Jump to content
Sign in to follow this  
ع ع

معلومات عن توسع الكون بسرعة أكبر من سرعة الضوء

Recommended Posts

هل يثير توسع الكون حيرة عندكم؟ لستم وحدكم، فحتى الفلكيون كثيراً ما يتناولونه بشكل خاطىء.

 

قد يكون توسع الكون أهم حقيقة على الإطلاق جرى اكتشافها عن أصولنا. فلو لم يكن الكون قد توسع لما كنتم تقرؤون الآن هذه المقالة ولا وجدت الكائنات البشرية. ولو لم يكن الكون قد توسع وتبرّد بعد الإنفجار الأعظم، لما وجدت الكواكب الأرضية والأشياء الجزيئية الباردة التي منها أشكال الحياة. فتكوين بنى الكون جميعها من مجرات ونجوم وكواكب وحتى مقالات هذه المجلة، كان معتمداً على توسع الكون.

 

لقد مضى أربعون عاماً على إعلان بعض العلماء عن اكتشاف دليل قاطع على توسع الكون بدءاً من حالة كان فيها شديد الحرارة والكثافة. فقد عثروا على الشفق البارد للإنفجار الأعظم، أي على الخلفية الكونية للإشعاع الميكروي الموجة . ومنذ ذلك الحين صار توسع الكون وتبرده هو النظرية التي وحدت ما تطرحه الكوسمولوجيا من موضوعات.

لقد قام بعض الفيزيائيين المشهورين وبعض مؤلفي الكتب الجامعية في الفلك وكذلك بعض الذين يبسطون العلم للناس، بطرح عبارات غير صحيحة ومضللة أو تفاسير هي بلا جدال سيئة حول توسع الكون. ولما كان التوسع هو الأساس في نموذج الإنفجار الأعظم، فهذه التفاسير السيئة تصبح أساسية. إن التوسع فكرة بساطتها خادعة، ولكن ما الذي يعنيه بالضبط قولنا إن الكون يتوسع؟ ما هذا الذي يتوسع فيه؟ هل تتوسع الأرض أيضاً؟ ومما يزيد من إرباكنا أن توسع الكون يبدو متسارعاً.

 

على أية حال، ما معنى توسع؟

 

عندما تتوسع أشياء مألوفة، مثل كاحل ملتو أن إمبراطورية رومانية أو قنبلة، تتضخم جميعها نتيجة توسعها في الفضاء حولها. والكاحل والإمبراطوريات والقنابل لها مراكز وأطراف. وفي خارج الأطراف ثمة متسع كي يجري التوسع فيه ، ولكن الكون ليس له على ما يبدو طرف ولا مركز ولا خارج، فكيف يمكن أن يتوسع؟

 

إن أفضل تمثيل له هو أن تتخيل نملة تعيش على سطح بالون ينتفخ، فعالمها ثنائي الأبعاد، والإتجاهات الوحيدة التي تعرفها هي: يمين، يسار، أمام ، خلف. وليس لديها أدنى فكرة عما هو فوق وما هو تحت. وفي أحد الأيام أدراكت أن سيرها نحو أرقاتها لتحلبها استغرق وقتاً أطول من المعتاد: خمس دقائق في اليوم الأول، وست دقائق في اليوم التالي، وسبع دقائق في اليوم الثالث... كما أن زمن السير المعتاد إلى مكان آخر آخذ بالتزايد. وهي متأكدة أنها لم تبطىء في سيرها وأن الأوقات تدور كيفما اتفق في جماعات متقلبة حول بعضها ولم تزحف بعيداً عنها بطريقة نظامية.

 

وهذه هي التقطة المهمة في الموضوع: أعني أن المسافات نحو الأرقات قد ازدادت على الرغم من أن الأرقات لم تبتعد عن مواضعها، إنها لا تزال تقف حيث كانت ودون حركة بالنسبة إلى مطاط البابون، ومع ذلك ازدادت المسافات إليها وفيما بينها. فمن ملاحظتها لهذه الوقائع ستنستنح أن الأرض تتوسع بين أقدامها. وهذا أمر غريب جداَ، لأنها لم تصل أثناء تجوالها إلى طرف أو إلى "خارج" بالنسبة إليها لتمتد إليه.

