Jump to content
Sign in to follow this  
سلمان رمضان

حول رؤية الهلال

Recommended Posts

حول رؤية الهلال حول رؤية الهلال

 

آية الله الشيخ الخزعلي

القسم الاول

اذا هل الهلال فرآه قوم لزمهم آثاره من وجوب الصيام او الافطار او الحج او حلول الديون المؤجلة او غيرها، وكذا لزم من يوافقهم ويقاربهم في الافق. وهل يلزم غيرهم في البلاد النائية والافاق المتباعدة؟ وبعبارة اخرى: اذا ثبتت رؤية الهلال في موضع من الارض فهل تلزم الناس جميعا آثاره اينما كانوا في مشارق الارض ومغاربها، وفي برها وبحرها؟

قال فريق من الفقهاء: نعم، وان ذلك هو الحق في المسالة، وقالوا: ان السلف الاقدمين ما كانوا يفرقون بين البلاد المتقاربة والمتباعدة، وكذلك الروايات ساكتة عن ذلك.

واول من ابدى ذلك هو شيخ الطائفة(قدس‏ سره) في بعض كتبه. والمسالة من الامور المهمة التي هي محل ابتلاء المسلمين دوما، ولا بد من الالمام بها والاهتمام بشانها.

ولكي نقف على واقع الامر يحسن بنا ان نطرح المسالة على صعيد واسع، فنتناول فيها جميع آراء فقهاء الاسلام من الشيعة والسنة، ونخوض في مجال الفقه التطبيقي المقارن، لنرى بعين البصيرة ما انتجه تفاعل الافكار، ونلمس تاثير بعضها على بعض ومدى تاثر بعضها بالبعض الاخر. وبعد الحصول على النتيجة نتعرض لادلة المسالة، وذلك بالنظر في الروايات الواردة فيها بدقة وامعان والالمام بجميع فروعها.

استعراض كلمات الاصحاب:

وقد قررت في البداية ان اسرد الاقوال بحسب ترتيبها الزمني لنقف عليها ونتامل في مضامينها ونواكب تطورها وازدهارها. فاقول -ومنه سبحانه استمد العون والتسديد:

قال الصدوق(قدس‏سره) (ت = 381ه ) في المقنع: «واعلم ان صيام شهر رمضان بالرؤية والفطر بالرؤية، وليس بالراي ولا التظني‏».

وقال في الهداية: «باب الصوم للرؤية والفطر للرؤية، قال الصادقp2.gif: «الصوم للرؤية والفطر للرؤية، وليس بالراي ولا التظني‏».

وقال المفيد(قدس‏سره) (ت = 413ه ) في المقنعة: «... عن محمد بن مسلم، عن ابي عبداللهp2.gif قال: «اذا رايتم الهلال فصوموا واذا رايتموه فافطروا، وليس بالراي ولا بالتظني‏» فالهلال علامة الشهر، وبه وجبت العبادة في الصيام والافطار والحج وسائر ما يتعلق بالشهور على اهل الشرع‏».

وقال السيد المرتضى(قدس‏سره) (ت = 436ه ) في الناصريات: «ان النبيp1.gif راى الاهلة، وعلق الاحكام بها في الصوم والفطر برؤية الهلال، وقالp1.gif: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته‏».

وخلا كتابه الانتصار عن المسالة، وحق له ذلك، لانها ليست مما انفردت الامامية به، مع العلم ان الكتاب قد وضع لمنفردات الامامية اعلى الله كلمتهم.

وقال الحلبي(قدس‏سره) (ت = 447ه ) في الكافي: «وعلامة دخوله رؤية الهلال وبها يعلم انسلاخه‏».

وقال سلار(قدس‏سره) (ت = 448ه ) في المراسم: «فالواجب معرفة ما يعرف به دخول شهر رمضان وما يعرف به تصرمه وهي رؤية الاهلة‏» .

وقال شيخ الطائفة(قدس‏سره) (ت = 480ه ) في النهاية: «ووقت فرض الصوم ووقت الافطار: علامة الشهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع، فمتى رايت الهلال في استقبال شهر رمضان فصم بنية الفرض من الغد، فان لم تره لتركك الترائي له ورئي في البلد رؤية شائعة وجب ايضا عليك الصوم، فان كان في السماء علة ولم يره جميع اهل البلد ورآه خمسون نفسا وجب ايضا الصوم، ولا يجب الصوم اذا رآه واحد او اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‏ء، ومتى كان في السماء علة ولم ير في البلد الهلال اصلا ورآه خارج البلد شاهدان عدلان وجب ايضا الصوم‏».

وقال في الخلاف: «علامة شهر رمضان ووجوب صومه احد شيئين، اما رؤية الهلال او شهادة شاهدين... دليلنا الاخبار المتواترة عن النبيp1.gif وعن الائمة(عليهم‏ السلام) ذكرناها في تهذيب الاحكام‏».

وقال في المبسوط: «علامة شهر رمضان رؤية الهلال او قيام البينة -الى ان قال: ومتى لم ير الهلال في البلد ورئي خارج البلد على ما بيناه وجب العمل به اذا كان البلدان التي رئي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع مرتفعة لرئي في ذلك البلد ايضا لاتفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط والكوفة وتكريت والموصل، فاما اذا بعدت البلاد مثل بغداد وخراسان، وبغداد ومصر، فان لكل بلد حكم نفسه‏».

هذا اول ما نعثر عليه من فكرة الفرق بين البلاد من الشيخ(قدس‏سره) في ذلك الكتاب خاصة لا في كتابيه المتقدمين، قلت في ذلك الكتاب دون ذين لنكتة تلقيناها من استاذنا الاوحد الحبر الثبت العلامة آية الله البروجردي(قدس‏سره) وادر الله عليه شآبيب غفرانه، ويعجبني ويبهجكم ذكر ما افاض في هذا الصدد، قال(رحمه‏الله): للشيخ في الفقه ثلاثة كتب لثلاثة مقاصد:

1 - النهاية: لعرض فتاوى الائمة(عليهم ‏السلام).

2 - الخلاف: لعرض فتاوى المسلمين.

3 - المبسوط: للتفريعات وما اوعاه للفروع.

ونحن نعلم ان طرح التفريعات الكثيرة انما كانت في مقابلة كتب العامة وكانوا قد طعنوا على الشيعة بان كتبهم خالية من الفروع مقصورة على مضمون الروايات، فحاول الشيخ اعظم الله اجره وضاعف حسناته ازاحة هذه الوصمة عن جبين الشيعة الاغر، وبالطبع يحسن بالباحث الوقوف على آراء العامة كي يعلم كيف تطرق هذا الفرع في مباحثنا، وكيف يمكن ان يستدل له من روايات الباب.

وقال الحلبي -معاصر الشيخ في اشارة السبق: «ويثبت العلم بدخول شهر رمضان ولزوم صومه برؤية الهلال او ما يقوم مقامها من قيام البينة‏».

وقال ابن حمزة -وهو في طبقة او طبقتين بعد الشيخ في الوسيلة: «ويعرف دخول شهر رمضان مع فقد العذر برؤية الهلال، ومع العذر بانقضاء ثلاثين يوما من هلال شعبان، فان لم ير هلال شعبان عد ستون يوما من هلال رجب. ورؤية هلال رمضان لم يخل من ستة اوجه: اما رآه واحد، او اكثر، او رئي في البلد مع عذر، او مع فقده، او خارج البلد مع وجود عذر، او فقده. فالاول ان رآه حقيقة لزمه الصوم وحده، وقال ابو يعلى: يلزم الكافة، والثاني لم يخل اما يرى رؤية شائعة او غير شائعة فالاول يلزم الصيام الكافة، والثاني ان رآه اثنان او اكثر وكان بالسماء علة وجب الصوم وهو القسم الثالث، والرابع لا يثبت الا بشهادة خمسين نفرا... واذا رئي في بلد ولم ير في آخر فان كانا متقاربين لزم الصوم اهليهما معا، وان كانا متباعدين مثل بغداد ومصر او بلاد خراسان لم يلزم اهل الاخر».

وقال ابن زهرة(قدس‏سره) (ت = 585ه ) في الغنية: «وعلامة دخوله -اعني الشهر رؤية الهلال وبها يعلم انقضاؤه‏».

وقال الفاضل الابي (ت = 672ه ) في كشف الرموز: «اما شهر رمضان فالنظر في علامته وشروطه واحكامه، الاول: علامته وهي رؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه صومه‏».

وقال المحقق(قدس‏سره) (ت = 676ه ) في الشرائع: «القول في شهر رمضان والكلام في علامته وشروطه واحكامه: اما الاول فيعلم الشهر برؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه الصوم... واذا رئي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيهما اجمع دون المتباعدة كالعراق وخراسان‏».

وفي المعتبر حذا حذو الشرائع وذكر فتوى ابن عباس فقال: وقد افتى بذلك عبدالله بن عباس.

وفي المختصر النافع اقتصر على علامة الشهر فقال بوجوبه برؤية الهلال.

وقال يحيى بن سعيد الحلي(قدس‏سره) (ت = 690ه ) في الجامع للشرائع: «وعلامة الشهر رؤية الهلال فان رآه وحده صام‏».

وقال العلامة(قدس‏سره) (ت = 726ه ) في التذكرة: «ويلزم صوم رمضان من راى الهلال وان كان واحدا... مسالة: اذا راى الهلال اهل بلد ولم يره اهل بلد آخر فان تقاربت البلدان كبغداد والكوفة كان حكمهما واحدا يجب الصوم عليهما معا وكذا الافطار، وان تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق فلكل بلد حكم نفسه، قال الشيخ(رحمه‏الله): وهو المعتمد، وبه قال ابو حنيفة وهو قول بعض الشافعية ومذهب القاسم وسالم واسحاق، لما رواه كريب ان ام الفضل بنت الحارث بعثته الى معاوية بالشام، قال: قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهل علي رمضان فراينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت الى المدينة في آخر الشهر فسالني عبدالله بن عباس وذكر الهلال فقال: متى رايتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة، فقال: انت رايته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رايناه ليلة السبت فلانزال نصوم حتى نكمل العدة او نراه، فقلت: اولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا امرنا رسول اللهp1.gif، ولان البلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع، والارض كرة فجاز ان يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر، لان حدبة الارض مانعة من رؤيته، وقد رصد ذلك اهل المعرفة وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال بعض الشافعية: حكم البلاد كلها واحد متى رئي الهلال في بلد وحكم بانه اول الشهر كان ذلك الحكم ماضيا في جميع اقطار الارض، سواء تباعدت البلاد ام تقاربت، اختلفت مطالعها او لا، وبه قال احمد بن حنبل والليث بن سعد وبعض علمائنا، لانه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية، وفي الباقي بالشهادة، فيجب صومه، لقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وقولهp2.gif: «فرض الله صوم شهر رمضان‏»، وقد ثبت هذا اليوم منه، ولان الدين يحل به، ويقع به النذر المعلق عليه، ولقول الصادقp2.gif: «فان شهد اهل بلد آخر فاقضه‏»، وقالp2.gif في من صام تسعا وعشرين، قال: «ان كانت له بينة عادلة على اهل مصر انهم صاموا ثلاثين يوما على رؤية، قضى يوما»، ولان الارض مسطحة فاذا رئي في بعض البلاد عرفنا ان المانع في غيره شي‏ء عارض، لان الهلال ليس بمحل الرؤية.

ونمنع كونه يوما من رمضان في حق الجميع، فانه المتنازع، ولا نسلم التعبد بمثل هذه الشهادة او هذه الروايات فانه اول المسالة، وقول الصادقp2.gif محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية جمعا بين الادلة، ونمنع تسطيح الارض، بل المشهور كرويتها».

وقال(قدس‏ سره) في المنتهى: «يعلم الشهر برؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه صومه.

وقال فيه ايضا: اذا راى الهلال اهل بلد وجب الصوم على جميع الناس، سواء تباعدت البلاد او تقاربت، وبه قال احمد والليث بن سعد وبعض اصحاب الشافعي [ولم يات هنا على قلمه الشريف ذكر آراء بعض علمائنا كما جاء في كتاب التذكرة].

وقال الشيخ(رحمه‏ الله): ان كانت البلاد متقاربة لا تختلف في المطالع كبغداد والبصرة كان حكمهما واحدا وان تباعدت كبغداد ومصر كان لكل بلد حكم نفسه... [ثم اخذ في رد هذا القول حيث قال(قدس‏سره) في هذا الصدد]: ولو قالوا ان البلاد المتباعدة يختلف عروضها، فجاز ان يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الارض، قلنا: ان المعمور منها قدر يسير وهو الرفع (الربع) ولا اعتداد به عند علو السماء، وبالجملة ان علم طلوعه في بعض الصفائح وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكروية الارض لم يتساو حكماهما، اما بدون ذلك فالتساوي هو الحق‏».

وهل الكلام الاخير منه مساو لما اختاره في التذكرة من القول بالفرق، او هو تفصيل آخر وهو انه اذا علم الطلوع في مورد وعلم عدم الطلوع في موضع متباعد فالحكم الفرق، واما اذا يعلم الامر في ذلك المتباعد فيحكم بالتساوي؟ الحق هو الاخير.

وقال في القواعد: «ويعلم دخوله برؤية الهلال، وان انفرد وردت شهادته... وحكم البلاد المتقاربة واحد بخلاف المتباعدة، فلو سافر الى موضع بعيد لم ير الهلال فيه ليلة الثلاثين تابعهم، ولو اصبح معيدا وسار به‏المركب الى موضع بعيد لم ير فيه الهلال لقرب الدرج ففي وجوب الامساك نظر، ولو راى هلال رمضان ثم سار الى موضع لم ير فيه فالاقرب وجوب الصوم يوم احد وثلاثين وبالعكس يفطر يوم التاسع والعشرين‏».

اقول: وان كان هذا على المبنى صحيحا، لان لكل موضع حكم نفسه، فلو بقي الرجل في الموضع الاول لم يكن ليصوم واحد وثلاثين يوما وفي عكسه ثمانية وعشرين يوما ولكنه بدل مكانه ولكل مكان حكمه، ولكنه في نفسه يثقل على اذهان المتشرعة كما يثقل ان يكون للناس عيدان وان يكون لهم ليلتا قدر، فان وجدنا في الادلة مفسحا يزول هذا الاستثقال وتستريح النفس الى ما تستانسه في ذلك من الشرع، نساله تعالى ان يهيئ لنا من امرنا رشدا.

وفي المختلف لم يتعرض لهذا الفرع اصلا، والمختلف كما نعرف معترك آراء الاصحاب ومزدحم افكارهم.

وقال الشهيد الاول (ت = 786ه ) في الدروس: «يصام رمضان برؤية هلاله وان انفرد... والبلاد المتقاربة كالبصرة وبغداد متحدة لا كبغداد ومصر، قاله الشيخ، ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وان تباعدت، للقطع بالرؤية عند عدم المانع‏».

اقول: وليس هذا قولا بتساوي الناس، والا ما كان فرق بين ان يرى في البلاد المشرقية ام في البلاد المغربية.

ثم قال(قدس ‏سره): «فروع ثلاثة: الاول: لو راى الهلال في بلد وسافر الى آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه اليه، فيصوم زائدا ويفطر على ثمانية وعشرين، حتى لو اصبح معيدا ثم انتقل امسك، ولو اصبح صائما للرؤية ثم انتقل ففي جواز الافطار نظر، ولو روعي الاحتياط في هذه الفروع كان اولى‏» انتهى كلامه.

وقال المحقق الثاني (ت = 940ه ) في جامع المقاصد -عند قول المصنف: ولو راى هلال رمضان ثم سار الى موضع لم ير فيه فالاقرب وجوب الصوم يوم احد وثلاثين: «هذا جيد لكن لو كان الوصول في كل من المسالتين [هذه وعكسها] ليلا ففي الحكم اشكال. -وعند قوله: وبالعكس يفطر التاسع والعشرين، قال: مع نقص الشهر ولا قضاء عليه خلافا لبعض العامة، وذكره ذلك للرد على هذا البعض‏».

اقول: وقد اقر المصنف على ما افاض، ووافقه في الفرق بين البلدان المتقاربة والمتباعدة.

وقال الشهيد الثاني(قدس ‏سره) (ت = 966ه ) في شرح اللمعة: «ويعلم شهر رمضان برؤية الهلال، فيجب على من رآه الصوم وان لم يثبت في حق غيره‏».

وقال في المسالك: «قوله: «واذا رئي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد، وجب الصوم على ساكنيهما اجمع، دون المتباعدة...» المراد انه اذا رئي في احد البلاد المتقاربة ولم ير في الباقي وجب الصوم على الجميع، بخلاف المتباعدة فان لكل واحدة منها حكم نفسها...

ويتفرع على ذلك ما لو راى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر الى بلد بعيدة شرقية قد رئي فيها ليلة السبت او بالعكس، فانه ينتقل حكمه الى الثاني على اظهر القولين، فيصوم احدا وثلاثين ويفطر التاسع والعشرين. ولو اصبح معيدا ثم انتقل ليومه ووصل قبل الزوال امسك بالنية واجزاه، او بعده امسك مع القضاء. ولو انعكس افطر. والاولى مراعاة الاحتياط في هذه الفروض لعدم النص، وانما هي امور اجتهادية قد فرعها العلماء على هذه المسالة مختلفين فيها».

اقول: احس(قدس‏ سره) بثقل هذه الفروع على كاهل المتشرعة فاستظل بظل الاحتياط، ولكن تعليله(قدس ‏سره) بعدم النص -في قوله: «وانما هي امور اجتهادية قد فرعها العلماء» يستشم منه تضعيف تلكم التفريعات مع انها اسست على قواعد رصينة، وشهيدنا(قدس‏ سره) من فحول هذه البحوث وفرسان هذا الميدان وله فيهما يد بيضاء، وليته ساق التضعيف الى المبنى وعبد الطريق الى تساوي البلاد بعيدها وقريبها.

وقال المقدس الاردبيلي(قدس‏سره) (ت = 993ه ) في مجمع الفائدة والبرهان - عند قول المصنف: والمتقاربة كبغداد والكوفة متحدة بخلاف المتباعدة...-: «ووجهه ظاهر بعد الفرض، لانه اذا نظر وما راى في هذا البلد وراى في بلد آخر يصدق عليه انه ما راى فيفطر، لصدق الادلة المفيدة انه ليس من الشهر في هذا البلد فلا تنفع الرؤية في بلد آخر لاهل هذا البلد، ولا يستلزم الصدق.

