Jump to content
Sign in to follow this  
ماجد طه

الزمن حقيقة أم ؟

Recommended Posts

الزمن حقيقة أم ؟

 

 

لا يمثل الزمن بالنسبة للإنسان العادي سوى تتابع المواقيت الناتج عن شروق الشمس وغروبها وعن دوران الأرض حول الشمس, والقمر حول الأرض أما الزمن عند العلماء فهو مفهوم أساسي لابد منه لضبط التجربة العلمية.

 

ففي عصر العلم الحديث أصبح من الضروري طرح تصوّر للأسلوب العلمي يكفل إجراء التجربة العلمية بواسطة علماء مختلفين وتحقيق النتائج نفسها, وذلك يستلزم وجود مقياس دقيق للزمن ومرجعية ثابتة له بالنسبة لجميع العلماء , وكان هذا التصوّر هو التصوّر النيوتوني للزمن المطلق, فحسب اسحق نيوتن (الزمان المطلق الحقيقي, الرياضي, ينساب من تلقاء نفسه وبطبيعته الخاصة, باطراد دون علاقة بأي شيء خارجي, ويطلق عليه اسم الديمومة) .

 

وفي واقع الأمر كانت النظرة النيوتونية للكون ذي الزمان والمكان المطلقين ناجحة في تفسير 99% من حقائق الكون, وتمكنت من تحقيق تقدم كبير في العلم الحديث. ولكن مع تقدم العلم وزيادة دقة الملاحظات تكشفت العديد من الظواهر التي أدت إلى الشك في الصحة المطلقة للنظرة النيوتونية. فحسب قوانين نيوتن يجب أن تتغير سرعة الضوء بحسب سرعة واتجاه حركة مصدره, ولكن العلماء اكتشفوا في تجربة مشهورة, هي تجربة (ميكلسون - مورلي) عام 1887, أن سرعة الضوء ثابتة بغض النظر عن سرعة مصدره وعن اتجاه حركته .

 

كما تبين من قياس حركة كواكب المجموعة الشمسية أنها تتفق مع نظرة نيوتن فيما عدا كوكب عطارد, حيث وجد فرق ضئيل جدا بين حسابات ميكانيكا نيوتن وحركته في الواقع, بالإضافة إلى هذا وذاك تعارضت ميكانيكا نيوتن مع نظرية جيمس كلارك ماكسويل عن الموجات الكهرومغناطيسية والتي تتعامل مع الضوء على أنه موجات وعلى أن سرعته ثابتة , ولم يكن هناك مفر من ظهور نظرية النسبية, فقدم ألبرت أينشتين نظرية النسبية الخاصة عام 1905 والنسبية العامة عام 1915.

 

(الزمكان) هو القضية الأساسية عند بحث نسبية الزمن والسفر في الماضي. فما هو المعنى الواقعي (للزمكان), وهل له وجود مستقل أم لا?

 

تخبرنا فلسفة العلم المعاصرة أن هناك نظرتين أساسيتين للمفاهيم والتصورات العلمية , الأولى أن هذه المفاهيم تعبر عن حقائق عن العالم الخارجي , فالنموذج المعياري للذرة والكوارك والثقب الأسود ومنحنى الزمكان هي حقائق عن العالم .

 

أما النظرة الثانية فتخبرنا أن هذه المفاهيم ليست سوى أدوات جيدة للتعامل مع العالم , ولا تعبر عن حقائق واقعية عنه , أو على الأقل هي حقائق تقريبية عن العالم لا نضمن صحتها المطلقة ولكن نستخدمها لأنها تفيدنا في التعامل مع العالم , ومفهوم (الزمكان) ينطبق عليه هذا الوصف نفسه, فهو ليس حقيقة من حقائق العالم ولكنه أداة جيدة للتعامل معه , فالموجود على الحقيقة هو الأجسام التي تتحرك في الفضاء , وقيمة مفهوم (الزمكان) هي في أنه يمكننا بفاعلية من توصيف هذه الحركة بشكل دقيق .

 

فإذا أخذنا ذلك في الاعتبار سنجد أن استحالة السفر في الماضي ليست بسبب تآمر الطبيعة , كما ذهب هوكنج , ولا بسبب ما يترتب عليها من تناقضات في التاريخ كما رأى آخرون , وإنما بسبب التجاوز في استخدام مفهوم ( المتصل الزمكاني ) كأداة للنظر إلى العالم . ويتمثل هذا التجاوز في تحويل هذا المفهوم من مجرد تصور ملائم لوصف حركة الأجسام إلى موضوع للبحث يتغير لينتج وقائع جديدة. وتحويل الأداة إلى موضوع هو أمر غير صحيح , وإنما الصحيح هو أن يكون موضوع تصوراتنا هو الأجسام نفسها حتى لو كان ذلك غير مباشر من خلال المفاهيم والأدوات العلمية. فالقول بانحناء الزمكان هو قول مجازي يقصد به أن الأجسام تسلك في حركتها مسارا منحنيا بتأثير جاذبية الأجسام حسب نظرية النسبية. ولكن ليس هناك في الحقيقة زمكان حتى ينحني ولذلك فالقول إن الزمكان ينحني حتى ينغلق على نفسه , إذا أخذ حرفيا هو قول في الواقع لا يعني شيئا , إذ مفهوم الزمكان ليس موضوعا .