 

إن توسع كوننا شبيه جداً بتضخم البالون، والمسافات بالتالي نحو المجرات البعيدة تزداد. وقد عبر الفلكيون عن ذلك - عن غير قصد - بالقول إن المجرات البعيدة " تتقهقر" أو تبتعد عنا، لكن المجرات لا تسير في الفضاء مبتعدة عنا. وهي ليست شظايا قنبلة من قنابل الإنفجار الأعظم. بل كل ما في الأمر أن الفضاء بين المجرات وبيننا يتوسع. أما كل مجرة وحدها فهي تتجول كيفما اتفق داخل عناقيد، ولكن عناقيد المجرات تبقى جوهرياً ساكنة. وهذا التعبير "ساكنة" يمكن تعريفه تعريفاً دقيقاً. فإشعاع الخلفية الميكروي الموجة يملأ الكون، لذا فإنه يصلح معلماً تنسب لإليه الأشياء مثل مطاط البالون، ويمكن من ثم قياس الحركة بالنسبة إليه.

 

ولكن يجب ألا نذهب بعيداً جداً في هذا التشبيه، فقد كان التعبير : خارج البالون" و"توسع السطح" المطاطي المنحني الثنائي البعدين ممكنا من وجهة نظرنا لأنهما كانا متضمنين في فضاء ثلاثي الأبعاد. ثم إن للبالون مركزاً في البعد الثالث، وسطحه يتمدد في الهواء المحيط به عندما يتضخم. لذلك يمكن للمرء أن يستنتج أن توسع فضائنا الثلاثي الأبعاد يتطلب وجود بعد رابع. ولكن الفضاء ديناميكي وفق نظرية آينشتاين في النسبية العامة، التي هي النظرية الأساس في الكوسمولوجيا الحديثة، بمعنى أنه يمكن أن يتوسع وينكمش من دون أن يكون متضمناً في فضاء عدد أبعاده أكبر.

 

إن الكون بهذا المعنى قائم بذاته، فهو لا يحتاج، لا إلى مركز ليبتعد عنه ولا إلى فضاء خال خارجه (أيا كان ذلك) ليتمدد فيه.

 

ولا يتطلب عند توسعه وجوداً مسبقاً لفضاء خال يحيط به. وتفترض بعض النظريات الأحدث، مثل نظرية الأوتار، وجود مزيد من الأبعاد. ولكن كوننا الثلاثي الأبعاد لا يحتاج حين يتوسع إلى هذه الأبعاد الإضافية لكي ينتشر فيها.

 

إن كل شيء في كوننا يتقهقر عما عداه وذلك كما هي الحال على سطح البالون. فالإنفجار الأعظم ليس انفجاراً في الفضاء، بل كان أشبه بانفجار الفضاء ذاته. فهو لم ينفجر في موفع معين انتشر منه في خلاء نفترض أنه قد هيء له. لقد حدث في كل مكان دفعة واحدة.

 

لنفترض أن الساعة عادت بالزمن إلى الوراء ، وأن كل منطقة من الكون انكمشت وأن المجرات اقترب بعضها من بعض أكثر فأكثر إلى أن سحقت معاً في اكتظاظ مروري كوني، إنه الإنفجار الأعظم. قد يتطلب هذا التشبيه بالإكتظاظ المروري تصور اكتظاظ موضعي يمكن تجنبه فيما لو أصغينا إلى التقرير الإذاعي المروري ، ولكن الإنفجار الأعظم كان اكتظاظاً مرورياً لا يمكن تجنبه، فكان كما لو أن سطح الأرض وجميع الطرقات العامة عليها تقلصت، في حين بقيت السيارات محافظة على أحجامها. وأخيراً تكاثرت السيارات أكثر فأكثر على كل طريق، ولا توجد محطة إذاعة لتهرع وتخلصك من هذا الضغط المروري، لأن الإكتظاظ في كل مكان.