مع انه علم بالفرض من مخالفة المطالع عدم استلزام امكان الرؤية هنا، بل قد يكون ممتنعا، فلو لم يكن يلتفت اليه، قد يلزم صوم اقل من تسعة وعشرين يوما...

فقول المصنف في المنتهى بعدم الفرق بعد الرؤية في بلد ما، في ايجاب الصوم والافطار بين المتقاربة والمتباعدة بدليل ثبوته بالرؤية في بلد، وبالشهود في آخر... بعيد لما مر».

اقول: لقد احسن واجاد(قدس‏سره) بتضعيف مبنى يترتب عليه احيانا ان يكون صيام شهر رمضان ثمانية وعشرين يوما، ولكن لا ادري كيف يضعف به مبنى التساوي، فانه اذا جعل رؤية الهلال في موضع مراى واحدا كيف يمكن ان يتم ذلك الشهر بثمانية وعشرين يوما ان قيل رئي في موضع ليلة الجمعة ثم علمنا بانه رئي قبل ذلك ليلة الخميس؟ قلنا: نعلم بذلك ان الاول اشتباه وان اول الشهر هو ليلة الخميس؟ فحسب فلا ينقص بذلك شهر ابدا طيلة القرون المتطاولة، ولكن على المبنى الاخر قد اعترف القائلون به بانه قد يزيد الشهر يوما وقد ينقص يومين لكونه هو اول الشهر في بلد وآخره في آخر، فلنعم الموهن هذا، ولكن مورده ينحصر في القول بالفرق، وهذه الفروع الشاذة موضع للعبرة بها والفكرة فيها، ونبتهل اليه سبحانه وتعالى ونقول: اللهم هيئ لنا من امرنا مرفقا.

ومن العجب انه قدس الله نفسه الزكية قال عند قول المصنف: «فلو سافر قبل (بعد - خ) الرؤية ولم ير ليلة احدى وثلاثين صام معهم وبالعكس يفطر التاسع والعشرين‏»: واما المسالة المتفرعة على هذا القول فظاهرة.

اقول: نعم، ولكن هذا الثقل الذي كان يفر(قدس‏سره) منه قد استقر.

وقال صاحب المدارك (ت = 1009ه ): «المراد انه اذا رئي الهلال في احدى البلاد المتقاربة -وهي التي لم تختلف مطالعها ولم ير في الباقي وجب الصوم على جميع من في تلك البلاد، بخلاف المتباعدة، وهي ما علم اختلاف مطالعها فان الصوم يلزم من راى دون من لم ير.

وحكى العلامة في التذكرة قولا عن بعض علمائنا بان حكم البلاد كلها واحد، فمتى رئي الهلال في بلد وحكم بانه اول الشهر كان ذلك الحكم ماضيا في جميع اقطار الارض، سواء تباعدت البلاد او تقاربت، اختلفت مطالعها او لا. والى هذا القول ذهب العلامة في المنتهى في اول كلامه ...

ثم قال في آخر كلامه: ولو قالوا ان البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز ان يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الارض، قلنا: ان المعمور منها قدر يسير وهو الربع ولا اعتداد به عند السماء، وبالجملة ان علم طلوعه في بعض الاصقاع ... -الى آخر كلام العلامة، ثم قال: هذا كلامه(رحمه‏ الله) وهو جيد».

ثم فرع على القول بالفرق تلك الفروع المنتهية الى صوم واحد وثلاثين او ثمانية وعشرين، او الصيام بعد ان عيد العيد: «قال في الدروس: ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان اولى، ولا ريب في ذلك، لان المسالة قوية الاشكال‏».

وقال المحقق الفيض الكاشاني(قدس ‏سره) (ت = 1091ه ) في الوافي -عند قولهp2.gif: «فان شهد اهل بلد آخر فاقضه‏» ثم روى رواية اخرى مثلها: «بيان: انما قالp2.gif: «فان شهد اهل بلد آخر فاقضه‏» لانه اذا رآه واحد في البلد رآه الف كما مر، والظاهر انه لا فرق بين ان يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد او البعيدة منه، لان بناء التكليف على الرؤية لا على جواز الرؤية ولعدم انضباط القرب والبعد لجمهور الناس ولاطلاق اللفظ، فما اشتهر بين متاخري اصحابنا من الفرق ثم اختلافهم في تفسير القرب والبعد بالاجتهاد لا وجه له‏».

وقال الشيخ يوسف البحراني(قدس ‏سره) (ت = 1186ه ) في الحدائق: «الرابع: قد صرح جملة من الاصحاب بل الظاهر انه المشهور بان حكم البلاد المتقاربة كبغداد والكوفة واحد، فاذا رئي الهلال في احدهما وجب الصوم على ساكنيهما، اما لو كانت متباعدة ... فان لكل بلد حكم نفسها ... ونقل العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بان حكم البلاد كلها واحد ... ويظهر من العلامة في المنتهى الميل الى هذا القول حيث قال: اذا راى الهلال اهل بلد وجب الصوم على جميع الناس ... -الى آخر كلامه في المنتهى، ثم قال: اقول: وما ذكره(قدس‏سره) هو الحق المعتضد بالاخبار الصريحة الصحيحة ... وما ادعوه من الطلوع في بعض وعدم الطلوع في آخر بناء على ما ذكروه من الكروية ممنوع ...

وبذلك يظهر ان ما فرعوه على اختلاف الحكم [في البلدان المتباعدة] في هذه المسالة ليس في محله -ثم اخذ في بيان تلك الفروع وهي صوم احد وثلاثين يوما وثمانية وعشرين يوما ووجوب الامساك بعد ان عيد العيد في بلده وسافر الى بلد بعيد، ثم قال: فانا نمنع وقوع هذه الفروض‏».

ثم ذكر ما اختاره المحقق الفيض في الوافي تاييدا لما مال اليه. فهو(قدس‏ سره) قد اختار تساوي الناس في الصوم، ولكن قد ابتناه -مع الاسف على شفا جرف هار على تسطيح الارض ونفي الكروية، واصر على ذلك حتى رجا ان يوفق لوضع رسالة شافية في نفي الكروية، ولكن لم نسمع بتحقق رجائه والحمد لله على ذلك، فانه ربما يكون من التوفيق عدم التوفيق.

واما تقوية المختار بغير ذلك الوجه مما استند اليه صاحب الوافي واضرابه فهو من القوة والايد بمكان لا يستهان به.

ولم يتعرض صاحب الرياض (ت = 1231ه )، وكذلك الاية الحجة السيد احمد الخوانساري(قدس ‏سره) في جامع المدارك الا لرؤية الهلال، ولم يتوقع منهما غيره لان كتبهما شرح للمختصر النافع، والمختصر مقتصر على ذلك الفرع دون البلاد المتقاربة والمتباعدة.

وقال النراقي(قدس ‏سره) (ت = 1245ه ) في المستند بعد ما افاض في بيان طول البلاد وعرضها وبين ان عرضها مبني على ابتعادها عن خط الاستواء، وطولها مبني على ابتعادها عن جزائر الخالدات، فاذا كانت درجة طول بلد بعيدة عن بلد آخر ببعد فاحش وكذلك عرضه، يمكن ان يكون القمر في درجة خاصة قد خرج من تحت‏شعاع الشمس وهو بعد في درجة اخرى باق تحت‏شعاعها، فتتحقق رؤيته في بلد دون آخر، وهذا غير مرتبط باختلاف الهواء او الارض، بل بخروج القمر عن شعاع الشمس عند درجة خاصة، وكيف كان فبعد ما متعنا بدقته الفائقة في مباحث الهيئة قال: «ثم الحق -الذي لا محيص عنه عند الخبير كفاية الرؤية في احد البلدين للبلد الاخر مطلقا، سواء كان البلدان متقاربين او متباعدين كثيرا، لان اختلاف حكمهما موقوف على العلم بامرين لا يحصل العلم بهما البتة:

احدهما: ان يعلم ان مبنى الصوم والفطر على وجود الهلال في البلد بخصوصه، ولا يكفي وجوده في بلد آخر وان حكم الشارع بالقضاء بعد ثبوت الرؤية في بلد آخر لدلالته على وجوده في هذا البلد ايضا، وهذا مما لا سبيل اليه، لم لا يجوز ان يكفي وجوده في بلد لسائر البلدان ايضا مطلقا؟!

وثانيهما: ان يعلم ان البلدين مختلفان في الرؤية البتة، اي يكون الهلال في احدهما دون الاخر، وذلك ايضا غير معلوم، اذ لا يحصل من الاختلاف الطولي او العرضي الا جواز الرؤية ووجود الهلال في احدهما دون الاخر، واما كونه كذلك البتة فلا، اذ لعله خرج القمر عن تحت الشعاع قبل مغربيهما وان كان في احدهما ابعد من الشعاع من الاخر ...

ولا سبيل الى معرفة شي‏ء من ذلك الا بقول هيئوي واحد او متعدد راجع الى قول راصد او راصدين يمكن خطا الجميع غالبا. وبدون حصول العلم بهذين الامرين لا وجه لرفع اليد عن اطلاق الاخبار او عمومها».

وقال الشيخ جعفر الكبير(قدس‏سره) (ت = 1263ه ) في كشف الغطاء: «... متى يثبت الحكم في مكان بثبوت الهلال تمشى منه الى الاماكن القريبة ... ولا يسري الى البلاد النائية ... ولو راى الهلال في محل ثم انتقل الى ما يخالفه زاد عليه ان زاد ونقص ان نقص‏».

وقال المحقق المتضلع النجفي صاحب الجواهر(قدس‏سره) (ت = 1266ه ) في جواهره: «كيف كان فاذا رئي الهلال في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد ونحوهما مما لم تختلف فيه المطالع وجب الصوم على ساكنيها اجمع ... دون البلاد المتباعدة كالعراق وخراسان ونحوهما مما علم فيه‏اختلاف المطالع او احتمل ... لكنه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون، اما لعدم كروية الارض بل هي مسطحة فلا تختلف المطالع حينئذ، واما لكونه قدرا يسيرا لا اعتداد باختلافه بالنسبة الى علو السماء، وربما يومي الى ذلك مضافا الى الاطلاق المزبور خصوصا صحيح هشام المشتمل على النكرة الشائعة المتناولة للجميع على البدل قولهp2.gif في الدعاء: «وجعلت رؤيتها لجميع الناس مراى واحدا» وعدم اتفاق حصول الاختلاف بين البلاد الشرقية والغربية في ذلك ... بل ظاهر المحكي عن المنتهى اختياره في اول كلامه لكن قال في آخره: وبالجملة ان علم طلوعه في بعض الاصقاع وعدم طلوعه في بعضها للتباعد عنه لكروية الارض لم يتساو احكامهما -الى آخر كلامه، ثم قال: ويمكن ان لا يكون كذلك ضرورة عدم اتفاق العلم بذلك عادة، فالوجوب حينئذ على‏الجميع مطلقا قوي. وحينئذ يسقط ما ذكره في الدروس من التفريع بما لو راى الهلال في بلدوسافر الى آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه اليه فيصوم زائدا او يفطر على ثمانية وعشرين يوما...».

وقال الاية السيد محسن الحكيم(قدس‏سره) في مستمسك العروة عند قول المصنف(قدس‏سره): اذا ثبت رؤيته في بلد آخر ولم يثبت في بلده، فان كانا متقاربين كفى والا فلا، الا اذا علم توافق افقهما وان كانا متباعدين -بعد قوله: كفى: «اجماعا قيل. واستدل له بصحيح هشام بن الحكم عن ابي عبداللهp2.gif انه قال في من صام تسعة وعشرين، قالp2.gif: «ان كانت له بينة عادلة على اهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما». واطلاق ما دل على الاكتفاء بشهادة عدلين بالرؤية، بناء على انصراف الجميع الى صورة تقارب البلدان.

اقول: لاجل انه لا ينبغي التامل في اختلاف البلدان في الطول والعرض الموجب لاختلافها في الطلوع والغروب، ورؤية الهلال وعدمها، فمع العلم بتساوي البلدين في الطول لا اشكال في حجية البينة على الرؤية في احدهما لاثباتها في الاخر. وكذا لو رئي في البلاد الشرقية، فانه تثبت رؤيته في الغربية بطريق اولى. اما لو رئي في الغربية فالاخذ باطلاق النص غير بعيد الا ان يعلم بعدم الرؤية، اذ لا مجال حينئذ للحكم الظاهري. ودعوى الانصراف الى المتقاربين غير ظاهرة. نعم يحتمل عدم اطلاق النص بنحو يشمل المختلفين، لوروده من حيث تعميم الحكم لداخل البلد وخارجها، لا من حيث التعميم للمختلفين والمتفقين. لكن الاول اقوى‏».

وقال الفقيه المعاصر آية الله الخوئي(قدس‏ سره) في منهاج الصالحين: «اذا رئي الهلال في بلد كفى الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الافاق بحيث اذا رئي في بلد الرؤية رئي فيه، بل الظاهر كفاية الرؤية في بلد ما في الثبوت لغيره من البلاد مطلقا.

بيان ذلك: ان البلدان الواقعة على سطح الارض تنقسم الى قسمين:

احدهما: مما تتفق مشارقه ومغاربه او تتقارب.

ثانيهما: ما تختلف مشارقه ومغاربه اختلافا كبيرا.

اما القسم الاول: فقد اتفق علماء الامامية على ان رؤية الهلال في بعض هذه البلاد كافية لثبوته في غيرها، فان عدم رؤيته فيه انما يستند لا محالة الى مانع يمنع من ذلك كالجبال او الغابات او الغيوم او ما شاكل ذلك.

واما القسم الثاني (ذات الافاق المختلفة): فلم يقع التعرض لحكمه في كتب علمائنا المتقدمين، نعم حكي القول باعتبار اتحاد الافق عن الشيخ الطوسي في (المبسوط) فاذن، المسالة مسكوت عنها في كلمات اكثر المتقدمين، وانما صارت معركة للاراء بين علمائنا المتاخرين، المعروف بينهم القول باعتبار اتحاد الافق، ولكن قد خالفهم فيه جماعة من العلماء والمحققين فاختاروا القول بعدم اعتبار الاتحاد، وقالوا بكفاية الرؤية في بلد واحد لثبوته في غيره من البلدان ولو مع اختلاف الافق بينها.

فقد نقل العلامة في (التذكرة) هذا القول عن بعض علمائنا واختاره صريحا في (المنتهى)، واحتمله الشهيد الاول في (الدروس)، واختاره -صريحا المحدث الكاشاني في (الوافي)، وصاحب الحدائق في حدائقه، ومال اليه صاحب الجواهر في جواهره، والنراقي في (المستند)، والسيد ابو تراب الخوانساري في شرح (نجاة العباد)، والسيد الحكيم في مستمسكه في الجملة.

وهذا القول -اي كفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الهلال في بلد آخر ... ولو مع اختلاف افقهما هو الاظهر، ويدلنا على ذلك امران:

الاول: ان الشهور القمرية انما تبدا على اساس وضع سير القمر واتخاذه موضعا خاصا من الشمس في دورته الطبيعية وفي نهاية الدورة يدخل تحت‏شعاع الشمس وفي هذه الحالة -حالة المحاق لا يمكن رؤيته في اية بقعة من بقاع الارض، وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري ويبدا شهر قمري جديد. ومن الواضح ان خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الارض على اختلاف مشارقها ومغاربها، لا لبقعة دون اخرى، وان كان القمر مرئيا في بعضها دون الاخر، وذلك لمانع خارجي كشعاع الشمس، او حيلولة بقاع الارض او ما شاكل ذلك، فانه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق ضرورة انه ليس لخروجه من افراد عديدة بل هو فرد واحد متحقق في الكون لا يعقل تعدده بتعدد البقاع، وهذا بخلاف طلوع الشمس فانه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة، فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها.

وعلى ضوء هذا البيان فقد اتضح ان قياس هذه الظاهرة الكونية بمسالة طلوع الشمس وغروبها قياس مع الفارق، وذلك لان الارض بمقتضى كرويتها تكون -بطبيعة الحال لكل بقعة منها مشرق خاص ومغرب كذلك، فلا يمكن ان يكون للارض كلها مشرق واحد ولا مغرب كذلك، وهذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية اي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس فانه لعدم ارتباطه ببقاع الارض وعدم صلته بها لا يمكن ان يتعدد بتعددها.

ونتيجة ذلك ان رؤية الهلال في بلد ما امارة قطعية على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتخذه من الشمس في نهاية دورته وبداية لشهر قمري جديد لاهل الارض جميعا لا لخصوص البلد الذي يرى فيه وما يتفق معه في الافق.

ومن هنا يظهر: ان ذهاب المشهور الى اعتبار اتحاد البلدان في الافق مبني على تخيل ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الارض كارتباط طلوع الشمس وغروبها، الا انه لا صلة -كما عرفت ‏لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون اخرى فان حاله مع وجود الكرة الارضية وعدمها سواء .

الثاني: النصوص الدالة على ذلك ونذكر جملة منها ...».

اقول: وادع ذلك لمجال الاستدلال ومقام التمسك بالروايات، كما سياتي. وقال الفقيه المعاصر الاية الحجة الميلاني(قدس‏سره) (ت = 1395ه ) بهامش العروة عند قول الماتن: «توافق افقهما»: «او تقدم افق بلد الرؤية، والاظهر كفاية الثبوت مطلقا، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه‏».

وقال الفقيه المعاصر آية الله الگلپايگاني(قدس ‏سره) بهامش الوسيلة: «احتمال الكفاية مطلقا -يعني يثبت الهلال في البلدان كلها لا يخلو من وجه، لكن لا يترك الاحتياط في المتقدم افقا عن البلد المرئي فيها».

ونظير هذا الكلام في هامش العروة.

وقال ايضا(قدس ‏سره) في مجمع المسائل: «سؤال 811: ذكر في الوسائل، كتاب الصوم، الباب الثالث من ابواب احكام شهر رمضان التي عددها سبع وثلاثون بابا: «باب ان علامة شهر رمضان وغيره رؤية الهلال فلا يجب الصوم الا للرؤية او مضي ثلاثين ولا يجوز الافطار في آخره الا للرؤية او مضي ثلاثين وانه يجب العمل في ذلك باليقين دون الظن‏».

