين في العلم، وهم ذاتهم الراسخون الموجودون في مجال الرسالات الكتابية الأخرى، كما صرح بذلك خطاب الكتاب في قوله تعالى: (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك)162/4، وهذا يفند القناعة التي سادت عند المتأخرين، والتي تقول: إن الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله هم الأوصياء من أهل البيت فحسب، استنادا لبعض الأحاديث التي فيها يصف الأئمة أنفسهم بالرسوخ، رغم أن الوصف في تلك الأحاديث لم يفد الحصر(*). يضاف إلى ذلك، أن هذه الآية تصف المعاصرين للرسول من أهل الكتاب بالرسوخ في العلم، أي يعلمون تأويل الكتب السماوية، التوراة والإنجيل والقرآن، فإذا كان علم التأويل ممارسه متأتية لعلماء أهل الكتاب، الذين يعدون خبراء في علم التأويل، بحيث تطال خبرتهم القرآن فيمكن لهم أن يمتحنوا حقيقته، بشهادة القرآن، التي أوضح أن الخبرة هي التي دعتهم إلى الإيمان بما انزل على محمد، كما دعتهم إلى الإيمان بما انزل من قبل، فمن المحال جعله ممتنعا على علماء المسلمين، إذ كيف يكون علماء أهل الكتاب آنذاك راسخين ومطالبين بالنظر في الكتاب واختبار مصداقيته، بينما يمتنع الرسوخ على علماء القرآن من المسلمين؟! وهذا أبلغ دليل قرآني يفند هذه القناعة الكارثية، التي جردت فقهاء صدر الإسلام من علم التأويل وقصرته على البيت النبوي، دون سواهم، بحيث أصبح المشهد لا يفقه علم تأويل القرآن إلا العلماء الكتابيون الراسخين في علم التأويل والرسول والإمام الوصي من البيت النبوي!!. وهو التصور الذي يثبت تهافت هذه القناعة! ومن الشواهد الناقضة لفكرة حصر علم التأويل في فئة، دعاء الرسول لابن عباس: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل))، فنجد أن الدعاء يعرف الفقه بأنه الإلمام بعلم التأويل. فتفقه ابن عباس عندما تلقى علم التأويل على يد الإمام علي، بدليل قوله: «وعلمي من علم علي »، وكان ينقل عنه تلامذته القول: «أنا من الراسخين في العلم، وأنا ممن يعلم تأويله». وهو الوصف الذي ينطبق على باقي فقهاء الإسلام الذين اشتهروا باسم القراء، فقيل: قرّاء المدينة، قرّاء الكوفة، قرّاء البصرة، قرّاء حمص، قراء حلب، يعزز كل ذلك حديث الرسول: «ما أنعم الله على عبد بنعمة أفضل بعد الإيمان بالله من العلم بالكتاب ومعرفة تأويله». فكان القرّاء راسخون في علم تأويل الكتاب، ويمارسون دور الدراسة والتدريس له ... يضاف إلى تلك الشواهد الناقضة لفكرة احتكار علم التأويل، قول الإمام الصادق: «لو قد قرئ القرآن كما أنزل [أنزل القرآن على سبعة وجوه] لألفيتنا فيه مسمين كما سمي من قبلنا»، فالحديث يوضح أن الإمكانية متاحة للناس كي يقرؤوا القرآن بواسطة التأويل ذلك العلم المنهجي الذي يفصل الكتاب على سبعة وجوه، ليطلعهم على أسماء أئمة المسلمين، من أهل البيت النبوي، كما أطلعهم ظاهر الكتاب على أسماء أئمة الأقوام الغابرة من الأنبياء والنقباء. مما يعبر عن كون ذلك العلم متاحا للجميع، ولا يمكن أن يحتكر من قبل فئة أو تقصر الإحاطة به على مجموعة من الأمة كما يزعم البعض. وبناء على ذلك، يكون تصحيح الفكرة التقليدية الموروثة بالأخذ بالرؤية، وليدة النصوص التي ترى أن الأئمة من أهل البيت أفضل الراسخين في الأمة، الذين توارثوا العلم كابر عن كابر، فكان اللاحق منهم مؤهلا لشغل المقام المرجعي للراحل، حيث اتصف علمهم بالكمال، فلم يعجزهم عن الإجابة عن أي سؤال أو شبهة تلقى إليهم. وهذا أمر طبيعي أذ لا يمكن تصور عصمة حركة الأمة مع خلوها ممن يعلم كامل تأويل الكتاب، وهو ما ينص عليه الخبر عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر قول الله: «(وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) قال: يعني تأويل القرآن كله إلا الله والراسخون في العلم، فرسول الله أفضل الراسخين، قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله منزلا عليه شيئا لم يعلمه تأويله. وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، فقال الذين لا يعلمون ما نقول إذا لم نعلم تأويله فأجابهم الله: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) والقرآن له خاص وعام، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، فالراسخون في العلم يعلمونه». فالرسول والبيت النبوي يعلمون التأويل كله، بمعنى انهم لا يعجزهم ما يسألون عنه، بينما يرجع اليهم من سواهم من راسخي الأمة وفقهاءها وقراءها، عندما يستعصي التشابه عليهم، أي عندما يعجزهم تأويل آية هنا أو آية هناك، فيتعلمون منهم ويزدادون رسوخا. وبذلك صار من سوى الإمام يصدر عنهم القول: (آمنا به كل من عند ربنا)، ولكن لا يمكن ان يقول المرجع الاعلى ذلك. وهذا ما يؤكده الخبر عن الإمام علي : «إني سمعت رسول الله يقول ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن، وما من حرف إلا وله تأويل، (وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) نحن آل محمد وأمر الله سائر الأمة أن يقولوا: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) وأن يسلموا إلينا ويردوا الأمر إلينا، وقد قال الله: (ولَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ والى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) هم الذين يسألون عنه ويطلبونه، ولعمري لو أن الناس حين قبض رسول الله سلموا لنا واتبعونا وقلدونا أمورهم (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)». وتشابه المقطع (ويردوا الأمر إلينا)، يحكمه قول الرسول: «اقرؤوا القرآن واعملوا به وما تشابه عليكم ردوه إلى أهله يخبروكم»، أي أن العلم بالتأويل شائع، وعلى أفراد الأمة أن يؤولون القرآن برد المتشابهات إلى المحكمات فتنسخ التشابه وتعمل برؤى الكتاب، وهو الواقع الاجتماعي الذي وصّفه الإمام علي: «قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده وإمامه يحل حيث حل ثقله وينزل حيث كان منزله»، وعندما تتشابه على ذلك الفرد الآيات في بعض الموارد دون امتلاكه القدرة على إحكامها، عندئذ يرد ذلك إلى الإمام، الذي يعرف بـ «الذي لا شبهة عنده»، وكل من هو أعلم من الذي تشابه عليه الأمر يعد إماما له، بدليل قوله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم)76/12. فهناك هرم من الراسخين يتبوأ قمته الرسول أفضل الراسخين في العلم ومن ثم خليفته، ثم الأمثل فالأمثل، وهو ما يعبر عنه الرسول بالقول: «رب حامل فقه ليس بفقيه» «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»، فهناك درجات فيها الفقيه والأفقه منه وبينهما درجات، ويكون شاغل القمة هو أفقه الجميع. فلا يترتب على ذلك احتكار الرسوخ في شاغل القمة وخليفته، بل الرسوخ في علم التأويل أمكان متاح للجميع، وما الرسول أو نائبه إلا المرجعية العليا لراسخي الأمة، باعتبارهم ارسخ من علم هذا العلم وأفضل من عمل به. وللمقارنة بين رسوخ فقهاء الأمة ورسوخ إمام البيت النبوي، ما ينقله ابن عباس - الذي عرف نفسه بانه أحد الراسخين في العلم- عندما قارن رسوخه ومن سواه من الصحابة برسوخ الإمام علي، فقال: «علي عُلم علماً علمّه رسول الله، ورسول الله علّمه الله، فعلم النبي من علم الله، جل جلاله، وعلم علي من علم النبي ، وعلمي من علم علي ، وما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر». إن فكرة احتكار علم التأويل والكتاب نتجت عن عقدة أرد متأخرو الشيعة منها تبرير واقعهم، والتماس