 

كذلك حدث الإنفجار الأعظم في كل مكان، في الغرفة التي تجلس فيها الآن كما في بقعة تقع على يسار النجم ألفا سنتوري فلم يكن مثل فنبلة تنفجر في بقعة معينة نعتبرها مركزاً. وإنما هو على غرار البالون الذي لا يوجد على سطحه مكان خاص هو مركز للتوسع.

 

إن حدوث الإنفجار الأعظم في كل مكان يظل صحيحاً مهما كان حجم الكون، سواء أكان منتهياً أم غير منته. وقد يذكر الكوسمولوجيون أحياناً أن الكون كان بحجم حبة كريفون، ولكن ما يعنونه بذلك هو أن حجم الجزء المشاهد الآن من الكون، كان بحجم حبة كريفون.

 

إن الراصدين الذين يعيشون في مجموعة أندروميدا وما وراءها لهم أكوانهم التي تختلف عن كوننا بالتفاصيل ولكنها تتفق مع كوننا من حيث الشكل. فهؤلاء يمكنهم رؤية مجرات لا نستطيع نحن رؤيتها، لأنها تكون أقرب إليهم منا، والعكس بالعكس. ولكن كونهم المرئي كان أيضاً يحجم حبة كريفون. وهكذا يمكن أن نتصور الكون في بدايته مثل كومة من حبات كريفون متشابهة تتمدد ( الكومة) لا نهائياً في جميع الإتجاهات. وفي المقابل، إن فكرة أن الإنفجار الأعظم كان "صغيراً" هي فكرة مضللة. فالكون بكليته يمكن أن يكون لا نهائياً، وحين ينكمش كون لانهائي ويفقد شيئاً من حجمه، فإنه يظل لا نهائياً.

 

تقهقر أسرع من الضوء.

 

ثمة مجموعة أخرى من الإكار الخاطئة تحيط بالوصف الكمي للتوسع في عام 1929 وجد الفلكي الأمريكي " هبل" أن معدل تزايد المسافات بين المجرات يتبع نموذجاً مميزاً مفاده أن السرعة (v) لتقهقر مجرة ما عن مجرتنا تتناسب طرداً مع بعدها ( d ) عنا، أي v = Hd. ويعرف ثابت التناسب H باسم ثابت هبل. فهو يحدد مدى السرعة التي يتمدد بها الكون حول أي راصد في الكون وليس حولنا وحدنا.

 

إن عدم خضوع بعض المجرات لقانون هبل قد يسبب الإرباك عند بعضهم. فأقرب مجرة كبيرة إلينا، أندروميدا، تتحرك فعلياً نحونا ولا تيتعد عنا. والسبب في ظهور هذه الإستثناءات هو أن قانون هبل يسري فقط على السلوك الوسطي للمجرات. وقد يكون لبعض المجرات حركات محلية متواضعة، كأن تدور بتأثير الثقالة حول بعضها، وهذه حال مجرة درب التبانة وأندروميدا. وكذلك ثمة مجرات بعيدة سرعاتها المحلية صغيرة، ولكن هذه السرعات العشوائية تضيع في نظرنا ( في حالة d كبيرة جداً ( في خضم سرعات تقهقر v كبيرة جداً. فبالنسبة إلى هذه المجرات ، يحقق قانون هبل دقة جيدة.

 

لنلاحظ أن الكون، تبعاً لقانون هبل، لا يتوسع بسرعة واحدة. فبعض مجراته تتقهقر عنا بسرعة 1000 كم في الثانية، والمجرات التي تبعد عنا ضعف مسافة المجرة السابقة تتقهقر عنا بسرعة 2000 كم في الثانية وهكذا. ويتنبأ قانون هبل بوجود مجرات تقع على مسافة معينة عنا - تسمى مسافة هبل - هي أسرع من الضوء في تقهقرها. وبالنسبة إلى قيمة ثابت هبل التي قيست، تصل هذه المسافة إلى نحو 14 بليون سنة ضوئية.