ثم ينقل 28 حديثا بهذا المضمون ... وبناء عليه فاذا رئي الهلال في احدى البلاد البعيدة فكيف يحصل اليقين لسكان البلاد الاخرى بان الهلال طلع في ذلك البلد. والوجوه الاستحسانية التي ذكرها بعض الاعاظم في بعض الرسائل العملية اجتهاد في مقابل النص. وغرضي انه كيف يمكن مع وجود هذه الاخبار المتواترة الافتاء بانه اذا رئي الهلال في بلد فان ذلك يكفي لجميع البلاد؟

الجواب: لا اشكال ولا نزاع في انه لا يجب الصوم الا بعد رؤية هلال شهر الصيام او مضي ثلاثين يوما من شعبان، ولا يجب ولا يجوز الافطار الا بعد رؤية هلال شوال كما في الروايات الكثيرة او مضي ثلاثين يوما من شهر رمضان. انما الكلام في ان الرؤية الموجبة للصوم في اول الشهر والموجبة للافطار في آخره هل هي الرؤية في كل بلد بالنسبة الى اهله بحيث لو راينا الهلال في قم مثلا لا يكفي لسائر البلاد، توافق افقها ام تخالف؟ ام يكفي الرؤية في بلد لموافقيه في الافق ومقاربيه دون غيرهما كما اختاره في العروة، او يكفي الرؤية في بلد لما توافق او تقارب معه في الافق ولكل بلد يكون بالنسبة الى بلد الرؤية غربيا كما اختاره جمع من الاعاظم، او يكفي الرؤية في بلد له ولكل بلد وان تخالف افقه مع افق بلد الرؤية كما اختاره العلامة في بعض كتبه، وبعض آخر على ما هو ببالي، واصر عليه في المستند؟

والمقصود من هذا القول: ان الهلال اذا خرج من تحت الشعاع وصار قابلا للرؤية ورآه الناس في آخر شعبان، فهذه علامة خروج شعبان ودخول رمضان، ففي كل بلد تكون هذه الساعة ليلا تكون هذه الليلة ليلة رمضان، وفي كل بلد تطلع الشمس [اقول: بل يطلع الفجر الذي هو اول ساعات اليوم] بعد هذه الساعة يكون ذلك اليوم يوم رمضان، وصاحب هذا القول حمل اخبار الرؤية على الرؤية في مكان ما في العالم دون رؤية نفس المكلف او بلده.

هذا في مرحلة الثبوت، واما في مرحلة الاثبات ففي جميع الاقوال يحتاج الى حصول يقين او قيام امارة معتبرة شرعا، وبدونها لا يحكم بوجوب الصوم او الافطار. ولعل ما اخرجه الوسائل في باب 15 من احكام شهر رمضان، حديث‏1، يدل على ذلك، لان السائل سال عن قول اهل الحساب برؤية الهلال في الاندلس وافريقيا، فيجيبp2.gif بانه لا صوم مع الشك، ولا يجيب بان الرؤية في البلاد البعيدة لا تكفي، وكذا ما اخرجه في الباب 12، حديث‏2، من قولهp2.gif: «فان شهد اهل بلد آخر فاقضه‏» فانه مطلق يشمل البلاد البعيدة، والله سبحانه وتعالى هو العالم‏».

اقول: اشكره على ذلك البيان الوافي والواضح، ولكن الخبر الثاني من الباب 12 الذي استشهد به اخيرا كان موجودا ضمن اخبار الباب‏3 وهو الخبر9 من ذلك الباب، فلا حاجة الى الاجابة بباب آخر، ولكنه مع الاسف ضعيف فياليته(قدس‏سره) بدله بالخبر الاول من الباب 12 وهو خبر صحيح، وهاك الخبر: محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن شعيب، عن ابي بصير، عن ابي عبداللهp2.gif انه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان، فقال: «لا تقضه الا ان يثبت‏شاهدان عدلان من جميع اهل الصلاة متى كان راس الشهر»، وقال: «لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى الا ان يقضي اهل الامصار فان فعلوا فصمه‏». او بدله بموثق عمار: «... فان شهد اهل بلد آخر انهم راوه فاقضه‏». او بصحيح هشام بن الحكم: «ان كانت له بينة عادلة على اهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما».

والامر سهل بعد قيام روايات عديدة معتبرة، ولسماحته منا الثناء المتواصل.

وقال الفقيه المعاصر السيد عبدالاعلى السبزواري في موسوعته في شرح العروة (مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام): «البحث في هذه المسالة العامة البلوى -في غالب الاعصار والاعوام تارة بحسب الاصل، واخرى بحسب الاخبار، وثالثة بحسب الاعتبار، ورابعة بحسب كلمات فقهائنا».

وقال(قدس ‏سره) في مقام الاعتبار: «واما الثالث فهو مركب من امور:

الاول: ان اول الشهر وآخره من الامور التكوينية، ولا وجه للتعبد في التكوينيات ...

الامر الثاني: اول الشهر بحسب البراهين القطعية الهيئوية عبارة عن خروج القمر عن تحت الشعاع وبروزه في الافق، تعلقت به الرؤية ام لا، وهذا من الامور التكوينية في الحركات الدورية للكرات .. والخروج عن تحت الشعاع والبروز في الافق لا يؤثر فيه اختلاف الافق مطلقا الا اذا كان الاختلاف بمقدار اليوم او الليلة، وهو غير متحقق في البلاد الاسلامية... [اقول: بحثنا عام يشمل بلاد الكفر التي يسكنها المسلمون ولو كان فردا واحدا].

الامر الثالث: ليس في الاخبار التي عندنا اسم من اتفاق الافق في البلاد واختلافه، فتكفي رؤية الهلال في بعض البلاد للبعض الاخر في الاول دون الاخير، ولم نظفر على هذا التعبير او ما يقاربه في الاخبار بشي‏ء...

الامر الرابع: موانع الرؤية في البلاد مختلفة وكثيرة جدا كما وكيفا ومن سائر الجهات التي لا تحصى كالغيم ... فيكون عدم الرؤية اعم من عدم البروز في الافق قطعا».

استعراض كلمات الجمهور:

بحمد الله قد فرغت من عرض آراء الخاصة، وبحوله تعالى وقوته سبحانه اتعرض الان لسرد اقوال العامة.

قال الشافعي (ت = 204ه ) في كتابه الام: «اخبرنا الربيع، قال: اخبرنا الشافعي، قال: اخبرنا مالك، عن عبدالله بن دينار ، عن ابن عمر: ان رسول اللهp1.gif قال: «الشهر تسع وعشرون لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فان غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين‏».

وقال ابن حزم (ت = 456ه ) في المحلى: «ومن صح عنده بخبر من يصدقه من رجل واحد، او امراة واحدة، عبد او حر او امة او حرة فصاعدا، ان الهلال قد رئي البارحة في آخر شعبان ففرض عليه الصوم، صام الناس او لم يصوموا، وكذلك لو رآه هو وحده، ولو صح عنده بخبر واحد ايضا -كما ذكرنا فصاعدا ان هلال شوال قد رئي فليفطر، افطر الناس او صاموا، وكذلك لو رآه هو وحده، فان خشي في ذلك اذى فليستتر بذلك.

حدثنا عبدالله بن يوسف ... عن ابن عمر عن النبيp1.gif انه ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فان غم عليكم فاقدروا له‏»....

وعن ابن عباس ان رسول اللهp1.gif قال: «فان غم عليكم فاكملوا العدة‏». واختلف الناس في قبول خبر الواحد في ذلك.

فقال ابو حنيفة والشافعي بمثل قولنا في هلال رمضان، ولم يجيزا في هلال شوال الا رجلين عدلين.

قال ابو محمد: وهذا تناقض ظاهر. وقال مالك: لا اقبل في كليهما الا رجلين عدلين.

قال ابو محمد: اما من فرق بين الهلالين فما نعلم لهم حجة، واما قول مالك فانهم قاسوه على سائر الاحكام.

قال ابو محمد: والقياس كله باطل ...».

وقال السرخسي (ت = 483ه ) في المبسوط -فيما يبحث فيه من صوم الشك: «الا ان يكون ابصر الهلال وحده ورد الامام شهادته. وانما ترد شهادته اذا كانت السماء مصحية وهو من اهل المصر، فاما اذا كانت السماء مغيمة او جاء من خارج المصر او كان من موضع نشز فانه تقبل شهادته عندنا خلافا للشافعي في احد قوليه ...

ولنا قولهp1.gif: «صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته، فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما ...».

وقال ابن رشد (ت = 595ه ) في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: «الجملة الثانية: في الاركان: والاركان ثلاثة: اثنان متفق عليهما وهما الزمان والامساك عن المفطرات، والثالث مختلف فيه وهو النية، فاما الركن الاول الذي هو الزمان... فان العلماء اجمعوا على ان الشهر العربي يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، وعلى ان الاعتبار في تحديد شهر رمضان انما هو الرؤية، لقوله عليه الصلاة والسلام: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته‏» وعنى بالرؤية اول ظهور القمر بعد السؤال، واختلفوا في الحكم اذا غم الشهر ولم تمكن الرؤية وفي وقت الرؤية المعتبر، فاما اختلافهم اذا غم الهلال، فان الجمهور يرون ان الحكم في ذلك ان تكمل العدة ثلاثين، فان كان الذي غم هلال اول الشهر عد الشهر الذي قبله ثلاثين يوما وكان اول رمضان الحادي والثلاثين، وان كان الذي غم هلال آخر الشهر صام الناس ثلاثين يوما. وذهب ابن عمر الى انه ان كان المغمى عليه هلال اول الشهر صيم اليوم الثاني، وهو الذي يعرف بيوم الشك.

وروى عن بعض السلف انه اذا اغمى الهلال رجع الى الحساب بمسير القمر والشمس، وهو مذهب مطرف بن الشخير وهو من كبار التابعين، وحكى ابن سريج عن الشافعي انه قال: من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة الاستدلال ان الهلال مرئي وقد غم، فان له ان يعقد الصوم ويجزيه.

وسبب اختلافهم الاجمال الذي في قولهp1.gif: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فان غم عليكم فاقدروا له‏» فذهب الجمهور الى ان تاويله اكملوا العدة ثلاثين، ومنهم من راى ان معنى التقدير له هو عده بالحساب. ومنهم من راى ان معنى ذلك ان يصبح المرء صائما، وهو مذهب ابن عمر كما ذكرنا، وفيه بعد في اللفظ. وانما صار الجمهور الى هذا التاويل لحديث ابن عباس الثابت انه قال عليه الصلاة والسلام: «فان غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين‏» وذلك مجمل وهذا مفسر، فوجب ان يحمل المجمل على المفسر وهي طريقة لا خلاف فيها بين الاصوليين، فانهم ليس عندهم بين المجمل والمفسر تعارض اصلا، فمذهب الجمهور في هذا لائح، والله اعلم‏».

وقال: «واذا قلنا ان الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره فهل يتعدى ذلك من بلد الى بلد؟ اعني هل يجب على اهل بلد ما اذا لم يروه ان ياخذوا في ذلك برؤية بلد آخر ام لكل بلد رؤية؟ فيه خلاف، فاما مالك فان ابن القاسم والمصريين رووا عنه انه اذا ثبت عند اهل بلد ان اهل بلد آخر راوا الهلال ان عليهم قضاء ذلك اليوم الذي افطروه وصامه غيرهم، وبه قال الشافعي واحمد، وروى المدنيون عن مالك ان الرؤية لا تلزم بالخبر عند غير اهل البلد الذي وقعت فيه الرؤية، الا ان يكون الامام يحمل الناس على ذلك، وبه قال ابن الماجشون والمغيرة من اصحاب مالك، واجمعوا انه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالاندلس والحجاز. والسبب في هذا الخلاف تعارض الاثر والنظر، اما النظر فهو ان البلاد اذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف فيجب ان يحمل بعضها على بعض، لانها في قياس الافق الواحد، واما اذا اختلفت اختلافا كثيرا فليس يجب ان يحمل بعضها على بعض، واما الاثر فما رواه مسلم عن كريب ان ام الفضل بنت الحارث بعثته الى معاوية بالشام... فظاهر هذا الاثر يقتضي ان لكل بلد رؤيته، قرب او بعد، والنظر يعطي الفرق بين البلاد النائية والقريبة وبخاصة ما كان نايه في الطول والعرض كثيرا».

وقال عبدالله بن احمد بن محمد بن قدامة (ت = 620ه ) -وهو امام في فقه احمد بن حنبل في المغني: « واذا راى الهلال اهل بلد لزم جميع البلاد الصوم، وهذا قول الليث وبعض اصحاب الشافعي وقال بعضهم: ان كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لاجلها كبغداد والبصرة لزم اهلهما الصوم برؤية الهلال في احداهما، وان كان بينهما بعد كالعراق والحجاز والشام فلكل اهل بلد رؤيتهم. وروي عن عكرمة ا نه قال: لكل اهل بلد رؤيتهم، وهو مذهب القاسم وسالم واسحاق، لما روى كريب، قال: قدمت الشام... ولنا قول الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقول النبي للاعرابي لما قال: ءالله امرك ان تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: «نعم‏»، وقوله للاخر لما قال له: ماذا فرض الله علي من الصوم؟ قال: «شهر رمضان‏» واجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان وقد ثبت ان هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات فوجب صومه على جميع المسلمين، ولان شهر رمضان ما بين الهلالين وقد ثبت ان هذا اليوم منه في سائر الاحكام من حلول الدين ووقوع الطلاق والعتاق ووجوب النذور وغير ذلك من الاحكام‏».

وقال: «واذا راى هلال شهر رمضان وحده صام: المشهور في المذهب انه متى راى الهلال وحده لزمه الصيام عدلا كان او غير عدل... وهذا قول مالك والليث والشافعي واصحاب الراي... وقد روى حنبل عن احمد لا يصوم الا في جماعة الناس، وروي نحوه عن الحسن وابن سيرين... ولنا انه تيقن انه من رمضان فلزمه صومه كما لو حكم به الحاكم وكونه محكوما به من شعبان ظاهر في حق غيره، واما في الباطن فهو يعلم انه من رمضان فلزمه صيامه‏».

وقال المصنف في كتابه الاخر المقنع: «واذا راى الهلال اهل بلد لزم الناس كلهم الصوم. ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد، ولا يقبل في سائر الشهور الا عدلان‏».

وفي تعليقة بهامش الكتاب لمعلقها، وقد استدل على ذلك فقال: «حكاه الترمذي اجماعا، لما روى ابن عمر عن النبيp1.gif اذ اجاز شهادة رجل واحد على رؤية الهلال، وكان لا يجيز على شهادة الافطار الا رجلين‏».

وقال ابن تيمية (ت = 672ه ) في الفتاوى الكبرى: «تختلف المطالع باتفاق اهل المعرفة بهذا، فان اتفقت لزم الصوم والا فلا، وهو الاصح للشافعية، وقول في مذهب احمد، ومن راى هلال رمضان وحده وردت شهادته لم يلزمه الصوم ولا غيره، ونقله حنبل عن احمد في الصوم... والنزاع مبني على اصل، وهو ان الهلال هو اسم لما يطلع من السماء وان لم يشتهر ولم يظهر او لانه لا يسمى هلالا الا بالاشتهار والظهور كما يدل عليه الكتاب والسنة‏».

وقال عبدالرحمان الجزيري: «يثبت‏شهر رمضان باحد امرين: الاول: رؤية هلاله اذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية... الثاني: اكمال شعبان ثلاثين يوما اذا لم تكن السماء خالية مما ذكر لقولهp1.gif: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فان غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلاثين‏»... وبهذا اخذ ثلاثة من الائمة، وخالف الحنابلة حال الغيم عملا بلفظ آخر ورد في حديث آخر، وهو: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فان غم عليكم فاقدروا له‏». فقالوا: ان معنى «فاقدروا له‏» احتاطوا له بالصوم‏».

وقال كذلك: «اذا ثبت رؤية الهلال بقطر من الاقطار وجب الصوم على سائر الاقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد اذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقا عند ثلاثة من الائمة، وخالف الشافعية... -قال بالهامش: الشافعية قالوا: اذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على اهل الجهة القريبة منها من كل ناحية ان يصوموا بناء على هذا للثبوت، والقرب يحصل باتحاد المطلع بان يكون بينهما اقل من اربعة وعشرين فرسخا تحديدا. اما اهل الجهة البعيدة، فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع‏».

وقال السيد سابق في كتابه فقه السنة: «بم يثبت الشهر؟ يثبت‏شهر رمضان برؤية الهلال، ولو من واحد عدل او اكمال عدة شعبان ثلاثين يوما».

وقال كذلك: «اختلاف المطالع: ذهب الجمهور الى انه لا عبرة باختلاف المطالع. فمتى راى الهلال اهل بلد وجب الصوم على جميع البلاد لقول الرسولp1.gif: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته‏» وهو خطاب عام لجميع الامة فمن رآه منهم في اي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا... والصحيح عند الاحناف والمختار عند الشافعية: انه يعتبر لاهل كل بلد رؤيتهم، ولا يلزمهم رؤية غيرهم‏».

السير التاريخي للمسالة:

هذه جملة ما وقفت عليه -بتوفيق الله وتسديده وله الشكر حتى يرضى من آراء العامة والخاصة، ومر بنا آراء الفطاحل والافذاذ، وتعرفنا كيف بدا بهم السير في الاكتفاء بالرؤية في الصيام والافطار من غير تفصيل، ثم كيف ومتى اخذوا في تلك التفاصيل وجدوا واجتهدوا حتى صعد بهم النشاط العلمي الى فروض دقيقة، وهي فروض لا يساعدهم في تحققها وسائل ذلك الزمان، كانهم صعدوا بها الى زماننا الذي يحق ان يقال فيه: ثم السبيل لتلك الفروض يسره. ولكن هؤلاء الكرام الذين فرضوها استثقلوها كما استثقلناها، فاحتاطوا فيها اولا، ثم بدا لهم في تلكم الاجتهادات، واخيرا في بعض المباني الذي يؤدي اليها، وفي الاواخر رفضوها بتاتا كما في الحدائق والجواهر ومن يحذو حذوهما وما اولاهما بذلك، فان صيام احد وثلاثين او ثمانية وعشرين، او الامساك بعد التعيد مما تاباه اذهان المتشرعة، ولا نكاد نعثر في الروايات على ايماء اليها.