 

فإن شئنا أن نعتبره تعبيرا مجازيا وجب تحويله إلى معنى مباشر مرتبط بحركة الأجسام , وفي هذه الحالة تكون أقصى درجات انحناء الزمكان هي بمعنى الوصول إلى البطء في التغير في حركة الجسم حتى التوقف النهائي عن الحركة , وهي حالة تتوقف عندها القوانين الطبيعية.

 

فالحديث عما يمكن أن يحدث عند هذه الحالة, والتي توصف مجازيا بانغلاق منحنى الزمكان , هو كمثل الحديث عن الحالة عند بدء الكون . أما الحديث عما قد يحدث بعد دخول الجسم في حالة انغلاق منحنى الزمكان فهو كمثل الحديث عما قد يكون قد حدث قبل بدء الكون , وهو حديث لا يمكن أن يكون علميا بالمعنى التجريبي المعروف .

 

إن الزمن هو ( التغير الطارئ على المادة ) , والسبب في شعورنا بانسياب الزمن هو الانتظام الكامن في الطبيعة الذي يظهر في صورة انتظام للحركة ويكون مقياس الزمن لجسم ما هو معدل (تغيره) منسوبا لتغير جسم آخر منتظم (كدقات الساعة مثلا). وتخبرنا نظرية النسبية العامة بأن الزمن الخاص بالجسم (أي معدل تغيره) إذا كان منتظماً أم غير منتظماً سيكون أبطأ إذا تحرك بسرعة أكبر أو إذا تعرض لمجال جاذبية قوي , أي إذا تأثرت طاقته الكلية وكما هو معلوم فالطاقة الكلية = مجموع الطاقة الكامنة والطاقة الحركية للجسم , وذلك في حين تخبرنا النظرية المعيارية للذرة بأن مكونات الذرة (وبالتالي كل الأجسام) تتراوح ما بين الحالة الجسيمية والحالة الموجية. فإذا كان الزمن الخاص بالجسم هو معدل تغيره , فإن الارتباط بين طاقة الجسم ومعدل تغيره, كما تخبرنا نظرية النسبية العامة , يكون أمرا مقبولا. كما أن تأثر المسافات داخل الذرة (وبالتالي طول الجسم) بتغير طاقة الجسم يكون أمرا مقبولا أيضا .

 

فإذا اقتصر تصورنا على أن الزمن ليس إلا تعبيرا عن قياس معدل التغير لجسم ما أصبح واضحا أن هذا التغير لا يمكن الحديث عنه بعد حدوثه كأنه موجود يمكن الذهاب إليه (في الماضي) , ولا يمكن أيضا الحديث عنه باعتباره موجودا في المستقبل وأننا يمكننا الذهاب إليه , والسبيل الوحيد للحديث عنه هو باعتباره معلومات محفوظة في الذاكرة لا تتمتع بأي وجود مستقل لا في الماضي ولا في المستقبل , فواقع ان (التغير) في ظروف معينة يمكن أن يكون أسرع منه في ظروف أخرى لا يعني أن الانتقال من هذه إلى تلك ثم العودة يعني السفر إلى المستقبل إلا بمعنى مجازي .

 

فالسفر على متن سفينة فضاء تسير بسرعة تقترب من سرعة الضوء ثم العودة إلى الأرض بعد أن يكون قد مر عليها عشرة آلاف عام مثلا لا يعني سوى أن التغير على متن السفينة أبطأ منه على ظهر الأرض بهذه الفترة. والسبب في وجود هذا النوع من التصورات (مثل السفر إلى الماضي والمستقبل) والمرتبطة بالنسبية العامة , هو أن النسبية العامة نظرية مرتبطة بظواهر الأجسام فقط, وليست مرتبطة ببنية وجودها المادي, كما هي الحال في نظرية الكم.

 

فنسبية الزمن هي (ظاهرة) ولكن سببها المباشر المرتبط ببنية الوجود دون الذري لا يزال مجهولا, وذلك بسبب غياب النظرية الموحدة للكم والجاذبي وبسبب غياب هذه النظرية تسود نظريات الخيال العلمي والتي لا ترقى لأن تكون نظريات علمية تجريبية, وبسبب غياب هذه النظرية أيضا تختلف الآراء بين العلماء.

 

فباعتبار أن الزمن هو (التغير) وأنه ليس له وجود مستقل ولا لمنحنى الزمكان المغلق, فإنه لا يكون من معنى للسفر إلى المستقبل إلا بمعنى مجازي. فنحن نسافر في المستقبل بمعدل يوم واحد كل يوم, ونستطيع أن نسافر بمعدل أبطأ من ذلك إذا تحركنا بسرعة أكبر. أما بالمعنى الحرفي الواقعي فنحن لا يمكننا السفر في الزمان لا في الماضي ولا حتى في المستقبل.

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×