 

ترى، هل يعني هذا التنبؤ، أن قانون هبل خطأ؟ ألم تقل نظرية أينشتاين النسبية الخاصة أن لا شيء يمكن أن يتجاوز سرعة الضوء؟ لقد أربكت هذه المسألة أجيالاً من الطلبة. أما حلها، فهو أن نظرية النسبية الخاصة لا تنطبق إلا على السرعة "العادية"، أي على الحركة عبر المكان. في حين أن الحركة في قانون هبل ليست عبر المكان وإنما هي حركة تقهقرية ناشئة عن توسع المكان. وهذه الحركة هي من نتائج النسبية العامة وهي غير محدودة بحدود النسبية الخاصة. لذلك لا يخرق تجاوز التقهقر لسرعة الضوء، نظرية النسبية الخاصة. كما لا يزال صحيحاً ألا شيء يمكن أن يتجاوز في سرعته سرعة الضوء.

 

يتمدد الكون ويبرد.

 

إن أول ملاحظة أساسية أعلنت عن توسع الكون ظهرت بين عامي 1910 و 1930. وقد تبين أن ظاهرة كون الذرات تبث وتمتص موجات ضوئية نوعية، وذلك كما دلت القياسات المختبرية، موجودة في الضوء الوارد من المجرات البعيدة، باستثناء أن الموجات هنا كانت منزاحة نحو الموجات الطويلة. ويعبر الفلكيون عن ذلك بقولهم إن ضوء المجرات كان منزاحاً نحو الأحمر. وتفسير ذلك أمر مباشر: فلما كان الفضاء يتوسع، فالومجات الضوئية تتمدد. وإذا تضاعف حجم الكون أثناء رحلة الموجات، فستتضاعف معه أيضاً أطوال هذه الموجات وتنخفض طاقتها إلى النصف.

 

ويمكن وصف هذه السيرورة بدلالة درجة الحرارة، فالفوتونات الصادرة عن جسم ما لها مجملها درجة حرارة - أي لها توزع معين في طاقتها يدل على مدى سخونتها. ولما كانت الفوتونات ترحل عبر فضاء يتوسع، فهي تخسر شيئاً من طاقتها، وتنخفض بالتالي درجة حرارتها. ونتيجة لذلك، يبرد الكون عندما يتوسع ، مثله مثل هواء مضغوط في أجهزة الغطس يبرد عند إفلاته وتركه ينتشر.

 

وعلى سبيل المثال، إن درجة حرارة إشعاع الخلفية الميكروي الموجة هي ، كما هو شائع الآن، 3 درجات كلفن تقريباً. في حين أن سيرورة انفلات الإشعاع، حدثت في درجة حرارة 300 كلفن. وقد ازداد حجم الكون 1000 مرة منذ ذلك الزمن الذي بث فيه هذا الإشعاع. وهكذا هبطت درجة حرارة الفوتونات بنفس النسبة، وهذا جعل الفلكيين يقيسون مباشرة درجة حرارة الإشعاع في الماضي البعيد من خلال ملاحظة الغازات في المجرات النائية. وهذه القياسات تؤكد أن الكون كان يبرد مع الزمن.

 

ثمة خلاف حول العلاقة بين الإنزياح نحو الأحمر والسرعة المتوافرة، إذ يختلط الأمر بين الإنزياح نحو الأحمر الناتج من توسع الكون وبين الإنزياح نحو الأحمر الناتج من مفعول دوبلر. ففي مفعول دوبلر المألوف تطول الموجات نتيجة ابتعاد مصدرها عنا - هذا ما نلاحظه عندما تبتعد عنا سيارة إسعاف تطلق العنان لبوقها وهذا المبدأ ذاته ينطبق على موجات الضوء، فطولها يزداد أيضاً إذا كان مصدرها يبتعد عنا عبر الفضاء.