ثم قد وقفنا على آراء كثيرة حول رؤية الهلال، فمن قائل: ان الرؤية تكفي خاصة لاهل بلدة وما يساويها او يقاربها من البلاد، وقائل يقول: ان الرؤية في البلاد الشرقية تكفي للبلاد الغربية وان بعدت، وقائل آخر يقول: انه ما لم يعلم الاختلاف تكفي الرؤية لاية بلدة، ومن معلن صريحا: ان الرؤية في موضع تكفي الناس جميعا بلا تعرض لخصوصية من الخصوصيات، ومن قائل متعرض لخصوصية: ان تكون الرؤية بحيث تكون البلاد الاخرى حينئذ في ظل الليل وفي ظلمته دون ما اذا رئي في موضع والناس في موضع آخر قد طلعت عليهم الشمس، وبعبارة ادق قد طلع عليهم الفجر. وهذه النظرة الاخيرة -اي الكفاية لعموم الناس نراها في الالف الاول من الهجرة، يذكرها العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا، ويختارها في اول المنتهى، ثم يبدو له في الانتهاء. ويسعى اليها بعض السعي الشهيد في الدروس وان لم يكن هو ذلك القول بعينه. ونرى في الالف الثاني حركة جديدة من فحول الاعلام رائدهم المحقق الفيض الكاشاني -احد المحمدين الثلاثة المتاخرين الذين بذلوا جهدهم في تاليف المجاميع الكبيرة اعلن عن رايه وتبعه من فقهاء الاخباريين المحقق البحراني، وقواه من المجتهدين الكبار صاحب الجواهر، واصر عليه في المستند (وان كان مختاره لا ينطبق تماما على هذا القول). وفي ختام المئة الرابعة من الالف الثاني ومفتتح المئة الخامسة افضت بهم المدارسة والبحث الى هذا القول كما عرفنا من الميلاني(قدس‏سره) ومن الاعلام الموجودين ادام الله ظلالهم.

التحقيق في المسالة:

اقول ذلك، والعمدة ما دل عليه الدليل وساق اليه البحث، فاقول مستعينا به سبحانه وتعالى ومستعيذا من خطا الجنان واللسان:

قال الله سبحانه في كتابه: (يسالونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) جعل الله سبحانه وتعالى الهلال ميقاتا للناس ينظمون به امورهم.

والهلال عنوان للقمر في حالة خاصة له، وهي الخروج من تحت‏شعاع الشمس، فالقمر في حالته هذه علامة للناس، وهذه الحالة وحدها لم يعتبر فيها ان تكون مرئية للناس، وانما الخروج من تحت‏شعاع الشمس تمام ماهيتها، فلم تتقيد بالرؤية ولا بحالة من حالات الارض مثل ان تتقيد برؤية هذا البلد او غيره، او تتقيد بان يرى الهلال مثلا خلال عشر دقائق بعد الغروب او نحوه، انما تمام الملاك الهلال. نعم لابد من رؤيته كي ترتب عليه آثاره، ولكنها ليست بقيد فيه. وهذا مثل ان نقول الانسان، ويراه الانسان الاسود منطبقا على نفسه ويزعم ان المعتبر ان يكون الانسان اسود، وكذلك الابيض وغيره، فانه وان لم يكن له محيص ان يرى الانسانية من هذه النافذة، ولكن هذه الحالة ليست بدخيلة فيها.

وسنخوض في بحث الرؤية -وقهرا تكون الرؤية في بلد ما ان شاء الله تعالى. وارى من اللازم ان يبحث عن الغروب والطلوع اللذين يترتب عليهما الاحكام، لانه قد يقاس الهلال بهما، فيقال كما ان لكل بلدة طلوع وغروب -ولا نعني به طلوع وغروب آخر فكذلك الهلال، وهو في غير محله، فان الغروب والطلوع قد قيس بحركة الشمس في كل موضع موضع، وبعبارة ادق: يكون الغروب والطلوع حادثا من حركة الارض حول نفسها مقيسة الى الشمس.

توضيح ذلك: ان الارض تدور حول نفسها في اربع وعشرين ساعة، والدائرة التي تدور فيها 360 درجة، فبالطبع تقطع من هذه الدائرة في كل ساعة 15 درجة وتقطع كل درجة في اربع دقائق، فبقطعها هذه الدرجات يحصل طلوعها وغروبها في كل موضع موضع، ففي مثل بلدتنا في الاعتدال الخريفي او الربيعي اذا كان بينها وبين الدرجة التي تواجه الشمس وتشرق الشمس عليها اربع وعشرون درجة يطلع الفجر ويسفر الصبح في تلك الدرجة، فاذا قطعت تلكم الدرجات فستواجه الشمس وتشرق الشمس عليها بشروقها، ومثله نقول في الغروب.

ففي الحقيقة لكل درجة درجة من تلك الدرجات البالغة 360 درجة شروق وغروب خاص بها، ولا معنى لقياس شروق موضع بشروق موضع آخر، مثلا ليس لنا في الليل طلوع فجر ولا شروق شمس اصلا، بل ننتظر ان تبلغ الحركة الى درجة خاصة، وليس لنا تكليف في طلوع آخر ولا غروب آخر، وانما علينا مغربنا ومشرقنا، وقد ورد في باب المواقيت ما يفصح عن ذلك وان كان لا حاجة اليه لوضوحه وبداهته.

ففي الوسائل: وعنه (سعد بن عبدالله)، عن احمد بن محمد، عن الحسين ابن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن ابي اسامة اوغيره قال: صعدت مرة جبل ابي قبيس والناس يصلون المغرب، فرايت الشمس لم تغب انما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت ابا عبداللهp2.gif فاخبرته بذلك، فقال لي: «ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت... وانما عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس ان يبحثوا» .

ولا بحث لي الان عن مفاد الحديث، وهل يمكن ان يؤخذ به في المورد او لا؟ وانما انظر الى قولهp2.gif: «وانما عليك مشرقك ومغربك‏» وهذا امر تكويني لا محيص عنه، وقد نبه عليه الخبر. وهذا لا ربط له بالهلال، فان الهلال هو الخروج عن تحت الشعاع وهو محقق، سواء امكنني رؤيته ام لم يمكن. وهذا مراد من قال:انه ليس لخروجه منه افراد عديدة، بل هو فرد واحد متحقق في الكون لا يعقل تعدده بتعدد البقاع. وهذا بخلاف طلوع الشمس، فانه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة، فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها. فقد اتضح ان قياس هذه الظاهرة الكونية بمسالة طلوع الشمس وغروبها قياس مع الفارق، انتهى.

وبعبارة اوضح: ان الطلوع او الغروب لا مفهوم له عندي الا ان تبلغ الارض في حركتها حول نفسها الدرجة الخاصة ولا معنى له بغير ذلك، بخلاف الهلال اذ هو محقق بخروج القمر عن تحت الشعاع، فاذا علمت به ترتب عليه من الاحكام ما ارتبط في لسان الشرع به.

نعم امرنا برؤية الهلال، نصوم عند الرؤية ونفطر عند الرؤية، ولكن من الواضح ان الرؤية انما هي طريق الى العلم به لا دخيلة في التكليف بخصوصها.

ويشهد له انه اذا كان شهر رمضان ثلاثين يوما لا نستهل لاثبات شهر شوال، بل نعيد بدون ذلك، وكذلك اذا رئي الهلال في الليلة التاسعة والعشرين وتم شهر رمضان ثمانية وعشرين يوما، نرجع الى ما وراء ونحكم بوجوب قضاء يوم لعلمنا بوجود الهلال فيما حسبناه آخر شعبان.

فالمدار هو العلم، والرؤية طريق للعلم خصوصا وقد قورنت في الروايات بهذه الكلمة لا بالراي والتظني. فنستفيد ان الائمة(عليهم‏السلام) اكدوا على ان لا يستند الناس الى الاراء الحدسية والظنون الفاشلة، بل الى الرؤية المؤدية الى العلم، فاذا لم يكن الهلال مقيدا بقيد سوى كونه هلالا ولم تكن الرؤية الا طريقا للعلم به، فان علمت به وانا في الساعة الرابعة من الليل مثلا، افلا يصدق ان القمر خرج الان من تحت الشعاع وان هذا الليل الذي قد غشينا ليل رئي فيه الهلال وعلم فيه بخروج القمر من تحت الشعاع وقد اخذ القمر في بداية شهر جديد؟ او لست انا الان في شهر جديد وقد علمت علما يقينا غير ذي شك بان الهلال قد اخذ في طريق ما سخر له، وهذا لعمري من الوضوح بمكان.

وعلينا الان ان نبحث هل قيد الهلال في الروايات بالرؤية في بلد خاص او بلاد قريب بعضها من بعض؟ فان كان ذلك فنسلم تسليما. واما ان كان القياس الى الغروب، والطلوع ادانا الى ذلك، فحينئذ نضع عن عواتقنا الاعباء ونستريح الى ظل الشريعة السمحة السهلة وتكون لنا حينئذ الشوكة من خلال ترسيخ الوحدة الاسلامية وتزول عنا شنعة الافتراق ونتخلص من تلك الفروع الشاذة التي مرت بنا.

ويطيب لي ان لا اضع القلم هنا الا وانبه على ما رغب فيه هؤلاء الفطاحل من الاخذ بالاحتياط اما لزوما او استحبابا. واقول لهم في خضوع وتكرمة: الاحتياط في مثل هذه المسائل الهامة في ترك الاحتياط. فلا نقصر النظر على الصيام في اول شهر رمضان، بل ننظر الى آخره والى اعمال الحج في عرفات ومنى، ففي آخر شهر رمضان اذا بنينا على كفاية رؤية الهلال للناس جميعا فما يكون مآل الاحتياط؟ الاحتياط في امر يدور بين الحرمة والوجوب، فلا يكون احتياطا الا بالخروج الى المسافة الشرعية قبل طلوع الصبح فيفطرون ثم يعودون، وهل يمكن ذلك في بلد صغير فضلا عن البلاد الكبيرة؟ وفي مثل الوقوف بعرفات والكون بمنى اي عسر يلزم الناس في ذلك الاحتياط؟

الصفحة السابقة

 

الصفحة التالية

 

 

كما وقد حكم بنظير ذلك استاذنا المحقق الشيخ محمد على الاراكى(قدس‏سره) فى حاله استحاله الماء بخارا ثم ماء، حيث قال: ان العرف لا يرى العرق الحاصل بالتصعيد شيئا آخر وراء نفس الماء المستحيل بخارا، بل انهم يرون ان الماء صار بخارا ثم صار ثانيا ماء، ويرون الماء الثانى عين الماء الاول من دون حاجه الى الاستصحاب، حتى يشكل بانفصال زمان الشك عن زمان اليقين.

 

وفيه: ان اهل العرف كما يحكمون بانه هو الرجل الاول - ويكون حكمهم بعينيه هذا مع هذا كحكمهم فى المفاهيم وتطبيقها على المصاديق حجه - كذلك يحكمون بانه متكون من المراه المتغيره والمتبدله، وحيث انه فى حال كونه امراه يحكم العرف بعدم وجود العلقه بينهما فيقع التعارض، وهو يوجب التساقط، ومع التساقط يحكم بلزوم عقد جديد.

 

اللهم الا ان يقال: انه لا تعارض بين اللااقتضاء واقتضاء الزوجيه، اذ هما يجتمعان، فالمراه المتبدله من الرجوليه بالنسبه الى الزوجيه لا اقتضاء، اذ لا موجب لزوجيتها، وعينيه الرجل مع الرجل السابق مقتضيه للزوجيه، لوجود سبب الزوجيه بينهما، فيجتمعان كما تجتمع الطهاره الذاتيه مع النجاسه العارضه.

 

ثم انه لو تزوجت زوجته مع آخر بعد التغير وقبل عود الرجل الذى صار امراه الى الحال الاول، فبعد العود ان قلنا بعينيه الرجل مع الرجل السابق وبقاء الزوجيه السابقه بطل نكاحها مع الثانى من حين العود، وكانت زوجه للزوج الاول من السابق بالسبب السابق، فيعتبر بالعود بقاء زوجيته زوجه الاول بسببه السابق.

 

ولا منافاه بين هذا الاعتبار واعتبار زوجيتها مع الاخر فى حال تغيير جنسيه زوجها قبل العود الى شكله الاول، لتعدد الاسباب وتعدد زمان الاعتبار، اذ زمان اعتبار زوجيتها للغير غير زمان اعتبار زوجيتها للاول، والزوجيه فى كليهما مستنده الى السبب، ولكن مقتضى تقدم السبب الاول وعينيه الرجل بعد العود مع الرجل السابق هو تاثير السبب الاول فيما بقى، وبطلانه فى الثانى من حين العود، جمعا بين السببين.

 

لا يقال: ان اللازم هو التفصيل بين النكاح المنقطع والدائم، حيث ان السبب الاول يقتضى زوجيتها للزوج الاول مرسله ومن دون قيد، فاذا بدل الزوج جنسيته وصار امراه لا مجال لاقتضائه زوجيتها فى حال التبدل، لان الزوجيه لا تكون مشروعه الا بين الجنسين المتخالفين، فاذا تبدلت المراه -المتبدله جنسيتها -الى الرجل فحيث ان العرف يحكمون بعينيته مع الرجل الاول فلا يمنع مانع من تاثير السبب الاول فى مقتضاه من الزوجيه مطلقا عدا مده تبدله الى المراه ، فكان السبب الاول منقطع الوسط، ومعه فالسبب الثانى ان كان عقد التمتع فهو ايضا صحيح فى الوسط، ولا يكون معارضا مع سبب عقد النكاح لا قبلا ولا بعدا كما لا يكون السبب الاول معارضا له، لان فى تلك الحال لا مجال لتاثيره لكونهما متجانسين، وان كان النكاح الدائم فالسبب الثانى باطل من اصله، لعدم امكان وقوعه بحسب الواقع بعد فرض عوده المراه الى صوره الرجل، وان كان العاقدان حال وقوع السبب الثانى جاهلين بالامر، حيث لم يكونا يعلمان بعوده المراه المتبدله الى صوره الرجل، اذن قصدا ما لم يقع فى الخارج، فما قصداه لم يقع وما وقع لم يقصداه.

 

لانا نقول: ان الارسال لم يلحظ فى حال العقد، بل نفس النكاح والدوام من جهه عدم التقيد، فعقد النكاح وقع صحيحا، وانما يرفع اليد عنه بقاء كالفسخ لقوه السبب الاول، وعليه فلا وقع للتفصيل المذكور.

وللّه الحمد اولا وآخرا وظاهرا وباطنا

حول رويه الهلال

القسم الثانى

آيه اللّه الشيخ الخزعلى

رويه الهلال نهارا:

عود على بدء يزاح به الابهام ويوضح به المرام، فقد سبق منا ان الشارع الحكيم جعل الهلال ميقاتا للناس بما هو هلال لا برويته - وان كانت الرويه لازمه للعلم به - ولا باهلاله فى بلد بخصوصه وان لم يكن محيص عن رويه اهل البلد.

ويتوهم من ذلك: ان المدعى انه متى تحقق الهلال ترتب عليه آثاره مطلقا فى ليل كان او نهار، وفى ايه ساعه كان من الليل او النهار، لان ذلك مقتضى طبيعه سير القمر الطبيعى فمن علق الامر به لزمه لوازمه، ولا يتفوه به فقيه.

ولكن ما كان هذا بمراد، فانه لا ريب فى ان الناس قبل ظهور الاسلام كانوا قد بنوا امورهم على نظام السنوات القمريه، وقد ادعى ان غالب الامم القديمه كانوا كذلك، والاعراب فى الجاهليه باجمعهم كانوا يتخذون الشهور القمريه فى مواقيتهم، وهولاء لم ينيطوا امرهم بطلوع الهلال كيفما اتفق، بل جعلوا المبدا اول الليل واسقطوا ما كان قبل الليل بساعات وكذلك ما حدث فى اثناء النهار، فربطوا الامر بالهلال وضبطوه بهذا القرار، والشارع اقرهم على ذلك.

يشهد له صحيح حماد: (اذا راوا الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه واذا راوه بعد الزوال فهو لليله المستقبله) فجعل المبدا الليل وحذف الزائد من قبله واتم الناقص من ساعات الليل، فاذا رئى الهلال بعد ساعه من الليل او اقل او اكثر جعل المبدا اول الليل.

واضافه الى ذلك اعتبرت رويه الهلال فى مرحله من الضياء، فيمكن ان يرى بالابصار المتعارفه وتكون رويته لجميع الناس شرعا على حد سواء، دون الابصار الحاده غير المتعارفه ودون ما يرى بالاجهزه المكبره على ما قيل. ولى فيه تامل سيمر بك فيه بعض الكلام ان شاء اللّه تعالى.

اذا اتضح ذلك نقول: يحتمل ان يكون الشارع قيده بالرويه فى بلد وما يقاربه، بحيث اذا رئى فيه رئى فى البلد الاخر وان كان فيه مانع، ويحتمل ان يكون قيده بالرويه فى تمام الليل حتى آخر دقيقه منه فى اى بلد اتفق، فاذا رئى فى موضع بالليل كان ميقاتا لمن غشيه ذلك الليل. اذا كان الاحتمالان سائغين فعلينا ان نتفحص عن الدليل ونتبع ما افادنا. وليعلم كما ذكرنا من قبل ان الرويه طريق الى العلم لا هى ماخوذه فى الموضوع كما هو واضح، وحينئذ ان ظفرنا بدليل يوجب لنا الرويه، وان تكون الرويه فى بلدنا او ما يقاربه نلتزم بلزوم تقارن الافاق وعدم كفايه بلد لبلد آخر لا يتفق معه فى الافق. وان ظفرنا بدليل يوسع لنا ذلك -اما باطلاقه واما بصراحه مفاده - نستفيد منه ان قولهمp2.gif: (اذا رايتم الهلال فصوموا واذا رايتموه فافطروا) يراد به احد مصاديق الرويه، يعنى ان الرويه فى من غشيه الليل كافيه له ولغيره، فكانه قال: بادروا الى الرويه التى هى طريق للعلم به لكم ولغيركم، ولا معنى اذن ان نصرف الاطلاق الى الافاق المتقاربه ولا ان نصفح عما يدل بصراحته صفحا.