الأعذار له، بقصر الرسوخ على أهل البيت، وبذلك يعللون استحكام قطيعتهم بالكتاب، واتصاف علمهم بالرواية دون دراية، مما تسبب باستيراد الأفكار المنهجية التي تشرع الرأي، الذي حذر الرسول وأئمة البيت النبوي من العمل به، واعتبروه ضلالة تضاهي ضلالة إبليس. -------------------------------------------------------------------------------- (*) رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: ((أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَأَصْحَابُ اللَّيْلِ)) (من ‏لا يحضره ‏الفقيه: 4/399)، (الهندي، كنز العمال، خ(2259))، ((أهل القرآن أهل الله وخاصته))(الهندي، كنز العمال، خ(2294))، ((حَمَلَةُ الْقُرْآنِ فِي الدُّنْيَا عُرَفَاءُ أهل الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) (وسائل ‏الشيعة: 1/169)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ أهل الْجَنَّةِ وَالْمُجْتَهِدُونَ، قُوَّادُ أهل الْجَنَّةَ، وَالرُّسُلُ سَادَةُ أهل الْجَنَّةَ)) (الكليني، الكافي: 2/606). ،عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((حَمَلَةُ الْقُرْآنِ الْمَخْصُوصُونَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، الْمُلَبَّسُونَ نُورَ اللَّهِ، الْمُعَلَّمُونَ كَلَامَ اللَّهِ، الْمُقَرَّبُونَ عِنْدَ اللَّهِ، مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ وَالى اللَّهَ، وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَى اللَّهَ)) (وسائل ‏الشيعة:4/175) ((حملة القرآن أولياء الله فمن عاداهم عادى الله ومن والاهم فقد والى الله)) (الهندي، كنز العمال، خ(2295))، ((يرفع الله بهذا القرآن والعلم بتأويله، وموالاتنا أهل البيت والتبرؤ من أعدائنا أقواما يجعلهم في الخير قادة، أئمة في الخير تقتص آثارهم، وترمق أعمالهم، وتقتدي بفعالهم، وترغب الملائكة في خلّتهم، وتمسحهم بأجنحتها في صلاتهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامّه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها)) (المجلسي، بحار الأنوار، 1/171). (*) من جملة تلك الأحاديث قول أَبُي عَبْدِ اللَّهِ الإمام الصادق ((نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَتَنَا لَنَا الآنفالُ وَلَنَا صَفْوُ الْمَالِ وَنَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَنَحْنُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)) (الكافي: 1/186). عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الإمام الصادق قَالَ: ((نَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ)) (الكافي: 1/213) . عَنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) فَرَسُولُ اللَّهِ أَفْضَلُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ والتَّأْوِيلِ، ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْوِيلَهُ وأَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ، والَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ إذا قَالَ الْعَالِمُ فِيهِمْ بِعِلْمٍ فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) والْقُرْآنُ خَاصٌّ وعَامٌّ، ومُحْكَمٌ ومُتَشَابِهٌ، ونَاسِخٌ ومَنْسُوخٌ، فَالرَّاسِخُونُ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ)) (الكافي: 1/213). فكما هو واضح ليس في دلالة هذه الأحاديث ما يقصر صفة الرسوخ على الرسول وأهل البيت، دون سواهم، بل يصرح الحديث أنهم أفضل الراسخين، فهم الأفضل رسوخا وذلك غير الزعم بان الرسوخ محدد فيهم، أو مقصور عليهم، أو من مختصاتهم دون سواهم ..
×