 

إن ما يحدث لموجات الضوء الآتي من المجرات النائية شبيه بما يحدث لموجات صوت السيارة، ولكنه لا يتطابق معه. لأن الإنزياح الكوسمولوجي نحو الأحمر ليس مثل إنزياح دوبلر العادي. ولكن الكوسمولوجيين كثيراً ما يشيرون إليه بهذه الطريقة، مع أنهم بفعلهم هذا يوجهون إساءة جدية لطلبتهم. لأن انزياح دوبلر نحو الأحمر والانزياح الكوسمولوجي نحو الأحمر يخضعان لقانونين مختلفين، فالأول يشتق من النسبية الخاصة التي لا تدخل في حسابها توسع الكون، والآخر يشتق من النسبية العامة التي تراعي هذا التوسع. والقانون متقاربان جداً في حال المجرات القريبة ولكنهما يختلفان في حال المجرات النائية.

 

عندما نطبق قانون دوبلر المعهود على الأجرام التي تقارب سرعاتها سرعة الضوء، نجد أن الانزياح نحو الأحمر يقارب اللانهاية. فموجات هذا الضوء تصبح أطول من أن تلاحظ. ولو صح هذا على المجرات، لكان يعني أن أبعد الأجرام المرئية تتقهقر بسرعة أكبر بكثير من سرعة الضوء. ولكن قانون الإنزياح الكوسمولوجي نحو الأحمر يؤدي إلى غير هذه النتيجة. ففي النموذج الكوسمولوجي القياسي الحالي، نجد أن المجرات التي يصل انزياح موجاتها نحو الأحمر إلى نحو 1.5 - أي التي موجاتها أطول بـ150 في المئة مما قيست به في المختبر - تتقهقر بسرعة الضوء. وقد رصد الفلكيون نحو 1000 مجرة انزياح موجاتها نحو الأحمر أكثر من 1.5. وهذا يعني أنهم شاهدوا 1000 جرم تقريباً كل واحد منها يتجاوز في تقهقره سرعة الضوء. وهذا يطافىء قولنا إننا نحن نتقهقر عن هذه المجرات بسرعة تفوق سرعة الضوء. بل إن إشعاع الخلفية الكونية من الموجات الميكروية تجاوز ذلك وبلغ انزياحه نحو الأحمر 1000 تقريباً. وعندما بثت البلازما الحارة هذا الإشعاع الذي نرصده الآن في بداية الكون، كان يتقهقر عن موضعنا بسرعة تقارب 50 مرة سرعة الضوء.

 

يركض ليظل ساكناً.

 

قد تبدو فكرة وجود مجرات تتحرك بسرعة تتجاوز الضوء فكرة مستحيلة عملياً، لكن التغييرات في التوسع هي التي جعلتها ممكنة. لنتخيل شعاعاً ضوئياً أبعد من مسافة هبل ( أي أبعد من 14 بليون سنة ضوئية)، وأنه يسير باتجاهنا. فبالنسبة إلى (فضائه المحلي) تكون سرعته نحونا بسرعة الضوء. ومع فضاءه المحلي يتقهقر عنا بسرعة أكبر من سرعة الضوء. ومع أن هذا الشعاع الضوئي يسير نحونا بأقصى سرعة ممكنة، فإنه لت يتمكن من الاحتفاظ بموضعه على الفضاء المتمدد، فهو يشبه بعض الشبه طفلاً يحاول الركض على بساط متحرك في الإتجاه المعاكس لحركة البساط. فالفوتونات الموجودة على مسافة هبل، تسعى بأقصى ما يمكنها لتحافظ على موضعها.