ادله المساله:

وقد قام الدليل - بحمد اللّه - على ذلك بورود روايات معتبره لا تفرق بين البلاد النائيه والقريبه، بل لم نظفر فى الروايات بما يدل على هذا الفرق:

1 - ففى الوسائل: صحيحه هشام بن الحكم عن ابى عبداللّهp2.gif انه قال فى من صام تسعه وعشرين، قال: (ان كانت له بينه عادله على اهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رويته قضى يوما).

فقولهp2.gif: (بينه عادله على اهل مصر) مطلق يشمل القريب والبعيد، ولامعدل عنه. واى محذور عقلى او شرعى يصرف ذاك الاطلاق الى المتقاربه فى الافق؟ اللهم الا اذا كانت الرويه فى البلد او ما يقاربه بخصوصها فرضت علينا، وانى لنا ذلك، باى كتاب ام بايه سنه؟! ولو كان المراد المصر المتقارب فى الافق لبلد السائل لكان على الامامp2.gif - وهو بصدد البيان ان يفصح عن ذلك.

2 - وفيه ايضا: محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن شعيب، عن ابى بصير، عن ابى عبداللّهp2.gif انه سئل عن اليوم الذى يقضى من شهر رمضان فقال: (لا تقضه الا ان يثبت شاهدان عدلان من جميع اهل الصلاه متى كان راس الشهر. وقال: لا تصم ذلك اليوم الذى يقضى الا ان يقضى اهل الامصار، فان فعلوا فصمه).

وقد استدل به الايه العلم الخوئى(قدس‏سره) وتمسك منه بجملتين: الاولى: قولهp2.gif: (لا تقضه الا ان يثبت شاهدان عدلان من جميع اهل الصلاه...) قال: فانه يدل بوضوح على ان راس الشهر القمرى واحد بالاضافه الى جميع اهل الصلاه على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها، ولا يتعدد بتعددها.

الثانيه: قولهp2.gif: (لا تصم ذلك اليوم الا ان يقضى اهل الامصار)، فانه كسابقه واضح الدلاله على ان الشهر القمرى لا يختلف باختلاف الامصار فى آفاقها، فيكون واحدا بالاضافه الى جميع اهل البقاع والامصار. وان شئت فقل: ان هذه الجمله تدل على ان رويه الهلال فى مصر كافيه لثبوته فى بقيه الامصار من دون فرق فى ذلك بين المتفقه والمتقاربه والمختلفه افقا، فيكون مرده الى ان الحكم المترتب على ثبوت الهلال -اى خروج القمر عن المحاق - حكم لتمام اهل الارض، لا لبقعه خاصه.

3 - وفى الوسائل: صحيحه اسحاق بن عمار، قال: سالت ابا عبداللّهp2.gif عن هلال رمضان يغم علينا فى تسع وعشرين من شعبان، فقال: (لا تصمه الا ان تراه، فان شهد اهل بلد آخر انهم راوه فاقضه...). انظر: الملحق رقم «1»

هذا، وتلك الصحيحه باطلاقها تدل على ان الرويه فى بلد تكفى لغيره من البلدان، ولو كان المراد البلد المتقارب لكان ذكر القيد لازما، اذ هوp2.gif بصدد البيان.

4 - صحيحه عبدالرحمان بن ابى عبداللّه: وعنه (الحسين بن سعيد)، عنالقاسم، عن ابان، عن عبدالرحمان بن ابى عبداللّه، قال: سالت ابا عبداللّهp2.gif عن هلال رمضان يغم علينا فى تسع وعشرين من شعبان، فقال: (لا تصم الا ان تراه، فان شهد اهل بلد آخر فاقضه). انظر: الملحق رقم «2»

والمفاد واضح لا يحتاج الى البيان.

5 - ما فى الوسائل - وقد اشار اليه الايه الحجه الگلپايگانى (قدس ‏سره) -: محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، قال: كتب اليه ابو عمر: اخبرنى يا مولاى، انه ربما اشكل علينا هلال شهر رمضان ولانراه، ونرى السماء ليست فيها عله، ويفطر الناس ونفطر معهم، ويقول قوم من الحساب قبلنا: انه يرى فى تلك الليله بعينها بمصر وافريقيه والاندلس، هل يجوز يا مولاى ما قال الحساب فى هذا الباب حتى يختلف العرض (الفرض ظ) على اهل الامصار، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع: (لا صوم من الشك، افطر لرويته وصم لرويته). قال(قدس ‏سره): (ولعل ما اخرجه الوسائل ... تدل على ذلك، لان السائل سال عن قول اهل الحساب برويه الهلال فى الاندلس وافريقيا فيجيبp2.gif بانه لا صوم مع الشك، ولا يجيب بان الرويه فى البلاد البعيده لاتكفى).

اقول: فى الروايه نكته اخرى فى الدلاله على هذا الامر، وهى: ان عباره (هل يجوز يا مولاى ما قال الحساب فى هذا الباب حتى يختلف الفرض على اهل الامصار، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟) انما قالها السائل مستنكرا لذلك، كانه كان المعهود عندهم ان الفرض فرض واحد على جميع الامصار فى صيامهم وفطرهم.

روايات رويه الهلال فى النهار وآراء العلماء فى ذلك:

نستعرض فيما يلى الروايات والاخبار الوارده فى ذلك:

منها: خبر محمد بن عيسى: قال كتبت اليهp2.gif: جعلت فداك، ربما غم علينا هلال شهر رمضان (وفى الاستبصار: الهلال فى شهر رمضان) فنرى الغد الهلال قبل الزوال، وربما رايناه بعد الزوال، فترى ان نفطر قبل الزوال اذا رايناه ام لا؟ وكيف تامر فى ذلك؟ فكتبp2.gif: (تتم الى الليل، فانه ان كان تاما رئى قبل الزوال).

ومنها: خبر جراح المدائنى: قال: قال ابو عبداللّهp2.gif: (من راى هلال شوال بنهار فى شهر رمضان فليتم صيامه).

ومنها: المرسل المروى عن بعض الكتب عن امير المومنينp2.gif: (اذا رايتم الهلال او رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك فى اول النهار او فى آخره. وقال: لا تفطروا الا لتمام ثلاثين من رويه الهلال او بشهاده شاهدين عدلين انهما راياه).

ذكر ما افاده صاحب الجواهر:

وقد تمسك فى الجواهر بهذه الاخبار على عدم الاعتبار برويته يوم الثلاثين قبل الزوال، ودفع المناقشات الوارده حول اسانيدها ومفادها، وقال بعد ذكر الخبر الاخير: (لا يخفى عليك ما فيه من الاشعار بان المراد من اطلاق الرويه الرويه فى الليل، وحينئذ تكون النصوص المستفيضه او المتواتره - كما قيل- الداله على ان الصوم والافطار للرويه داله على المطلوب ، ضروره ظهورها او صراحتها فى حصر الطريق بذلك...).

ثم قال: (والمناقشه فى ذلك: بان ظهور لفظ الرويه فى الرويه الشائعه المتعارفه لا يدل على عدم اراده غيرها من اللفظ، وانما يقتضى ذلك القطع بارادتها منه، ويتوقف اراده الغير وعدمها على دليل يدل عليه، ومع فرضه لايكون ذلك معارضا له، اذ كما لا يدل اللفظ على اراده الرويه الغير الشائعه فكذا لا يدل على عدم ارادتها، وليس الظهور هنا بمنزله ظهور اللفظ فى المعنى الحقيقى، اذ ذاك يقتضى ارادته خاصه حذرا من لزوم المجاز، بخلافه هنا، فان المفروض دلاله اللفظ حقيقه عليهما معا، الا انه ينساق الى الذهن منهما الشائع المتعارف، فمع فرض دليل يدل على اراده الاخر معه لا يكون منافيا له. فظهر لك ان المعنى الظاهر من اللفظ قسمان: احدهما: الموضوع له اللفظ، وثانيهما: الفرد الشائع من المعنى الموضوع له اللفظ، والاول هو الذى يقتضى عدم اراده غيره، بخلاف الثانى -الذى ما نحن فيه منه - فانه لايعارض ما يدل على اعتبار الرويه قبل الزوال ...

يدفعها: اولا: اقتضاوها اعتبار الرويه قبل الزوال لنفسها لا لكشفها عن صلاحيه الرويه فى الليله السابقه الا انه اتفق المانع من غيم او اخطاه المتطلع او نحو ذلك، وحينئذ ويمكن (فيمكن ظ) دعوى الضروره على خلافه وان المعتبر انما هو الرويه فى الليل دون النهار بالمعنى المزبور. وثانيا: انه بعد تسليم ظهور تلك النصوص فى اراده الحصر وتسليم كون المنساق الى الذهن الرويه الليليه يكون المعنى: لا تصوموا الا للرويه الليليه ولا تفطروا الا لها، فتعارض حينئذ ما دل على اعتبارها قبل الزوال كما هو واضح بادنى تامل... وبالجمله لا يكاد ينكر منصف ظهور تلك النصوص فى عدم اعتبار غير الرويه الليليه...).

ثم قال - ما مفاده:- ودعوى ان الرويه قبل الزوال كاشفه عنها فى الليل ولكن اتفق خطا المتطلع او حصول المانع او نحو ذلك واضحه المنع ان اريد كشفها على جهه العلم، بل لا يدعيها الخصم، ولئن ادعاها كان ردها عليه مفروغا منه وداخله تحت التظنى التى قد استفاضت النصوص او تواترت فى عدم الاعتبار به هنا ان (وان ظ) اريد كشفها على جهه الظن بعد التسليم. ودعوى خروج خصوص هذا الظن للدليل ... كما ترى، اذ ليس هو الا نصوص قد وردت على حسب غيرها مما ورد فى العمل بالجدول والعدد والتطوق ونحوها مما هو مطروح عند الاصحاب، لمعارضه المتواتر من غيرها كما اعترف به الشيخ فى التهذيب مكررا، او محمول على بعض الوجوه التى لا مدخليه لها فيما نحن فيه:

منها: الحسن كالصحيح (بل الصحيح، لان ابراهيم بن هاشم تبين اليوم حاله): حماد بن عثمان عن ابى عبداللّهp2.gif قال: (اذا راوا الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه واذا راوه بعد الزوال فهو لليله المستقبله).

ومنها: موثق عبيد بن زراره عنهp2.gif ايضا: (اذا رئى الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان).

ومنها: صحيح محمد بن قيس عن ابى جعفرp2.gif قال (قال امير المومنينp2.gif: (اذا رايتم الهلال فافطروا، او شهد عليه عدل (واشهدوا عليه عدولا) من المسلمين، وان لم تروا الهلال الا من وسط النهار وآخره فاتموا الصيام، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليله ثم افطروا).

ومنها: موثق (صحيح) اسحاق بن عمار عن ابى عبداللّهp2.gif قال: سالت ابا عبداللّهp2.gif عن هلال رمضان يغم علينا فى تسع وعشرين من شعبان فقال: (لاتصمه الا ان تراه، فان شهد اهل بلد آخر انهم راوه فاقضه، واذا رايته من وسط النهار فاتم صومه الى الليل).

ومنها: خبر داود الرقى عن ابى عبداللّهp2.gif قال: (اذا طلب الهلال فى المشرق غدوه فلم ير فهو هاهنا هلال جديد رئى او لم ير).

ومنها: المرسل عن ابى جعفرp2.gif: (اذا اصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرويه فليفطروا، وليخرجوا من الغد اول النهار الى عيدهم). وتتمه الحديث فى الفقيه: (واذا رئى هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان).

اقول: هذه جمله ما ورد من الاخبار فى رويه الهلال فى النهار.

ثم قال فى الجواهر: (لكن لا يخفى عليك شذوذ هذه النصوص الفاقد بعضها بعض شرائط الحجيه، وانها كغيرها من نصوص العدد والجدول والتطوق وغيرها، وقد القتها الطائفه واعرضت عنها واستقر عملها قديما وحديثا على نصوص الرويه، فالواجب حينئذ طرحها او حملها على بعض الوجوه ولو بعيدا، لكونه اولى من الطرح، ولذا حمل الشيخ الاولين منها (صحيح حماد وموثق عبيد بن زراره) اللذين هما العمده فى هذا المقام).

اقول: ولم يرتض بمحمل الشيخ فقال: (ولعل الطرح اولى من هذا الحمل، او يحملان على اراده بيان كون ذلك اماره يستفاد منها الظن، وربما تفيد اذا انضمت مع غيرها - كشهاده الواحد او المتعدد ممن لا يعتبر شهادته - حصول القطع، ولعل ذلك هو الوجه فى ذكرها، او ان المراد منها بيان ذلك ليظن السامع ممن يتقى منه الاجتزاء بها وان لم تكن هى كذلك، فتندفع التقيه بذلك).

اقول: قد ظهر من ذلك الكلام بطوله ان هذه الاخبار على كثرتها كانت مطرحا عندهم للبحث، ولكن القتها الطائفه واعرضت عنها والتمست لها محامل وان كانت بعيده، وصار عدم اعتبار الهلال فى النهار من الضرورى عندهم على حد تعبير صاحب الجواهر (قدس‏ سره).

فالمناط هو اعتبار الرويه فى الليل اما فى اوله فى كل افق افق، واما فى الليل فى اى جزء منه وان لم يره كثير من اهل الافاق فى ليلتهم، فاذا رئى فى ليلتهم وثبت لهم كفى ذلك فى صيامهم وفى فطرهم. والغرض من الخوض فى هذا البحث الاخير دفع اعتراضات جمه كانت تاتى من ناحيه اعتبار الروايه فى النهار.

استعراض كلمات الفقهاء:

والان ننقل اليك اقوال العلماء فى المساله:

قال الصدوق(قدس ‏سره) فى المقنع: (واذا رايت الهلال من وسط النهار وآخره فاتم الصيام الى الليل، وان غم عليك فعد ثلاثين ثم افطر. وقال ابو عبداللّهp2.gif: اذا رئى الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شهر شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان).

وقال فى الفقيه: (واذا رئى هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان). وهى عين عباره المقنع.

وقال السيد المرتضى(قدس ‏سره) فى الناصريات: (اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، هذا صحيح، وهو مذهبنا. واليه ذهب ابوحنيفه ولم يفرق بين رويته قبل الزوال وبعده، وهو قول محمد ومالك والشافعى. وقال ابو يوسف: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وبعد الزوال لليله المستقبله. وقال احمد فى آخر الشهر مثل قوله، وفى اوله مثل قول من خالفنا، احتياطا للصوم. دليلنا: الاجماع المتقدم ذكره، وايضا ما روى عن امير المومنين وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وانس انهم قالوا: اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، ولا مخالف لهم).

وقال الحلبى فى اشاره السبق: (فان كانت الرويه له نهارا فهو لمستقبل ليلته لا لماضيها).

وقال الشيخ فى الخلاف: (اذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه، وبه قال جميع الفقهاء. وذهب قوم من اصحابنا الى انه ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو لليله المستقبله، وبه قال ابو يوسف. دليلنا: الاخبار التى رويناها فى الكتاب المقدم ذكره، وبينا القول فى الروايه الشاذه، وايضا قول النبىp1.gif: (اذا رايتم الهلال فصوموا، واذا رايتموه فافطروا)، وهذا رآه بالنهار، فينبغى ان يكون صومه وفطره من الغد، لانه ان صام ذلك اليوم فيكون قد صام قبل رويه الهلال، وايضا روى ذلك عن على عليه الصلاه والسلام وعمر وابن عمر وانس، وقالوا كلهم: لليله القابله، ولا مخالف لهم، يدل على انه اجماع الصحابه).

وقال فى المبسوط: (ومتى رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه).

وكذلك مذهبه فى التهذيب تراه يعترض على صحيحه حماد وموثقه عبيد ابن زراره وابن بكير، ويحملهما على ان يكون المراد بهما اذا شهد برويته قبل الزوال شاهدان من خارج البلد، ثم استند الى الروايات المعارضه مما لا تعتد برويه النهار مطلقا.

وقال ابن حمزه فى الوسيله: (واذا رئى الهلال بالنهار كان لليله المستقبله).

وقال ابن زهره(قدس‏سره) فى الغنيه: (واذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله، بدليل الاجماع المتردد، لان من خالف من اصحابنا فى ذلك لم يوثر خلافه فى دلاله الاجماع).

وقال الفاضل فى كشف الرموز: (وفى العمل برويته قبل الزوال او بعده تردد).

وقال المحقق فى المعتبر: (اما رويته قبل الزوال فقد روى به روايات، منها روايه حماد بن عثمان... وروى عبيد بن زراره... فقوه هاتين الروايتين اوجب التردد بين العمل بهما والعمل بما دلت عليه روايه العدلين، وبمثله قال اذن ابو يوسف).

وفى المختصر النافع: (وفى العمل برويته قبل الزوال تردد).

وفى الشرائع: (ولا اعتبار بالجدول ولا بالعدد... ولا برويته يوم الثلاثين قبل الزوال).

وقال العلامه فى المنتهى: (ولا اعتبار برويته قبل الزوال. وقال بعضهم: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو للمستقبله، وبه قال الثورى وابو يوسف. والذى اختاره مذهب اكثر علمائنا الا من شذ منهم لانعرفه، وبه قال الشافعى).

وقال فى المختلف: (مساله: قال السيد المرتضى فى المسائل الناصريه - لما ذكر قول الناصر-: انه اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، هذا صحيح، وهو مذهبنا. وقال الشيخ فى الخلاف: اذا رئى قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه. وقال ابن الجنيد: ورويه الهلال يوم ثلاثين من رمضان اى وقت كان اذا لم يصح ان الليله الماضيه قد رئى فيها لا يوجب الافطار له، فاذا صحت الرويه فيها افطر اى وقت يصح ذلك عنده من نهار يوم ثلاثين. والاقرب اعتبار ذلك فى الصوم دون الفطر).

وفى القواعد: (ولا عبره بالجدول... ورويته يوم الثلاثين قبل الزوال).