 

ويمكن أن نخلص من ذلك إلى أن الضوء الآتي من مصادر ضوئية أبعد من مسافة هبل، لن يصل إلينا ولن نتمكن أبداً من اكتشاف مصدره. ولكن مسافة هبل ليست ثابتة، لأن ثابت هبل الذي يحدد هذه المسافة ليس ثابتاً بل يتغير مع الزمن. وخصوصاً أن هذا الثابت متناسب مع معدل تزايد المسافة بين مجرتين مقسوماً على هذه المسافة. ( ويمكن إجراء هذا الحساب على أي مجرتين). وفي بعض نماذج الكون التي يمكن أن تؤخذ فيها بيانات رصد مناسبة، يزداد المقام أكثر من البسط، مما يجعل ثابت هبل يتناقص. وهكذا تكبر مسافة هبل. وعلى هذا، فإن شعاع الضوء الذي يتقهقر عنا والذي انطلق في البدء من مسافة أصغر من مسافة هبل، يمكن أن يقبل نحونا من مسافة ضمن مسافة هبل. وستجد الفوتونات نفسها عندئذ في منطقة من الفضاء تتقهقر بسرعة أبطأ من سرعة الضوء. فهي من ثم يمكن أن تقترب مناً.

 

ومع ذلك، يمكن للمجرة التي أتت منها هذه الفوتونات أن تتابع تقهقرها أسرع من الضوء. ولذلك نستطيع مشاهدة ضوء آت من مجرات كانت تتقهقر دائماً، وستظل تتقهقر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، أو بعبارة أخرى، إن مسافة هبل ليست ثابتة وليست مؤشراً على طرف (حافة) الكون المرئي.

 

ما هو المؤشر إذاً على طرف الفضاء المرئي؟ في هذا أيضاً كان هناك تشوش. فلو لم يكن الفضاء يتوسع، لكان أبعد جرم يمكن رؤيته الآن، يبعد عنا 14 بليون سنة منذ الإنفجار الأعظم. ولكن لما كان يتوسع، فالفضاء الذي اجتازه أحد الفوتونات يتمدد خلفه أثناء رحيله. لذلك فإن المسافة إلى أبعد جرم سماوي يمكن رصده تتضاعف ثلاث مرات تقريباً، أو 46 بليون سنة ضوئية.

 

بل إن الاكتشاف الأخير بأن معدل التوسع الكوني يتسارع، يزيد من أهمية الظاهرة. فالكوسمولوجيون كانوا يظنون أننا نعيش في كون يتباطأ وأن مزيداً من المجرات سيوالي القدوم إلى مجال الرؤية. أما في كون يتشارع، فنحن محاطون بسياج لن نرى ما يحدث خلفه أبداً، أي ثمة أفق حدث كوني. وإذا كان للضوء الآتي من المجرات التي تتقهقر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، أن بصل إلينا، لوجب أن تتزايد مسافة هبل، ولكنها تتوقف عن التزايد في كون متسارع، إذ يمكن للأحداث النائية أن ترسل أشعة ضوئية متجهة نحونا، ولكن التسارع الكوني يبقيها أبعد من مسافة هبل.

 

فالكون المتسارع يشبه إذا ثقباً أسود في أن له أفق حدث ، أي أن له طرفاً لا نستطيع رؤية ما خلفه. والمسافة الحالية التي تفصلنا عن هذا الطرف هي 16 بليون سنة ضوئية. فالضوء الصادر عن المجرات التي أصبحت الآن خلف أفق الحدث لن يستطيع أبداً الوصول إلينا، والمسافة 16 بليون سنة ضوئية التي تنسب حالياً، لهذا الأفق، ستتوسع كثيراً. وسنظل قادرين على رؤية أحداث جرت في هذه المجرات قبل أن تتخطى الأفق، أما الأحداث اللاحقة فستظل دائماً في خارج مدى النظر إلى الأبد.

 

غالباً ما يظن الناس أن كل شيء سيتوسع ما دام الكون يتوسع. ولكن ذلك غير صحيح، لأن التوسع بذاته، لا يولد قوة. وأطوال موجات الفوتونات تتوسع مع الكون لأنها - خلافاً للذرات والمدن والفوتونات - ليست أشياء متماسكة حدد حجمها الائتلاف بين القوى. والتغير في معدل التوسع يضيف بالتأكيد قوة جديدة إلى تلك الأشياء، ولكن حتى هذه القوة الجديدة لا تجعل الأشياء تتوسع أو تنكمش.

 

فمثلاً، لو ازدادت قوة الثقالة، لظل الحبل الشوكي ينضغط إلى أن تتوصل إلكترونات الفقرات إلى توازن تكون فيه أكثر تقارباً. وعندئذ يصبح الشخص أقصر ما كان، ولكنه لن يزداد انكماشاً. وبالطريقة نفسها، لو كنا نعيش في كون تسوده القوة الجاذبة للثقالة، لتباطأ التوسع نتيجة لضغط الثقالة على الأجسام في الكون بحيث يجعلها أصغر حجماً - وهذا ما كان معظم الكوسمولوجيين يعتقدون به حتى بضع سنوات - ولكنها لا تظل تنكمش بعد ذلك.

 

في واقع الأمر، إن التوسع يتسارع في كوننا، ويفرض ذلك قوة خفيفة خارجية على الأجسام. فحجم الأشياء أكبر قليلاً مما لو كانت في كون غير متسارع، لأن توازن القوى لا يتحقق إلا إذا كان حجمها أكبر قليلاً. فالتسارع عند سطح الأرض المتجه إلى خارجها يساووي كسراً ضئيلاً (10 أس 30) من التسارع العادي إلى داخلها. وهذا التسارع لن يجعل الأرض تتوسع ما دام ثابتاً، فالأرض تحتفظ بحجمها الثابت الأكبر قليلاً من الحجم الذي كانت ستبلغه لو تغير هذا التسارع.

 

ويخمن بعض الكوسمولوجيين بأن الأمر يختلف إذا كان التسارع غير ثابت، إذ يمكن أن تتضخم الأرض أخيراُ عند ازدياد هذا التسارع ويصبح التضخم من القوة ما يجعل البنى كلها في نهاية المطاف تتمزق مزقاً كبيرة. ولكن هذا التمزق لن يحدث بسبب التوسع أو التسارع بذاته، وإنما بسبب تسارع التسارع.

 

إن الدعائم التي بني عليها نموذج الإنفجار الأعظم هي رصد التوسع والخلفية الكونية من الأمواج الميكروية والتركيب الكيميائي للكون وتكتل المادة فهو، مثل جميع الأفكار العلماية الأخرى، عرضة للتبديل. ولكنه أفضل نموذج لدينا بما يناسب البيانات المتوافرة حالياً. ولما كان الكوسمولوجيون قد فهموا التوسع والتسارع فهماً أفضل نتيجة إجراء قياسات حديثة دقيقة، فقد أصبح بإمكانهم إضافة إلى ذلك طرح أسئلة أساسية عن الأزمنة المبكرة للكون وعن أوسع نطقه. فمثلاً ما سبب توسع الكون؟ يعزره عدد من الكوسمولوجيين إلى سيرورة تعرف باسم التضخم، وهي نمط من تسارع التوسع. ولكن قد يكون الجواب متجزأ، لأن تضخم الكون يقتضي أن يكون هذا الكون قد بدأ التوسع. ثم ماذا عن المسائل المتعلقة بأوسع النطق، ما وراء ما نستطيع رؤيته؟ هل تتوسع أجزاء الكون المختلفة بمقادير مختلفة بحيث إن كوننا لا يعدو أن يكون فقاعة متضخمة في كون أضخم بكثير؟ لا أحد يعرف. ومع أن العديد من الأسئلة ستظل تثار، فإن الأرصاد المتزايدة الدقة توحي بأن الكون سيتمدد إلى الأبد. ومع ذلك نأمل أن يتضاءل التشوش الذي ينتابنا حول التوسع.

______________________________________________________________

 

 

المؤلفان: Charles H. Lineweaver - Tamara M. Davis

 

فلكيان يعملان في مرصد قمة سترميو بالقرب من كانبيرا بأستراليا. وعملهما يتناول مجالاً واسعا يمتد من الكوسمولوجيا إلى الحياة في الكون. وعندما كان "لاينوفير" بجامعة كاليفورنيا، في بداية التسعينيات، كان واحداً من فريق مستكشفي الخلفية الكونية الذي اكتشف تقلبات إشعاع الخلفية الميكروي المجة. أما "ديفز" فتعمل على سوبرنوفا مسبار التسارع، وهو مرصد فضائي صمم حديثاً.