وقال فى التذكره: (اذا رئى الهلال يوم الثلاثين فهو للمستقبله، سواء رئى قبل الزوال او بعده، فان كان هلال رمضان لم يلزمهم صيام ذلك اليوم، وان كان هلال شوال‏لم يجز لهم الافطار الا بعد غروب الشمس، عند علمائنا اجمع، وبه قال مالك والشافعى وابو حنيفه... وقال الثورى: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو للمستقبله، وبه قال ابو يوسف، وقال احمد: ان كان فى اول شهر رمضان وكان قبل الزوال فهو للماضيه، وان كان فى هلال شوال فروايتان: احداهما انها كذلك، والثانيه للمستقبله).

وقال الشهيد(قدس ‏سره) فى الدروس: (واجتزا سلار بالواحد فى اوله، والمرتضى برويته قبل الزوال، فيكون لليله الماضيه، لروايه حماد، وهى حسنه لكنها معارضه، وعمل بها الفاضل فى اوله خاصه، فلو لم ير الهلال ليله احدى وثلاثين صام).

وقال فى المسالك: (قوله: ولا بغيبوبه الهلال بعد الشفق، ولا برويته يوم الثلاثين: ذهب بعض الاصحاب الى ثبوته بذلك (اى بغيبوبته)... وكذا لو رئى قبل الزوال يحكم بان ذلك اليوم منه، وانه اذا لم يغب حتى تطوق وتحقق جرمه مستديرا حكم به لليله الماضيه، استنادا الى اخبار شاذه ومعارضه بما هو اصح منها واشهر).

وقال المحقق الاردبيلى(قدس‏سره) فى مجمع الفائده: (والمساله (مساله التطوق) مشكله، كالعمل بالرويه قبل الزوال وبعده على ما تدل عليه حسنه حماد بن عثمان... وروايه عبيد بن زراره وعبداللّه بن بكير... فردهما... مشكل... والظاهر انهما دليلان بعد ثبوت العمل بالخبر الواحد، فقول الشيخ: فهذان الخبران ايضا مما لا يصح الاعتراض بهما على ظاهر القرآن والاخبار المتواتره... لا يخلو عن تامل. ويمكن ان يقال: ليسا بصريحين فى الافطار والصوم، اذ قد يكون لليله المتقدمه مع عدم كون التكليف به الا مع العلم به فى الليل او بالشهود فى النهار، فتامل فيه، وان الظاهر من الرويه هى المتعارفه وانما يكون فى الليل فلا يشمل اخبارها لرويه النهار، ولهذا يعد الزوال غير داخل فيها، ويويده مكاتبه محمد بن عيسى... واحتط وتامل فان المساله من المشكلات).

وقال السيد فى المدارك: (والمساله قويه الاشكال، فان الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الاسناد، بل الاولى لا تقصر عن مرتبه الصحيح... ومن ثم تردد فى ذلك المصنف فى النافع والمعتبر، وهو فى

Share this post


Link to post
Share on other sites

الصفحة السابقة

 

الصفحة التالية

 

 

كما وقد حكم بنظير ذلك استاذنا المحقق الشيخ محمد على الاراكى(قدس‏سره) فى حاله استحاله الماء بخارا ثم ماء، حيث قال: ان العرف لا يرى العرق الحاصل بالتصعيد شيئا آخر وراء نفس الماء المستحيل بخارا، بل انهم يرون ان الماء صار بخارا ثم صار ثانيا ماء، ويرون الماء الثانى عين الماء الاول من دون حاجه الى الاستصحاب، حتى يشكل بانفصال زمان الشك عن زمان اليقين.

 

وفيه: ان اهل العرف كما يحكمون بانه هو الرجل الاول - ويكون حكمهم بعينيه هذا مع هذا كحكمهم فى المفاهيم وتطبيقها على المصاديق حجه - كذلك يحكمون بانه متكون من المراه المتغيره والمتبدله، وحيث انه فى حال كونه امراه يحكم العرف بعدم وجود العلقه بينهما فيقع التعارض، وهو يوجب التساقط، ومع التساقط يحكم بلزوم عقد جديد.

 

اللهم الا ان يقال: انه لا تعارض بين اللااقتضاء واقتضاء الزوجيه، اذ هما يجتمعان، فالمراه المتبدله من الرجوليه بالنسبه الى الزوجيه لا اقتضاء، اذ لا موجب لزوجيتها، وعينيه الرجل مع الرجل السابق مقتضيه للزوجيه، لوجود سبب الزوجيه بينهما، فيجتمعان كما تجتمع الطهاره الذاتيه مع النجاسه العارضه.

 

ثم انه لو تزوجت زوجته مع آخر بعد التغير وقبل عود الرجل الذى صار امراه الى الحال الاول، فبعد العود ان قلنا بعينيه الرجل مع الرجل السابق وبقاء الزوجيه السابقه بطل نكاحها مع الثانى من حين العود، وكانت زوجه للزوج الاول من السابق بالسبب السابق، فيعتبر بالعود بقاء زوجيته زوجه الاول بسببه السابق.

 

ولا منافاه بين هذا الاعتبار واعتبار زوجيتها مع الاخر فى حال تغيير جنسيه زوجها قبل العود الى شكله الاول، لتعدد الاسباب وتعدد زمان الاعتبار، اذ زمان اعتبار زوجيتها للغير غير زمان اعتبار زوجيتها للاول، والزوجيه فى كليهما مستنده الى السبب، ولكن مقتضى تقدم السبب الاول وعينيه الرجل بعد العود مع الرجل السابق هو تاثير السبب الاول فيما بقى، وبطلانه فى الثانى من حين العود، جمعا بين السببين.

 

لا يقال: ان اللازم هو التفصيل بين النكاح المنقطع والدائم، حيث ان السبب الاول يقتضى زوجيتها للزوج الاول مرسله ومن دون قيد، فاذا بدل الزوج جنسيته وصار امراه لا مجال لاقتضائه زوجيتها فى حال التبدل، لان الزوجيه لا تكون مشروعه الا بين الجنسين المتخالفين، فاذا تبدلت المراه -المتبدله جنسيتها -الى الرجل فحيث ان العرف يحكمون بعينيته مع الرجل الاول فلا يمنع مانع من تاثير السبب الاول فى مقتضاه من الزوجيه مطلقا عدا مده تبدله الى المراه ، فكان السبب الاول منقطع الوسط، ومعه فالسبب الثانى ان كان عقد التمتع فهو ايضا صحيح فى الوسط، ولا يكون معارضا مع سبب عقد النكاح لا قبلا ولا بعدا كما لا يكون السبب الاول معارضا له، لان فى تلك الحال لا مجال لتاثيره لكونهما متجانسين، وان كان النكاح الدائم فالسبب الثانى باطل من اصله، لعدم امكان وقوعه بحسب الواقع بعد فرض عوده المراه الى صوره الرجل، وان كان العاقدان حال وقوع السبب الثانى جاهلين بالامر، حيث لم يكونا يعلمان بعوده المراه المتبدله الى صوره الرجل، اذن قصدا ما لم يقع فى الخارج، فما قصداه لم يقع وما وقع لم يقصداه.

 

لانا نقول: ان الارسال لم يلحظ فى حال العقد، بل نفس النكاح والدوام من جهه عدم التقيد، فعقد النكاح وقع صحيحا، وانما يرفع اليد عنه بقاء كالفسخ لقوه السبب الاول، وعليه فلا وقع للتفصيل المذكور.

 

وللّه الحمد اولا وآخرا وظاهرا وباطنا

 

حول رويه الهلال

 

القسم الثانى

رؤيه الهلال نهارا:

عود على بدء يزاح به الابهام ويوضح به المرام، فقد سبق منا ان الشارع الحكيم جعل الهلال ميقاتا للناس بما هو هلال لا برويته - وان كانت الرويه لازمه للعلم به - ولا باهلاله فى بلد بخصوصه وان لم يكن محيص عن رويه اهل البلد.

ويتوهم من ذلك: ان المدعى انه متى تحقق الهلال ترتب عليه آثاره مطلقا فى ليل كان او نهار، وفى ايه ساعه كان من الليل او النهار، لان ذلك مقتضى طبيعه سير القمر الطبيعى فمن علق الامر به لزمه لوازمه، ولا يتفوه به فقيه.

ولكن ما كان هذا بمراد، فانه لا ريب فى ان الناس قبل ظهور الاسلام كانوا قد بنوا امورهم على نظام السنوات القمريه، وقد ادعى ان غالب الامم القديمه كانوا كذلك، والاعراب فى الجاهليه باجمعهم كانوا يتخذون الشهور القمريه فى مواقيتهم، وهولاء لم ينيطوا امرهم بطلوع الهلال كيفما اتفق، بل جعلوا المبدا اول الليل واسقطوا ما كان قبل الليل بساعات وكذلك ما حدث فى اثناء النهار، فربطوا الامر بالهلال وضبطوه بهذا القرار، والشارع اقرهم على ذلك.

يشهد له صحيح حماد: (اذا راوا الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه واذا راوه بعد الزوال فهو لليله المستقبله) فجعل المبدا الليل وحذف الزائد من قبله واتم الناقص من ساعات الليل، فاذا رئى الهلال بعد ساعه من الليل او اقل او اكثر جعل المبدا اول الليل.

واضافه الى ذلك اعتبرت رويه الهلال فى مرحله من الضياء، فيمكن ان يرى بالابصار المتعارفه وتكون رويته لجميع الناس شرعا على حد سواء، دون الابصار الحاده غير المتعارفه ودون ما يرى بالاجهزه المكبره على ما قيل. ولى فيه تامل سيمر بك فيه بعض الكلام ان شاء اللّه تعالى.

اذا اتضح ذلك نقول: يحتمل ان يكون الشارع قيده بالرويه فى بلد وما يقاربه، بحيث اذا رئى فيه رئى فى البلد الاخر وان كان فيه مانع، ويحتمل ان يكون قيده بالرويه فى تمام الليل حتى آخر دقيقه منه فى اى بلد اتفق، فاذا رئى فى موضع بالليل كان ميقاتا لمن غشيه ذلك الليل. اذا كان الاحتمالان سائغين فعلينا ان نتفحص عن الدليل ونتبع ما افادنا. وليعلم كما ذكرنا من قبل ان الرويه طريق الى العلم لا هى ماخوذه فى الموضوع كما هو واضح، وحينئذ ان ظفرنا بدليل يوجب لنا الرويه، وان تكون الرويه فى بلدنا او ما يقاربه نلتزم بلزوم تقارن الافاق وعدم كفايه بلد لبلد آخر لا يتفق معه فى الافق. وان ظفرنا بدليل يوسع لنا ذلك -اما باطلاقه واما بصراحه مفاده - نستفيد منه ان قولهمp2.gif: (اذا رايتم الهلال فصوموا واذا رايتموه فافطروا) يراد به احد مصاديق الرويه، يعنى ان الرويه فى من غشيه الليل كافيه له ولغيره، فكانه قال: بادروا الى الرويه التى هى طريق للعلم به لكم ولغيركم، ولا معنى اذن ان نصرف الاطلاق الى الافاق المتقاربه ولا ان نصفح عما يدل بصراحته صفحا.

ادله المساله:

وقد قام الدليل - بحمد اللّه - على ذلك بورود روايات معتبره لا تفرق بين البلاد النائيه والقريبه، بل لم نظفر فى الروايات بما يدل على هذا الفرق:

1 - ففى الوسائل: صحيحه هشام بن الحكم عن ابى عبداللّهp2.gif انه قال فى من صام تسعه وعشرين، قال: (ان كانت له بينه عادله على اهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رويته قضى يوما).

فقولهp2.gif: (بينه عادله على اهل مصر) مطلق يشمل القريب والبعيد، ولامعدل عنه. واى محذور عقلى او شرعى يصرف ذاك الاطلاق الى المتقاربه فى الافق؟ اللهم الا اذا كانت الرويه فى البلد او ما يقاربه بخصوصها فرضت علينا، وانى لنا ذلك، باى كتاب ام بايه سنه؟! ولو كان المراد المصر المتقارب فى الافق لبلد السائل لكان على الامامp2.gif - وهو بصدد البيان ان يفصح عن ذلك.

2 - وفيه ايضا: محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن شعيب، عن ابى بصير، عن ابى عبداللّهp2.gif انه سئل عن اليوم الذى يقضى من شهر رمضان فقال: (لا تقضه الا ان يثبت شاهدان عدلان من جميع اهل الصلاه متى كان راس الشهر. وقال: لا تصم ذلك اليوم الذى يقضى الا ان يقضى اهل الامصار، فان فعلوا فصمه).

وقد استدل به الايه العلم الخوئى(قدس‏سره) وتمسك منه بجملتين: الاولى: قولهp2.gif: (لا تقضه الا ان يثبت شاهدان عدلان من جميع اهل الصلاه...) قال: فانه يدل بوضوح على ان راس الشهر القمرى واحد بالاضافه الى جميع اهل الصلاه على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها، ولا يتعدد بتعددها.

الثانيه: قولهp2.gif: (لا تصم ذلك اليوم الا ان يقضى اهل الامصار)، فانه كسابقه واضح الدلاله على ان الشهر القمرى لا يختلف باختلاف الامصار فى آفاقها، فيكون واحدا بالاضافه الى جميع اهل البقاع والامصار. وان شئت فقل: ان هذه الجمله تدل على ان رويه الهلال فى مصر كافيه لثبوته فى بقيه الامصار من دون فرق فى ذلك بين المتفقه والمتقاربه والمختلفه افقا، فيكون مرده الى ان الحكم المترتب على ثبوت الهلال -اى خروج القمر عن المحاق - حكم لتمام اهل الارض، لا لبقعه خاصه.

3 - وفى الوسائل: صحيحه اسحاق بن عمار، قال: سالت ابا عبداللّهp2.gif عن هلال رمضان يغم علينا فى تسع وعشرين من شعبان، فقال: (لا تصمه الا ان تراه، فان شهد اهل بلد آخر انهم راوه فاقضه...). انظر: الملحق رقم «1»

هذا، وتلك الصحيحه باطلاقها تدل على ان الرويه فى بلد تكفى لغيره من البلدان، ولو كان المراد البلد المتقارب لكان ذكر القيد لازما، اذ هوp2.gif بصدد البيان.

4 - صحيحه عبدالرحمان بن ابى عبداللّه: وعنه (الحسين بن سعيد)، عن لقاسم، عن ابان، عن عبدالرحمان بن ابى عبداللّه، قال: سالت ابا عبداللّهp2.gif عن هلال رمضان يغم علينا فى تسع وعشرين من شعبان، فقال: (لا تصم الا ان تراه، فان شهد اهل بلد آخر فاقضه). انظر: الملحق رقم «2»

والمفاد واضح لا يحتاج الى البيان.

5 - ما فى الوسائل - وقد اشار اليه الايه الحجه الگلپايگانى (قدس ‏سره) -: محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، قال: كتب اليه ابو عمر: اخبرنى يا مولاى، انه ربما اشكل علينا هلال شهر رمضان ولانراه، ونرى السماء ليست فيها عله، ويفطر الناس ونفطر معهم، ويقول قوم من الحساب قبلنا: انه يرى فى تلك الليله بعينها بمصر وافريقيه والاندلس، هل يجوز يا مولاى ما قال الحساب فى هذا الباب حتى يختلف العرض (الفرض ظ) على اهل الامصار، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع: (لا صوم من الشك، افطر لرويته وصم لرويته). قال(قدس ‏سره): (ولعل ما اخرجه الوسائل ... تدل على ذلك، لان السائل سال عن قول اهل الحساب برويه الهلال فى الاندلس وافريقيا فيجيبp2.gif بانه لا صوم مع الشك، ولا يجيب بان الرويه فى البلاد البعيده لاتكفى).

اقول: فى الروايه نكته اخرى فى الدلاله على هذا الامر، وهى: ان عباره (هل يجوز يا مولاى ما قال الحساب فى هذا الباب حتى يختلف الفرض على اهل الامصار، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟) انما قالها السائل مستنكرا لذلك، كانه كان المعهود عندهم ان الفرض فرض واحد على جميع الامصار فى صيامهم وفطرهم.

روايات رويه الهلال فى النهار وآراء العلماء فى ذلك:

نستعرض فيما يلى الروايات والاخبار الوارده فى ذلك:

منها: خبر محمد بن عيسى: قال كتبت اليهp2.gif: جعلت فداك، ربما غم علينا هلال شهر رمضان (وفى الاستبصار: الهلال فى شهر رمضان) فنرى الغد الهلال قبل الزوال، وربما رايناه بعد الزوال، فترى ان نفطر قبل الزوال اذا رايناه ام لا؟ وكيف تامر فى ذلك؟ فكتبp2.gif: (تتم الى الليل، فانه ان كان تاما رئى قبل الزوال).

ومنها: خبر جراح المدائنى: قال: قال ابو عبداللّهp2.gif: (من راى هلال شوال بنهار فى شهر رمضان فليتم صيامه).

ومنها: المرسل المروى عن بعض الكتب عن امير المومنينp2.gif: (اذا رايتم الهلال او رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك فى اول النهار او فى آخره. وقال: لا تفطروا الا لتمام ثلاثين من رويه الهلال او بشهاده شاهدين عدلين انهما راياه).

ذكر ما افاده صاحب الجواهر:

وقد تمسك فى الجواهر بهذه الاخبار على عدم الاعتبار برويته يوم الثلاثين قبل الزوال، ودفع المناقشات الوارده حول اسانيدها ومفادها، وقال بعد ذكر الخبر الاخير: (لا يخفى عليك ما فيه من الاشعار بان المراد من اطلاق الرويه الرويه فى الليل، وحينئذ تكون النصوص المستفيضه او المتواتره - كما قيل- الداله على ان الصوم والافطار للرويه داله على المطلوب ، ضروره ظهورها او صراحتها فى حصر الطريق بذلك...).

ثم قال: (والمناقشه فى ذلك: بان ظهور لفظ الرويه فى الرويه الشائعه المتعارفه لا يدل على عدم اراده غيرها من اللفظ، وانما يقتضى ذلك القطع بارادتها منه، ويتوقف اراده الغير وعدمها على دليل يدل عليه، ومع فرضه لايكون ذلك معارضا له، اذ كما لا يدل اللفظ على اراده الرويه الغير الشائعه فكذا لا يدل على عدم ارادتها، وليس الظهور هنا بمنزله ظهور اللفظ فى المعنى الحقيقى، اذ ذاك يقتضى ارادته خاصه حذرا من لزوم المجاز، بخلافه هنا، فان المفروض دلاله اللفظ حقيقه عليهما معا، الا انه ينساق الى الذهن منهما الشائع المتعارف، فمع فرض دليل يدل على اراده الاخر معه لا يكون منافيا له. فظهر لك ان المعنى الظاهر من اللفظ قسمان: احدهما: الموضوع له اللفظ، وثانيهما: الفرد الشائع من المعنى الموضوع له اللفظ، والاول هو الذى يقتضى عدم اراده غيره، بخلاف الثانى -الذى ما نحن فيه منه - فانه لايعارض ما يدل على اعتبار الرويه قبل الزوال ...

يدفعها: اولا: اقتضاوها اعتبار الرويه قبل الزوال لنفسها لا لكشفها عن صلاحيه الرويه فى الليله السابقه الا انه اتفق المانع من غيم او اخطاه المتطلع او نحو ذلك، وحينئذ ويمكن (فيمكن ظ) دعوى الضروره على خلافه وان المعتبر انما هو الرويه فى الليل دون النهار بالمعنى المزبور. وثانيا: انه بعد تسليم ظهور تلك النصوص فى اراده الحصر وتسليم كون المنساق الى الذهن الرويه الليليه يكون المعنى: لا تصوموا الا للرويه الليليه ولا تفطروا الا لها، فتعارض حينئذ ما دل على اعتبارها قبل الزوال كما هو واضح بادنى تامل... وبالجمله لا يكاد ينكر منصف ظهور تلك النصوص فى عدم اعتبار غير الرويه الليليه...).

ثم قال - ما مفاده:- ودعوى ان الرويه قبل الزوال كاشفه عنها فى الليل ولكن اتفق خطا المتطلع او حصول المانع او نحو ذلك واضحه المنع ان اريد كشفها على جهه العلم، بل لا يدعيها الخصم، ولئن ادعاها كان ردها عليه مفروغا منه وداخله تحت التظنى التى قد استفاضت النصوص او تواترت فى عدم الاعتبار به هنا ان (وان ظ) اريد كشفها على جهه الظن بعد التسليم. ودعوى خروج خصوص هذا الظن للدليل ... كما ترى، اذ ليس هو الا نصوص قد وردت على حسب غيرها مما ورد فى العمل بالجدول والعدد والتطوق ونحوها مما هو مطروح عند الاصحاب، لمعارضه المتواتر من غيرها كما اعترف به الشيخ فى التهذيب مكررا، او محمول على بعض الوجوه التى لا مدخليه لها فيما نحن فيه:

منها: الحسن كالصحيح (بل الصحيح، لان ابراهيم بن هاشم تبين اليوم حاله): حماد بن عثمان عن ابى عبداللّهp2.gif قال: (اذا راوا الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه واذا راوه بعد الزوال فهو لليله المستقبله).

ومنها: موثق عبيد بن زراره عنهp2.gif ايضا: (اذا رئى الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان).

ومنها: صحيح محمد بن قيس عن ابى جعفرp2.gif قال: (قال امير المومنينp2.gif: (اذا رايتم الهلال فافطروا، او شهد عليه عدل (واشهدوا عليه عدولا) من المسلمين، وان لم تروا الهلال الا من وسط النهار وآخره فاتموا الصيام، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليله ثم افطروا).

ومنها: موثق (صحيح) اسحاق بن عمار عن ابى عبداللّهp2.gif قال: سالت ابا عبداللّهp2.gif عن هلال رمضان يغم علينا فى تسع وعشرين من شعبان فقال: (لاتصمه الا ان تراه، فان شهد اهل بلد آخر انهم راوه فاقضه، واذا رايته من وسط النهار فاتم صومه الى الليل).

ومنها: خبر داود الرقى عن ابى عبداللّهp2.gif قال: (اذا طلب الهلال فى المشرق غدوه فلم ير فهو هاهنا هلال جديد رئى او لم ير).

ومنها: المرسل عن ابى جعفرp2.gif: (اذا اصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرويه فليفطروا، وليخرجوا من الغد اول النهار الى عيدهم). وتتمه الحديث فى الفقيه: (واذا رئى هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان).

اقول: هذه جمله ما ورد من الاخبار فى رويه الهلال فى النهار.

ثم قال فى الجواهر: (لكن لا يخفى عليك شذوذ هذه النصوص الفاقد بعضها بعض شرائط الحجيه، وانها كغيرها من نصوص العدد والجدول والتطوق وغيرها، وقد القتها الطائفه واعرضت عنها واستقر عملها قديما وحديثا على نصوص الرويه، فالواجب حينئذ طرحها او حملها على بعض الوجوه ولو بعيدا، لكونه اولى من الطرح، ولذا حمل الشيخ الاولين منها (صحيح حماد وموثق عبيد بن زراره) اللذين هما العمده فى هذا المقام).

اقول: ولم يرتض بمحمل الشيخ فقال: (ولعل الطرح اولى من هذا الحمل، او يحملان على اراده بيان كون ذلك اماره يستفاد منها الظن، وربما تفيد اذا انضمت مع غيرها - كشهاده الواحد او المتعدد ممن لا يعتبر شهادته - حصول القطع، ولعل ذلك هو الوجه فى ذكرها، او ان المراد منها بيان ذلك ليظن السامع ممن يتقى منه الاجتزاء بها وان لم تكن هى كذلك، فتندفع التقيه بذلك).

اقول: قد ظهر من ذلك الكلام بطوله ان هذه الاخبار على كثرتها كانت مطرحا عندهم للبحث، ولكن القتها الطائفه واعرضت عنها والتمست لها محامل وان كانت بعيده، وصار عدم اعتبار الهلال فى النهار من الضرورى عندهم على حد تعبير صاحب الجواهر (قدس‏ سره).

فالمناط هو اعتبار الرويه فى الليل اما فى اوله فى كل افق افق، واما فى الليل فى اى جزء منه وان لم يره كثير من اهل الافاق فى ليلتهم، فاذا رئى فى ليلتهم وثبت لهم كفى ذلك فى صيامهم وفى فطرهم. والغرض من الخوض فى هذا البحث الاخير دفع اعتراضات جمه كانت تاتى من ناحيه اعتبار الروايه فى النهار.

استعراض كلمات الفقهاء:

والان ننقل اليك اقوال العلماء فى المساله:

قال الصدوق(قدس ‏سره) فى المقنع: (واذا رايت الهلال من وسط النهار وآخره فاتم الصيام الى الليل، وان غم عليك فعد ثلاثين ثم افطر. وقال ابو عبداللّهp2.gif: اذا رئى الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شهر شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان).

وقال فى الفقيه: (واذا رئى هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، واذا رئى بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان). وهى عين عباره المقنع.

وقال السيد المرتضى(قدس ‏سره) فى الناصريات: (اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، هذا صحيح، وهو مذهبنا. واليه ذهب ابوحنيفه ولم يفرق بين رويته قبل الزوال وبعده، وهو قول محمد ومالك والشافعى. وقال ابو يوسف: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وبعد الزوال لليله المستقبله. وقال احمد فى آخر الشهر مثل قوله، وفى اوله مثل قول من خالفنا، احتياطا للصوم. دليلنا: الاجماع المتقدم ذكره، وايضا ما روى عن امير المومنين وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وانس انهم قالوا: اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، ولا مخالف لهم).

وقال الحلبى فى اشاره السبق: (فان كانت الرويه له نهارا فهو لمستقبل ليلته لا لماضيها).

وقال الشيخ فى الخلاف: (اذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه، وبه قال جميع الفقهاء. وذهب قوم من اصحابنا الى انه ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو لليله المستقبله، وبه قال ابو يوسف. دليلنا: الاخبار التى رويناها فى الكتاب المقدم ذكره، وبينا القول فى الروايه الشاذه، وايضا قول النبىp1.gif: (اذا رايتم الهلال فصوموا، واذا رايتموه فافطروا)، وهذا رآه بالنهار، فينبغى ان يكون صومه وفطره من الغد، لانه ان صام ذلك اليوم فيكون قد صام قبل رويه الهلال، وايضا روى ذلك عن على عليه الصلاه والسلام وعمر وابن عمر وانس، وقالوا كلهم: لليله القابله، ولا مخالف لهم، يدل على انه اجماع الصحابه).

وقال فى المبسوط: (ومتى رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه).

وكذلك مذهبه فى التهذيب تراه يعترض على صحيحه حماد وموثقه عبيد ابن زراره وابن بكير، ويحملهما على ان يكون المراد بهما اذا شهد برويته قبل الزوال شاهدان من خارج البلد، ثم استند الى الروايات المعارضه مما لا تعتد برويه النهار مطلقا.

وقال ابن حمزه فى الوسيله: (واذا رئى الهلال بالنهار كان لليله المستقبله).

وقال ابن زهره(قدس‏سره) فى الغنيه: (واذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله، بدليل الاجماع المتردد، لان من خالف من اصحابنا فى ذلك لم يوثر خلافه فى دلاله الاجماع).

وقال الفاضل فى كشف الرموز: (وفى العمل برويته قبل الزوال او بعده تردد).

وقال المحقق فى المعتبر: (اما رويته قبل الزوال فقد روى به روايات، منها روايه حماد بن عثمان... وروى عبيد بن زراره... فقوه هاتين الروايتين اوجب التردد بين العمل بهما والعمل بما دلت عليه روايه العدلين، وبمثله قال اذن ابو يوسف).

وفى المختصر النافع: (وفى العمل برويته قبل الزوال تردد).

وفى الشرائع: (ولا اعتبار بالجدول ولا بالعدد... ولا برويته يوم الثلاثين قبل الزوال).

وقال العلامه فى المنتهى: (ولا اعتبار برويته قبل الزوال. وقال بعضهم: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو للمستقبله، وبه قال الثورى وابو يوسف. والذى اختاره مذهب اكثر علمائنا الا من شذ منهم لانعرفه، وبه قال الشافعى).

وقال فى المختلف: (مساله: قال السيد المرتضى فى المسائل الناصريه - لما ذكر قول الناصر-: انه اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، هذا صحيح، وهو مذهبنا. وقال الشيخ فى الخلاف: اذا رئى قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه. وقال ابن الجنيد: ورويه الهلال يوم ثلاثين من رمضان اى وقت كان اذا لم يصح ان الليله الماضيه قد رئى فيها لا يوجب الافطار له، فاذا صحت الرويه فيها افطر اى وقت يصح ذلك عنده من نهار يوم ثلاثين. والاقرب اعتبار ذلك فى الصوم دون الفطر).

وفى القواعد: (ولا عبره بالجدول... ورويته يوم الثلاثين قبل الزوال).

وقال فى التذكره: (اذا رئى الهلال يوم الثلاثين فهو للمستقبله، سواء رئى قبل الزوال او بعده، فان كان هلال رمضان لم يلزمهم صيام ذلك اليوم، وان كان هلال شوال‏لم يجز لهم الافطار الا بعد غروب الشمس، عند علمائنا اجمع، وبه قال مالك والشافعى وابو حنيفه... وقال الثورى: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو للمستقبله، وبه قال ابو يوسف، وقال احمد: ان كان فى اول شهر رمضان وكان قبل الزوال فهو للماضيه، وان كان فى هلال شوال فروايتان: احداهما انها كذلك، والثانيه للمستقبله).

وقال الشهيد(قدس ‏سره) فى الدروس: (واجتزا سلار بالواحد فى اوله، والمرتضى برويته قبل الزوال، فيكون لليله الماضيه، لروايه حماد، وهى حسنه لكنها معارضه، وعمل بها الفاضل فى اوله خاصه، فلو لم ير الهلال ليله احدى وثلاثين صام).

وقال فى المسالك: (قوله: ولا بغيبوبه الهلال بعد الشفق، ولا برويته يوم الثلاثين: ذهب بعض الاصحاب الى ثبوته بذلك (اى بغيبوبته)... وكذا لو رئى قبل الزوال يحكم بان ذلك اليوم منه، وانه اذا لم يغب حتى تطوق وتحقق جرمه مستديرا حكم به لليله الماضيه، استنادا الى اخبار شاذه ومعارضه بما هو اصح منها واشهر).

وقال المحقق الاردبيلى(قدس‏سره) فى مجمع الفائده: (والمساله (مساله التطوق) مشكله، كالعمل بالرويه قبل الزوال وبعده على ما تدل عليه حسنه حماد بن عثمان... وروايه عبيد بن زراره وعبداللّه بن بكير... فردهما... مشكل... والظاهر انهما دليلان بعد ثبوت العمل بالخبر الواحد، فقول الشيخ: فهذان الخبران ايضا مما لا يصح الاعتراض بهما على ظاهر القرآن والاخبار المتواتره... لا يخلو عن تامل. ويمكن ان يقال: ليسا بصريحين فى الافطار والصوم، اذ قد يكون لليله المتقدمه مع عدم كون التكليف به الا مع العلم به فى الليل او بالشهود فى النهار، فتامل فيه، وان الظاهر من الرويه هى المتعارفه وانما يكون فى الليل فلا يشمل اخبارها لرويه النهار، ولهذا يعد الزوال غير داخل فيها، ويويده مكاتبه محمد بن عيسى... واحتط وتامل فان المساله من المشكلات).

وقال السيد فى المدارك: (والمساله قويه الاشكال، فان الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الاسناد، بل الاولى لا تقصر عن مرتبه الصحيح... ومن ثم تردد فى ذلك المصنف فى النافع والمعتبر، وهو فى محله).

ومال الفيض الكاشانى(قدس‏سره) فى الوافى الى العمل برويته قبل الزوال، وتصدى لجواب كلام الشيخ(قدس‏سره).

وقال المحدث البحرانى - بعدما خاض فى البحث وافاض واشبع الكلام فيه-: (وبالجمله فالمساله فيما عدا ما ذكرناه... محل تردد واشكال).

وفى الرياض - بعد قول المحقق: وفى العمل برويته قبل الزوال تردد - قال: (للماتن هنا وفى المعتبر، قيل: ينشا من الاصل. ودلاله جمله من النصوص على الثانى -الى ان قال- : ولولا موافقه القول المشهور لما عليه جمهور الجمهور لكان القول به مقطوعا به من غير ريبه، الا انه لها ربما لاتخلو المساله عن تردد وشبهه كما عليه الماتن، الا ان مقتضى الاصول حينئذ تعين العمل بما عليه المشهور).

وقال النراقى فى المستند: (الثالثه: اذا راى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه على الاقرب...)، ثم افاض فى البحث لتقويه ما اختار.

وقال الشيخ الكبير كاشف الغطاء فى كشفه: (المبحث الثانى فى بيان ما لاتعويل عليه من الامارات فى دخول الشهر... كخبر العدل الواحد والجدول... ورويته قبل الزوال).

وقال صاحب الجواهر فى جواهره ما قال، وقد مررنا على كلامه الفائض فى البحث حول الروايات.

تحقيق فى بعض كلمات الاصحاب:

ولننظر الى ما مر علينا من كلمات الاصحاب وما عالجوا به اخبار الباب:

منها كلام السيد(قدس ‏سره) فى الناصريات، قال: (المساله 126: اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، هذا صحيح، وهو مذهب اصحابنا. واليه ذهب ابو حنيفه ولم يفرق بين رويته قبل الزوال وبعده، وهو قول محمد ومالك والشافعى. وقال ابو يوسف: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وبعد الزوال لليله المستقبله. وقال احمد فى آخر الشهر مثل قوله، وفى اوله مثل قول من خالفنا، احتياطا للصوم. دليلنا: الاجماع المتقدم ذكره، وايضا ما روى عن امير المومنينp2.gif وابن عمر وابن عباس(رضى‏اللّه) وابن مسعود وانس انهم قالوا:اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، ولا مخالف لهم).

وقد استفادوا من قوله ذلك انه كان يقول بالفرق بين رويته قبل الزوال وبعده كما يتراءى من ظاهر كلامه، وعدوه احد القائلين بذلك من القدماء.

اقول: لو كان مراده ذلك لما استقام شى‏ء من كلامه، ولما انسجمت تلك الجمل الواقعه فى عبارته، ولما استقام له دليل، ولكاد يكون الاستشهاد به من الموافق مخالفا والمخالف موافقا، بل ولما استقام نفس طرح المساله ايضا، وهاك بيان ذلك:

قال: (اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، هذا صحيح).

وهذا الطرح ناقص، اذ يجب ان يردفه بقوله: (واذا رئى بعد الزوال فهو لليله المستقبله) كما فى كلمات سائر الفقهاء كلهم.

ثم قال: (وهو مذهب اصحابنا).

وهذا لا يصح، اذ ترى العلامه يقول فى التذكره: (اذا رئى الهلال يوم الثلاثين فهو للمستقبله، سواء رئى قبل الزوال او بعده، فان كان هلال رمضان لم يلزمهم صيام ذلك اليوم، وان كان هلال شوال لم يجز لهم الافطار الا بعد غروب الشمس، عند علمائنا اجمع)، وقال فى المنتهى: (ولا اعتبار برويته قبل الزوال... والذى اختاره مذهب اكثر علمائنا الا من شذ منهم لا نعرفه)، وليتامل فى قوله: (لا نعرفه)، وقال ابن زهره من قبله فى الغنيه: (واذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله، بدليل الاجماع المتردد، لان من خالف من اصحابنا فى ذلك لم يوثر خلافه فى دلاله الاجماع). فمع هذه الحال كيف يقول السيد(قدس‏سره): (وهو مذهب اصحابنا)؟!

ثم قال: (واليه ذهب ابوحنيفه ولم يفرق بين رويته قبل الزوال وبعده، وهو قول محمد ومالك والشافعى).

فقوله: (واليه ذهب) لابد ان يراد به (الى الفرق ذهب)، ولا يستقيم ذلك مع قوله: (ولم يفرق بين رويته قبل الزوال وبعده). فان قلت: اراد به (الى القول بالاعتبار وعده من الليله الماضيه سواء رئى قبل الزوال ام بعده ذهب ابوحنيفه...) فهذا من غرائب الاقوال، ولا اعرف به قائلا، مضافا الى ان قول ابى حنيفه ومالك والشافعى هو القول بعدم الاعتبار بلا فرق بين رويته قبل الزوال وبعده.