 

مراجع للإستزادة

_____________________________________________________________

 

Cosmolgy: The Science of Universe> Edward R. Harrison Cambridge University Press, 2000.

 

The Cosmic Microwave Background Radiation Tempreture at a Redshift of 2.34. R.Srinanad, P. Petitijean and C. Ledoux in nature vol. 408 , No. 6815, pages 931-935; December 21, 2000> Available online at http://arxiv.org/abs/astro-ph/0012222

 

Solution to the Tethered Galaxy Problem in an Expanding Universe and the observation of receding Blueshifted Objects> Tamara M. Davis, and Charles H.Lineweaver and hohn K. Webb in american journal of physics, vol. 71 , No. 4 , pages 358-364; April 2003

http://www.arxiv.org/abs/astro-ph/0104349

 

Expanding Confusion: Common Misconceptions of Cosmolgical Horizon and the superluminal Expansion of the universe. http://arxiv.org/abs/astro-ph/0310808

 

www.astro.ucla.edu/~wright/cosmolog.htm

_____________________________________________________

 

المصدر الأصلي: مجلة العلوم ( الترجمة العربية لمجلة ساينتفيك أمريكان).

 

Share this post


Link to post
Share on other sites

إنني لم أدرس بعد ما تقوله نظرية الأوتار في هذا التوسع

وأتساءل الآن هل التوسع حسب نظرية الأوتار تعني توسع غشاء الكون الفراغي الذي تتعلق به الأوتار مسببا تباعد الأوتار المهتزة مما يعني تمدد الفوتونات الضوئية مما يجعلها تنزاح للأحمر نتيجة توسع غشاء الكون وهو يختلف عن الانزياح للأحمر نتيجة ظاهرة دوبلر لكن الأجسام المادية يصعب تمدد المسافة بين أوتارها كون التجاذب بينها (بين الأوتار المشكلة باهتزازها للجسيمات الأولية الذرية ) أكبر من قوة التوسيع بشكل متوازن

يرجى ممن لديه معلومات في مجال الربط بين نظرية الأوتار الفائقة وتوسع الكون عرضه لنا مع الشكر

Share this post


Link to post
Share on other sites

الذي كنت أعرفه أن الفلكيين يقولون بأن الكون على حافة توقف التوسع (الحالة الحرجة )فكيف ينسجم هذا مع ما وجدته بالموضوع بأن توسع الكون متسارع ؟؟؟

Share this post


Link to post
Share on other sites

 

 

الاعتقاد السابق بأن الكون سيتوقف عن التوسع ام لا كان معتمدا على مدى كثافة الكون أي كثافة المادة في الكون ، فإذا كانت الكثافة

اكبر من قيمة معينه وهي الحالة الحرجة فأن التوسع سيتوقف واذا كانت الكثافة اصغر من الحالة الحرجة فإن التوسع سيستمر . وقد

استنتج العلماء اليوم ان قيمة الكثافة اقل بكثير من الحالة الحرجة اي ان الكثافة الحالية لكل المادة غير كافية لايقاف التوسع الكوني

وبالتالي سيواصل الكون توسعه دون توقف. وقد استنتج العلماء في اواخر التسعينيات ان التوسع يزداد اكثر فأكثر كلما ازدادت

المسافة بعدا عنا ، وفسروا ذلك بأنه بسبب تأثير المادة المظلمة حيث تعمل على زيادة سرعة التمدد .

Share this post


Link to post
Share on other sites

Create an account or sign in to comment

You need to be a member in order to leave a comment

Create an account

Sign up for a new account in our community. It's easy!

Register a new account

Sign in

Already have an account? Sign in here.

Sign In Now
Sign in to follow this  

×