قال فى الخلاف: (اذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه، وبه قال جميع الفقهاء، وذهب قوم من اصحابنا الى انه ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو لليله المستقبله، وبه قال ابو يوسف).

وقال فى التذكره - بعد قوله: عند علمائنا اجمع-: (وبه قال مالك والشافعى وابو حنيفه... وقال الثورى: ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو للمستقبله، وبه قال ابو يوسف).

وقال ابن رشد فى بدايه المجتهد: (واما اختلافهم فى اعتبار وقت الرويه فانهم اتفقوا على انه اذا رئى من العشى ان الشهر من اليوم الثانى، واختلفوا اذا رئى فى سائر اوقات النهار -اعنى اول ما رئى - فذهب الجمهور ان القمر فى اول وقت رئى من النهار انه لليوم المستقبل كحكم رويته بالعشى، وبهذا القول قال مالك والشافعى وابوحنيفه وجمهور اصحابهم، وقال ابويوسف من اصحاب ابى حنيفه والثورى وابن حبيب من اصحاب مالك: اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعد الزوال فهو للاتيه).

فقد رايت انهم كلهم مطبقون ان قول ابى حنيفه ومالك والشافعى هو ان رويه الهلال سواء كانت قبل الزوال او بعده تكون لليله المستقبله، والسيد(قدس‏سره) اتى بارائهم تاييدا لقوله.

ثم قال السيد(قدس‏سره): (وقال ابو يوسف: (ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وبعد الزوال لليله المستقبله).

اقول: لو كان مختار السيد الفرق بين ما قبل الزوال وبعده لعد قول ابى يوسف مويدا له لا مقابلا، وهذا من الوضوح بمكان.

ثم قال: (وقال احمد فى آخر الشهر مثل قوله، وفى اوله مثل قول من خالفنا، احتياطا للصوم).

قال فى التذكره: (وقال احمد: ان كان فى اول شهر رمضان وكان قبل الزوال فهو للماضيه، وان كان فى هلال شوال فروايتان: احداهما انها كذلك، والثانيه للمستقبله، لقولهp2.gif: صوموا لرويته وافطروا لرويته، وقد راوه، فيجب الصوم والفطر، ولان ما قبل الزوال اقرب الى الماضيه. والمراد فى الخبر: اذا راوه عشيه، بدليل ما لو رئى بعد الزوال، وعلى الروايه التى لاحمد انه عن الماضيه فى اول رمضان يلزمه قضاء ذلك اليوم وامساك بقيته احتياطا للعباده، وهو غلط، لان ما كان لليله المقبله فى آخره فهو لها فى اوله كما لو رئى بعد العصر).

وقال فى المغنى: (مساله: واذا رئى الهلال نهارا قبل الزوال او بعده فهو لليله المقبله. وجمله ذلك ان المشهور عن احمد ان الهلال اذا رئى نهارا قبل الزوال او بعده وكان ذلك فى آخر رمضان لم يفطروا برويته، وهذا قول عمر وابن مسعود وابن عمر وانس والاوزاعى ومالك والليث وابى حنيفه والشافعى واسحاق، وحكى عن احمد انه ان رئى قبل الزوال فهو للماضيه، وان كان بعده فهو لليله المقبله، وروى ذلك عن عمر رواه عنه سعيد، وبه قال الثورى وابو يوسف، لان النبىp1.gif قال: صوموا لرويته وافطروا لرويته، وقد رآه، فيجب الصوم والفطر، ولان ما قبل الزوال اقرب الى الماضيه، ولنا ما روى ابو وائل قال: جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين ان الاهله بعضها اقرب من بعض، فاذا رايتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا او يشهد رجلان انهما راياه بالامس عشيه، ولانه قول من سمينا من الصحابه، وخبرهم محمول على ما اذا رئى عشيه بدليل ما لو رئى بعد الزوال، ثم ان الخبر انما يقتضى الصوم والفطر من الغد بدليل ما لو رآه عشيه.

فاما ان كانت الرويه فى اول رمضان فالصحيح ايضا انها لليله المقبله، وهو قول مالك وابى حنيفه والشافعى، وعن احمد روايه اخرى انه للماضيه، فعلى هذا يلزم قضاء ذلك اليوم وامساك بقيته احتياطا للعباده، لان ما كان لليله المقبله فى آخره فهو لها فى اوله كما لو رئى بعد العصر).

اقول: هذا قول احمد، وكيف يستقيم قول السيد(قدس‏سره): (وقال احمد فى آخر الشهر مثل قوله) اذا رجع الضمير الى ابى يوسف كما هو ظاهر العباره، واحمد لم يفصل فى آخر الشهر؟! نعم، له روايه فى ذلك، واما تفصيله فهو فى اول الشهر. ثم كيف يستقيم قوله: (وفى اوله مثل قول من خالفنا، احتياطا للصوم) وقول احمد فى اوله هل هو الا قول السيد، فكيف ينسبه الى المخالف؟!

ثم قال: (دليلنا الاجماع المتقدم ذكره).

وقد بان حال الاجماع مما مر، وان الاجماع انعقد على عدم اعتبار الرويه نهارا.

ثم قال: (وايضا ما روى عن امير المومنين وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وانس انهم قالوا: اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه، ولامخالف لهم).

اقول: كيف يلتئم هذا وقول الشيخ فى الخلاف: (... وايضا روى ذلك (اى عدم الفرق) عن على عليه الصلاه والسلام وعمر وابن عمر وانس، وقالوا كلهم: لليله القابله، ولا مخالف لهم، يدل على انه اجماع الصحابه)؟!

قد علمنا مما مر ان كلام السيد(قدس‏ سره) بهذه العباره المنقوله لا يستقيم حتى فى جمله واحده منه، بل وحتى فى طرح المساله، واظن ظنا يتاخم العلم ان السيد موافق للشيخ تماما وقائل بعدم اعتبار الرويه نهارا، وانما اصاب عبارته السقط والتحريف، واذا قابلنا عبارته بعباره الشيخ واومانا الى ما يظن فيه السقط او التحريف وقومنا العباره يتبين انه من القائلين بعدم الفرق وينسجم ويستقيم تمام كلامه، فلننقل كلام الشيخ(قدس‏سره) ثم نقارن به كلام السيد(قدس‏سره):

قال الشيخ فى الخلاف - كما مر-: (اذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله المستقبله دون الماضيه، وبه قال جميع الفقهاء. وذهب قوم من اصحابنا الى انه ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعده فهو لليله المستقبله، وبه قال ابو يوسف. دليلنا: الاخبار التى رويناها فى الكتاب المقدم ذكره... وايضا روى ذلك عن على عليه الصلاه والسلام وعمر وابن عمر وانس، وقالوا كلهم: لليله القابله، ولا مخالف لهم، يدل على انه اجماع الصحابه).

واما قول السيد(قدس‏سره): (اذا رئى الهلال قبل الزوال فهو لليله الماضيه) فارى انه سقط منه - بعد قوله: قبل الزوال - (او بعده)، ودخله التحريف فى قوله: (لليله الماضيه)، وانها كانت (لليله القابله)، فتكون العباره بكاملها هكذا:

(اذا رئى الهلال قبل الزوال او بعده فهو لليله القابله، هذا صحيح، وهو مذهبنا. واليه ذهب ابو حنيفه ولم يفرق بين رويته قبل الزوال وبعده، وهو قول محمد ومالك والشافعى. وقال ابو يوسف: انه ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وبعد الزوال لليله المستقبله. وقال احمد فى آخر الشهر مثل قوله (اقول: دخل التحريف فى هذه العباره ايضا، والصواب ان يقال: وقال احمد فى آخر الشهر مثل قولنا، لا مثل قوله) وفى اوله مثل قول من خالفنا، احتياطا للصوم (اترى كيف يستقيم ويحسن الكلام ويتضح المرام حيث يكون المعنى ان احمد اخذ فى آخرالشهر بقولنا وفى آخره بقول من خالفنا؟!) دليلنا: الاجماع المتقدم ذكره، وايضا ما روى عن امير المومنينp2.gif وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وانس انهم قالوا: (اذا رئى الهلال قبل الزوال (اقول: وسقط هنا: او بعده) فهو لليله الماضيه (وهذا ايضا دخله التحريف، والصواب: لليله القابله، كما فى عباره الشيخ) ولا مخالف لهم).

ولعمرى هذا واضح جدا ولا محيص عنه، والا فلا يستفاد من عباره السيد(قدس‏سره) شى‏ء اصلا، بل يتناقض بعضها مع بعض.

نعم، بقى هنا شى‏ء: وهو ان العلامه فى المختلف والشهيد فى الدروس اسندا اليه القول بالفرق كما مر، فهما ايضا فهما من العباره ما فهمه غيرهما، وهم كثير.

اقول: بلى، هولاء الاجله مع اشغالهم الكثيره واستيعابهم مسائل الاسلام فى شتى نواحيها لم تحن لهم فرصه كى يطبقوا الدليل على المدعى ويروا ان ما ذكره بعنوان الموافق مخالف وبعنوان المخالف موافق وسواه مما مر، واخذوا بظاهر العباره كما اخذ كل واحد منا من ذى قبل.

استدراك: والعامه ايضا لم يعتبروا رويه الهلال فى النهار، وقالت المالكيه والحنفيه: انه لليوم الاتى، والعجب ان الشافعيه والحنابله لم يعتبروها اصلا، وقالوا: ان رويه الهلال نهارا لا عبره بها وانما المعتبر رويته بعد الغروب، كما فى الفقه على المذاهب الاربعه، وبذلك عدهما المصنف فى المخالفين.

فى رويه الهلال يوم الثلاثين:

ذهب اكثر الاصحاب الى ان الهلال ان رئى يوم الثلاثين فهو لليله المقبله، وتردد جماعه منهم وقالوا: (ان المساله مشكله جدا من جهه الاخبار المتعارضه.

وذهبت شرذمه قليله الى انه ان رئى قبل الزوال فهو لليله الماضيه، وان رئى بعد الزوال فهو لليله المقبله، لا نعرف منهم الا الصدوق والفيض والسبزوارى والنراقى(قدس‏سرهم)، واخيرا مال اليه الايه الميلانى والايه الحجه الخوئى(قدس‏ سرههما).

قال الشهيد فى المسالك ردا على هذا القول: (... حكم به لليله الماضيه، استنادا الى اخبار شاذه ومعارضه بما هو اصح منها واشهر).

فهناك دعويان: دعوى الشذوذ، ودعوى المعارضه بما هو اصح واشهر.

فالدعوى الاولى: تطرح الاخبار لشذوذها، لان المرتكز فى الاذهان والمعتبر عند المتشرعه هى الرويه بالليل، فلا قيمه لرويه النهار، ولذا قال الاردبيلى(قدس‏سره) فى مجمع الفائده والبرهان: (ان الظاهر من الرويه هى المتعارفه، وانما تكون فى الليل، فلا يشمل اخبارها لرويه النهار).

وقال الشيخ محمد حسن فى الجواهر دفعا لهذه الدعوى: (... اقتضاوها اعتبار الرويه قبل الزوال لنفسها لا لكشفها عن صلاحيه الرويه فى الليله السابقه الا انه اتفق المانع من غيم او اخطاه المتطلع او نحو ذلك، وحينئذ يمكن دعوى الضروره على خلافه وان المعتبر انما هو الرويه فى الليل دون النهار).

ويمكن ان يدعى طرحها باعراض الاصحاب واجماعهم على عدم اعتبار الرويه بالنهار وان كان الاجماع ايضا لاجل تلك النكته. بل لنا ان نقول: هذه مساله اسلاميه التزم بها المسلمون منذ بدء الاسلام، بلا فرق بين السنه والشيعه، ولا بين التابعى والصحابى، كما يشعر بل يدل عليه استدلال السيد والشيخ(قدس‏سرههما) حيث استدلا بالاجماع وشفعاه بقول الصحابه، وجعلاه بين الصحابه بمثابه الاجماع منهم، ولعله اليه يرجع ما افاده صاحب الجواهر من دعوى الضروره.

ومن ذلك نستشعر ما حدا الشيخ الى محمل بعيد حمل عليه صحاح الروايات، قال فى التهذيب - فى خبرى حماد وابن زراره-: (فهذا الخبران ايضا مما لا يصح الاعتراض بهما على ظاهر القرآن والاخبار المتواتره، لانهما غير معلومين (تامل قوله(قدس‏سره): لانهما غير معلومين)، وما يكون هذا حكمه لا يجب المصير اليه، مع انهما لو صحا لجاز ان يكون المراد بهما: اذا شهد برويته قبل الزوال شاهدان من خارج البلد يجب الحكم عليه بان ذلك اليوم من شوال، وليس لاحد ان يقول: ان هذا لو كان مرادا لما كان لرويته قبل الزوال فائده، لانه متى شهد الشاهدان وجب العمل بقولهما، لان ذلك انما يجب اذا كان فى البلد عله ولم يروا الهلال. والمراد بهذين الخبرين: الا يكون فى البلد عله لكن اخطاوا رويه الهلال ثم راوه من الغد قبل الزوال واقترن الى رويتهم شهاده الشهود وجب العمل به).

وهذا المحمل البعيد الجاه اليه شذوذ الخبرين، ولذا قال صاحب الجواهر بعد ذكر هذا المحمل: (ولعل الطرح اولى من هذا الحمل).

هذه هى الدعوى الاولى فى كلام الشهيد(قدس‏سره).

والدعوى الثانيه: انها معارضه بما هو اصح منها واشهر، ومعناها: انا اذا اغمضنا عن الشذوذ ونظرنا الى الخبرين بعين الاعتبار فانه تعارضهما الاخبار الصحيحه والمويده التى ترافقها الشهره:

منها: صحيح محمد بن قيس عن ابى جعفرp2.gif قال: (قال امير المومنينp2.gif: اذا رايتم الهلال فافطروا، واشهدوا عليه عدولا من المسلمين، فان لم تروا الهلال الا من وسط النهار او آخره فاتموا الصيام الى الليل، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم افطروا).

ومنها: خبر جراح المدائنى قال: قال ابو عبداللّهp2.gif: (من راى هلال شوال بنهار فى رمضان فليتم صيامه).

ومنها: خبر محمد بن عيسى المعتضد بالشهره والاجماع، قال: كتبت اليهp2.gif: جعلت فداك، ربما غم علينا هلال شهر رمضان فيرى من الغد الهلال قبل الزوال، وربما رايناه بعد الزوال، فترى ان نفطر قبل الزوال اذا رايناه ام لا؟ وكيف تامرنى فى ذلك؟ فكتبp2.gif: (تتم الى الليل، فانه ان كان تاما رئى قبل الزوال).

قولهp2.gif: (تتم) امر باتمام الصيام الى الليل، وهو ناظر الى آخر الشهر، فيدل على ان لا عبره برويه الهلال فى النهار، ولو كان ناظرا الى اول الشهر انعكست الدلاله. والدليل على انه ناظر الى آخر الشهر كيفيه السوال، فان من الطبيعى ان يكون السوال فى اول الشهر عن وجوب الصوم فيقال: (اذا رئى الهلال بالنهار فى يوم الثلاثين من شعبان هل علينا ان نصوم؟ وان يكون السوال فى آخر الشهر هكذا: فهل لنا ان نفطر قبل الزوال؟ وهكذا سال السائل. مضافا الى قولهp2.gif: (فانه ان كان تاما رئى قبل الزوال) فانه لا يلتئم مع اول الشهر، اذ لو كان الشهر تاما لما وجب الصوم فكيف يامر به؟! وانما يلائم آخر الشهر، كانه قال: اتم صيامك وليتم شهرك به، واذا كان الشهر تاما يجوز ان يرى الهلال -هلال الشهر القابل- قبل الزوال.

ومنها: ما نقلناه قبل عن دعائم الاسلام: (اذا رايتم الهلال او رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك فى اول النهار او فى آخره).

وبالجمله، يستند الى هذه الاخبار المعتضده بالشهره القويه وان كان فى مفاد بعضها كلام ضعيف، كقولهp2.gif: (وسط النهار).

هذا، ولا عبره بما افاد السيد - قدس اللّه نفسه الزكيه - فى الرياض حيث قال: (والى هذا القول (اى القول باعتبار الرويه قبل الزوال) مال جمله من متاخرى المتاخرين وفاقا للمرتضى فى الناصريه، لصراحه النصوص الداله عليه، مع اعتبار اسانيدها واعتضادها بما مر من الاطلاقات، ومخالفتها لما عليه جمهور العامه كما صرح به جماعه، مع دعوى المرتضى عليه الاجماع من الاماميه والصحابه... ولا يخلو عن قوه لولا شذوذ هذا القول على الظاهر المصرح به فى كلام جماعه كصاحب المنتهى والمسالك والخلاف والغنيه... ودعوى الشهره على هذا القول مستفيضه بل مسلمه، وحينئذ فتقوى الادله الداله عليه ولو ضعفت دلاله، بالاضافه الى النصوص المقابله، والجمع بين الادله ولو بالتقييد او التخصيص فرع المقاومه وهى مفقوده... ولولا موافقه القول المشهور لما عليه جمهور الجمهور لكان القول به مقطوعا به من غير ريبه، الا انه لها ربما لا تخلو المساله من تردد وشبهه).

 

 

 

 

Share this post


Link to post
Share on other sites

موضوع شيق

rolleyes.gif

Share this post


Link to post
Share on other sites

مشكور أخي الكريم سلمان

 

على هذه المعلومات

 

وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أرى فيه المسلمون على مذهب واحد ورأي واحد

 

خير من هذه التناقضات .

Share this post


Link to post
Share on other sites

شيئ يزعل ويفشل بعد الا نتوحد..... كان الله يريد لنا الا ختلاف حاشاه عز وجل وهو اللذي يقول ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ... ..... واذا ما اختلفنا في الصيام اختلفنا في الا فطار ومن يدري قد يا تي زمان نختلف في الحج....كله بسبب من يسمون با العلماء كل واحد يقول العلم عندي ولا يهمهم الا تحاد.....ولن توحدهم الا الرؤيه العقليه اي الحساب الفلكي..... اي اذا قال الحساب الفلكي ان الهلال لن يغيب قبل الشمس اعتبرنا اننا رايناه با العقلو خلا ص نعتبر الشهر دخل... اليس الله هواللي جعل الا فلا ك تدوربا القه المتناهيه وما دام ان كل شيئ محسوب لم لا ناخذبه

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×